صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (١٢)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.
   على الرَّغمِ من أَنَّ التَّسامح من أَعظم الخُلُق وهو دليلُ سِعة الصَّدر والصَّبر على البلاء، وهو مُساهمةٌ مُباشرة في تهدِئة الخواطر لتحقيقِ الإِستقرار المُجتمعي والسِّلم الأَهلي.
   على الرَّغمِ من ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ كذلكَ بشرطهِ وشروطهِ، فليسَ كلُّ تسامُحٍ يساعدُ في تحقيقِ الإِستقرار المُجتمعي أَبداً، خاصَّةً إِذا كانَ من دونِ قيدٍ أَو شرطٍ، إِذ قد يفهمهُ المُعتدي دليلُ ضعفٍ وهوانٍ فيكرِّر فعلتهُ.
   وإِذا قرأنا آيات الصَّفح والعفو مثلاً فسنجد أَنَّ المُشرِّع أَطَّرها في ظروفِها وعواملِها وأَسبابِها ليتأًكَّد بأَنَّها ستكونُ عُنصر إِستقرارٍ وليس سبب لتكرارِ التعدَّي مثلاً أَو إِرتكابِ الجريمةِ!.
   كقولهِ تعالى {وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} فأَضعفُ الشُّروط رُبما هُوَ التَّوبةُ والإِعتذارُ والاستعاضةُ بالعملِ الصَّالحِ!. 
   كما أَنَّ أَميرَ المُؤمنينَ (ع) أَوضح ذَلِكَ في أَكثرِ من نصٍّ، وكأَنَّهُ يُرِيدُ القول بأَنَّ الصَّفحَ سلاحٌ ذو حدَّين، فهو سلاحٌ فعَّالٌ لتحقيقِ الإِستقرار والإِنسجام المُجتمعي إِذا أَخذنا بشروطهِ في الوقتِ المعلوم، وهو سلاحٌ سيّءٌ في توريطِ المُجتمع بالمزيدِ من تكرارِ الأَخطاءِ إِذا تغافلنا عن شروطهِ في الوقتِ المعلوم. 
   وَلَو كانَ الصَّفحُ محموداً على كلِّ حالٍ فلماذا نقرأ في دعاءِ مكارمِ الأَخلاق في الصَّحيفة السجاديَّة قولَ الإِمام عليُّ بن الحُسين السجَّاد زينِ العابدين (ع) {وَاجْعَلْ لِيْ يَداً عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي، وَلِسَـاناً عَلَى مَنْ خَـاصَمَنِي، وَظَفَراً بِمَنْ عَانَدَنِي، وَهَبْ لِي مَكْراً عَلَى مَنْ كَايَدَنِي، وَقُدْرَةً عَلَى مَنِ اضْطَهَدَنِي، وَتَكْذِيباً لِمَنْ قَصَبَنِي}؟!.
   إِنَّ الصَّفح والعفو الذي يحرِّض على تكرارِ الخطأ في المُجتمع هو خطأٌ بحدِّ ذاتهِ، كما في قولهِ تعالى {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}.
   فالمُجتمع الذي يسكُت عن مرتكبِ الجريمةِ بأَيَّةِ ذريعةٍ، ومنها بذريعةِ العفو، ملعونٌ على لسانِ القرآن الكريم! أَي أَنَّهُ بذلكَ يبتعدُ عن رحمةِ الله تعالى لأَنَّهُ في حقيقةِ الأَمر يظلمُ نفسهُ بالتَّغاضي عن الخطأ بذريعةِ العفو وبالتَّالي فهو يحرِّضُ عليهِ شاء أَم أَبى، إِذا لم يتأَكَّد بأَنَّ العفوَ مُنتفيةٌ شروطهُ! حتَّى ليجدَ نفسهُ في ساعةٍ أَنَّهُ مُحاصرٌ بالجريمةِ، والتي أَقلَّها إِنتشار الشَّائعات والتعدِّي باللِّسان البذيء على النَّاس وانتهاك الحُرُماتِ وهكذا!.
   وأَكثر من هذا فإِنَّ بعض المُجتمعات يميلُون إِلى المُعتدي بذريعةِ إِتِّقاء شرِّهِ او لسانهِ البذيء! فلا ينتصرُون للمُعتدى عليهِ ولا حتَّى للحقِّ العام، فيلوذُونَ بصمتِ أَهل القبُور كذلكَ بذريعةِ العفو عن المُعتدي لكسرِ الشرِّ كما يقولُون ويدَّعون {تَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} وما درَوا أَنَّهم يحرِّضونَ على الشرِّ بمثلِ هذا العفو المزعُوم لو كانوا يعلَمون.
   وصدقَ الله العظيم الذي وصفَ ذلك بقولهِ {وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}.
   إِنَّهم يتصوَّرون أَنَّ العفوَ في مثلِ هَذِهِ الحالةِ يجنِّبهم الفِتنة! وقد سقطُوا فيها بالفعل.
   إِنَّ أَهم شرطٍ من شرُوط العفو هو أَن يفهم المُخطيء أَنَّهُ ارتكبَ خطأً فلا يتصوَّر العفو بمعنى تبرِئتهِ من الخطأ! فيستسهلَ الموقف.
   وتلك هي مهمَّة المُجتمع كلَّهُ وليس المُعتدى عليهِ فقط! لأَنَّ تحصين المُجتمع من تكرارِ الأَخطاء والتعدِّي على الحُرُمات مُهمَّة المُجتمع نفسهُ وليسَ الفرد!.
   إِذا اعتذرَ الفردُ عن خطئهِ وتبيَّن أَنَّهُ ارتكبهُ جهلاً وعن غيرِ معرفةٍ فليسَ غَير العفو والصَّفح طريقاً لإِعادتهِ إِلى جادَّة الصَّواب، كما يَقُولُ تعالى {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
   إِمَّا إِذا لم يعتذر فهذا يعني أَنَّهُ ارتكبَ الخطأ عن عمدٍ وعن علمٍ ومعرفةٍ مع سبقِ الإِصرار، فليسَ إِلَّا العقُوبة المُجتمعيَّة، ومنها فضحهِ على رؤُوس الإشهاد، طريقاً لردعهِ.
   يَقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {أَدْنَى الْإِنْكَارِ أَنْ يُلْقَى أَهْلُ الْمَعَاصِي بِوُجُوهٍ مُكْفَهِرَّةٍ} أَمَّا إِذا لقيَهُم المُجتمع بالأَحضانِ فسيفهمُونَ من ذَلِكَ أَنَّهم لم يفعلُوا مُنكراً فلماذا الحذرُ إِذن؟!.
   كما يَكُونُ العفو بمثابةِ الجريمةِ إِذا كانَ الخطأُ قد ارتُكب بحقِّ القِيم والمُجتمع والشَّأن العام، أَو أَنَّهُ يقطع سبيلَ المعروفِ! ولذلكَ نرى أَنَّ أَميرَ المُؤمنينَ (ع) كان شديداً قاسياً جدّاً على مَن يرتكب الخطأ ضدَّ الحقِّ العام فكان يَقُولُ مثلاً {فَاتَّقِ اللهَ، وَارْدُدْ إِلَى هؤُلاَءِ الْقَوْمِ أمَوَالَهُمْ، فإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي اللهُ مِنْكَ لاَُعْذِرَنَّ إِلَى اللهِ فِيكَ، وَلاََضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَداً إِلاَّ دَخَلَ النَّارَ!}.
   ويُضيفُ (ع) لإِظهارِ شدَّتهِ وحزمهِ وغضبهِ في الأَمر {وَ وَاللهِ لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فعَلاَ مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ، مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ، وَلاَ ظَفِرَا مِنِّي بَإِرَادَة، حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُمَا، وَأُزِيحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا}.  

لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/05/18



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (١٢)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net