الولايات المتحدة وايران: احتمالات المواجهة العسكرية
رياض محمد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ينقسم جزء غير قليل من العراقيين والعرب بين مؤيد متحمس لسيناريو الحرب المحتملة بين الولايات المتحدة وايران وبين مناصر لايران في مواجهتها المرتقبة مع المارد الامريكي. وكثير من هؤلاء تدفعهم في حماسهم هذا ميول طائفية تخفي عنهم حقائق الامور كما هي على ارض الواقع لا كما يتمنون ان تكون.

لا ادعي اني خبير عسكري فلم اتخرج من كلية عسكرية او كلية اركان رغم خدمتي العسكرية المتواضعة التي تقل عن عامين في صنوف القوات الخاصة والحرس الجمهوري والتموين. كما لا ازعم اطلاعا مباشرا على مايدور داخل مركزي صنع القرار في واشنطون او في طهران الان. لكني ومنذ ادارة بوش الاب وحتى اليوم متابع بشكل دقيق لاغلب التدخلات العسكرية الامريكية حول العالم وقرأت واطلعت بشكل كاف على حيثيات تطورها من مناقشتها وحتى ما بعد تنفيذ هذه التدخلات. 

كما تابعت بشكل لاباس به الاساليب التي تنتهجا ايران في محيطها الاقليمي والدولي في فترة ما بعد الثورة الايرانية وحتى اليوم رغم ان هذه المتابعة منقوصة بسبب عدم المامي باللغة الفارسية. 

ما اود توضيحه – وقد سبق لي الاشارة اليه عدة مرات في محاضرات ولقاءات سابقة – ان غالبية الجمهور العراقي والعربي تجهل تماما الية صنع القرار في الولايات المتحدة وايران كما تجهل اساسيات الستراتيجية العسكرية واستخدام الموارد البشرية والمادية والجغرافية والثقافية لتحقيق اهداف الدول السياسية.

في البدء يجب الاشارة الى ان الولايات المتحدة ومنذ ادارة بوش الاب خاضت خمسة انواع من المواجهات العسكرية. 

اولا: الغزو البري الشامل ضد دولة لها من القوة ما يستدعي اندلاع حرب شاملة. مثال ذلك غزو العراق عام 2003 وما تلاه من حرب دامت حتى عام 2009 وحرب الخليج عام 1991. وفي هذا النوع من التدخل جيشت الولايات المتحدة مئات الالاف من الجنود والاف الطائرات والدبابات في عملية تعبئة دامت لاشهر طويلة وانتهت باستخدام مركز لهذه القوات في البر واقتحام بري لاراضي دولة او دول. هذا السيناريو غير وارد اطلاقا في المواجهة المحتملة الحالية مع ايران. فمنذ حرب العراق عام 2003 اصبحت عملية غزو دولة اخرى بقوات برية امريكية كبيرة شبه مستحيلة لان الرأي العام الامريكي والكونغرس يرفضها رفضا قاطعا ما لم تكن ردا على عدوان كبير وواضح من دولة اخرى وهو امر مستبعد جدا.

ثانيا: الحرب الجوية الشاملة التي تدعم حليفا غير امريكي مع قوات امريكية محدودة. مثال ذلك الحرب الامريكية على داعش بعد عام 2014 والحرب الامريكية في افغانستان بين عام 2001 و2009 والحرب في ليبيا عام 2011. في هذا السيناريو تزج الولايات المتحدة بقواتها الجوية وبعدد محدود (لايتجاوز الالاف) من قواتها البرية لدعم حليف مثل تحالف الشمال الافغاني او القوات المسلحة العراقية او الاكراد في سوريا والعراق او الثوار الليبين لدحر عدو ما مثل الطالبان وداعش ونظام القذافي. وهذا السيناريو غير وارد الان ايضا لانه لاتوجد قوة على الارض تخوض حربا برية ضد القوات المسلحة الايرانية في ايران.

ثالثا: الحرب الجوية الشاملة وفي هذا النوع تزج الولايات المتحدة بقواتها الجوية لاضعاف عدو ما بالقصف المركز والمتواصل دون وجود اي عمليات برية. مثال ذلك حرب كوسوفو عام 1999 عندما شن حلف الاطلسي عملية قصف شاملة على صربيا لمدة ثلاثة اشهر انتهت بقبول صربيا بشروط الحلف وانسحابها من كوسوفو. وهذا السيناريو رغم انه محتمل لكنه ضعيف لانه يستدعي حشد جوي وسياسي وربما دولي لم يتوفر حتى الان في المواجهة الحالية مع ايران.

رابعا: الغزو البري لدولة صغيرة. في هذا النوع ترسل الولايات المتحدة بقوة برية محدودة نسبيا لكنها قادرة على غزو دولة صغيرة دون الحاجة لدخول حرب. مثال ذلك غزو بنما عام 1989 وغزو هاييتي عام 1994 وغزو الصومال 1992. وهذا السيناريو غير قابل للتحقيق لان ايران دولة كبيرة وغزوها سيؤدي الى حرب شاملة.

خامسا: الضربات الجوية والصاروخية. وهو الاسلوب الاكثر استخداما لانه يقلل الى اقصى حد احتمالات سقوط قتلى امريكيين كما انه الى حد ما محدود. مثال ذلك عملية ثعلب الصحراء 1998 في العراق وقصف افغانستان والسودان عام 1998 وقصف سوريا بعد الهجمات الكيميائية في السنوات الاخيرة وعملية رعد الصحراء في العراق عام 1996 والقصف الجوي ضد الدفاعات الجوية العراقية بين عامي 1998 و2003 في مناطق الحظر الجوي وعمليات اخرى كثيرة. وهذا السيناريو هو الاكثر احتمالية في المواجه المحتملة الحالية مع ايران.

الجدير بالذكر ان اغلب هذه الخيارات تحتاج الى موافقة الكونغرس بمجلسيه بعد اجتماعات عديدة لمجلس الامن القومي الامريكي برئاسة الرئيس وعضوية وزراء الخارجية والدفاع وبحضور رئيس هيئة الاركان المشتركة ومستشار الامن القومي ورئيس المخابرات الوطنية وقائد القيادة العسكرية المسؤولة عن منطقة النزاع. وفي النهاية يترك القرار للرئيس.

ان ما كشفت عنه صحيفة النيويرك تايمز يوم امس من مناقشة مجلس الامن القومي الامريكي لخطة ارسال 120 الف جندي امريكي للشرق الاوسط كقوة ردع لايران يندرج ضمن الخيارات المطروحة للدفاع ولتهيئة الارضية لخيارات الهجوم ان اقتضت الحاجة. هذه الخطة لم يتقرر تنفيذها حتى الان.

اما على الجانب الايراني فأن من يتأمل في تاريخ علاقات ايران بدول المحيط ودول العالم يجد ان ايران متمرسة في لعبة القط والفأر التي تجنب ايران شن عمليات عسكرية اوحربية مباشرة ضد اي دولة – باستثناء الحرب العراقية الايرانية بين عامي 1980 و1988 وهي حرب كان يمكن تجنبها لو تصرف صدام بحكمة بدلا من حماقته وجهله بالسياسة الاقليمية والدولية. فايران تفضل استخدام حلفائها الاقليميين مثل حزب الله وعصائب اهل الحق والحوثيين وغيرهم في توجيه الضربات هنا وهناك دون الحاجة الى تورط ايراني مباشر في عمل عدائي ضد دولة اخرى. 

ان الهجمات التخريبية على بواخر النفط قبالة سواحل الامارات العربية المتحدة والهجمات الحوثية بالطائرات المسيرة المفخخة ضد منشأت نفطية سعودية قرب الرياض تندرج ضمن الاسلوب المفضل لايران في التعامل غير المباشر عبر الحلفاء بدلا من توجيه ضربة واضحة تشكل ذريعة لهجوم اوحرب امريكية انتقامية واسعة. 

ورغم الاساطير التي يصر عليها الاعلام الغربي والعربي حول دورالجنرال سليماني ودور مستشار الامن القومي جون بولتون في صنع القرار في ايران والولايات المتحدة فان الحقيقة ان كلا النظامين يتميزان بألية معقدة في انتخاب صانع القرار وفي صنع القرار. فكلا النظامين ينتخبان الرجل الاول (الرئيس الامريكي انتخابا مباشرا وغير مباشر عبر الكلية الانتخابية والمرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية عبر مجلس الخبراء الذي ينتخب انتخابا مباشرا) كما ان كلا النظامين يمتازان بوجود مراكز قوى متعددة تؤثر في صنع القرار وان كان القرار في النهاية يعود للرئيس الامريكي والمرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية في ايران.

الخلاصة من كل ما ذكرت ان سيناريوهات الحرب او الهجوم الجوي الشامل غير واردة وان اي ضرية امريكية ان حدثت – في الظروف الحالية – ستكون محدودة من دون ان يعني ذلك انها ستكون بلا تأثير.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رياض محمد

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/05/18



كتابة تعليق لموضوع : الولايات المتحدة وايران: احتمالات المواجهة العسكرية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net