إنَّ للفوز علاماتٍ ودلائل
صلاح عبد المهدي الحلو
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
صلاح عبد المهدي الحلو

أن تُقتلَ في الشهر الحرام في محراب العبادة,
وأن تتوضأ في البيت الحرام بدم الشهادة,
وأن ترحل من بيتِ الله مصلّيا إلى ضيافة الله صائما, ,فأنتَ في جوارهِ حيّاً وميِّتا.
وإنّي أريدُ أن أحدِّثك عن السيد محمد باقر الحكيم وإن كنتُ لا أعرفُ عنه غير قليلٍ من كثير, ولكن من أحبَّ شيئاً لَهِج به.
وأريد أن أقول لك أنَّه – قدس سره – ما كان يرى خلاف رأي المرجعية العليا, استناداً إلى نصوصٍ شرعيةٍ في الكافي التي تأمر بلزوم جماعة اهل الحق وإن قلُّوا , فكان يرى أن المرجعية العُليا إذا آمنت بشيءٍ كبروياً, وشخَّصتْ مصداقه صغروياً وأصدرت فيه فتوى فإن جمهور المؤمنين يرى رأيها تقليداً , فيشكّل اتباعهم لها حالةً عامَّةً سائدة يحرم مخالفتها ؛لأنَّها تستند إلى ركن الفقاهة, وترتكن على سند الشريعة, لذلك حتى في صلاة الجمعة التي أقامها في الصحن العلويِّ الشريف أخذ منها الأذن, ومن غيرها المشورة فصلَّاها.
ويالهُ من أذُنٍ مبارك, ويالها مشورةٍ ميمونة أدَّتا به إلى الموت قتلاً في سبيله تعالى, وأنعم به فوزا.
كان السيد مهموماً بالشأن العراقيّ, مشغولاً بهم شعبه ومظلومية وطنه, وكان يريد أن يسير هذه الخُطى على هدى البصيرة, ويمشي هذي الطريق على ضوء الشريعة, فكان لا بد أن يمشي بقدم الفقاهة هذه السبيل,
ولكنَّ وقته لم يتّسع لإلقاء بحثه الخارج لبلورة رؤاه الفقهية في الحراك السياسيّ عصر الغيبة, فكان إذا توصلَ إلى نتيجة, وانتهى إلى قناعة, عرض ما أدرك من رأي لا عن ضعف ولكن عن تقوى, وأبان ما عنَّ له من قولٍ لا عن شك ولكن عن قوة, على أولي النظر من ذوي النظر, فيراجع الاساتذة من المراجع, ويُباحث الفضلاء من الأقران, ويُدارس النابهين من الطلبة ليرى إن كان أصاب كبد الحقيقة أم أشواها.
فالحقيقة عنده ما اختمرت على نار النقاش فاستوت ثمارها نضجا, فلم يقطف منها حشفاً ولا فجَّا.
وكما قتلوا شخصه أرادوا قتل شخصيته, فزعموا – وأشاعوا ذلك بين الناس – أنَّه – قُدِّس سره – حرَّض العراقيين على الانتفاضة, فلمَّا شمَّروا عن ساعد الثورة, وكشفوا عن ساق الجهاد تركهم للأسلحة الصدامية تعمل فيهم فتكاً وقتلا.
وأريدُ أن أذكّر المستشكلين أن السيد قُتِل له اخوةٌ وابناء عمومة, وكان صدامٌ عليه اللعنة يجرّعه الغصص وهو في إيران بإعدام أسرته في العراق, فيرسل له كلَّ يومٍ له رسالةً من الدماء المتناثرة من أرحامه, والرقاب المقطوعة من أقاربه فلم يهن ولم ينكل –وهو في موقف ضعف – فأطلقها صيحةُ من حنجرة التحدّي :هيهات منَّا الذلة , شعار تمليه التقوى, ويعززه الايمان, أفتراه ينكل ويضعف وقد صار في موقف قوة وصار خصمه ضعيفاً مهاناً يذيقه الأمريكان أنواع الذلِّ وصنوف العذاب؟
ولكن السيد – حتى لو أراد الخروج بقوات بدرٍ إلى العراق – فللجمهورية التي ضيَّفته رؤىً سياسيةٌ عليه أن يعمل حسابها, كانت يومها دولةً خرجت من حربٍ ضروسٍ للتوّ, انهكها الحصار, وأضرَّت بها الحرب, وليس بها القدرة على مواجهة التكتل الدوليّ العسكريّ.
وكان يرى من جهةٍ أخرى أن أيَّ تحركٍ سياسيٍّ سيُجهض , وانه لابد من التحرك الدبلوماسي في دول العالَم – وخصوصاً دول الاقليم – لبيان مظلومية الشعب العراقي, ولكن المعارضة العراقية – خصوصاً حزب الدعوة – كانت ترى غير ذلك الرأي, وكان لا يرى في القتال مع أمريكا ضدَّ صدامٍ مصلحةً للعراق وشعبه, فلم يسمع لمن طوَّع الدين للسياسة – ممن لا يضر خلافه ولا يسرُّ وفاقه - دعواه بقتال الأمريكان, لانه يرى الطاغوت طاغوتا اينما كان وكيف كان, فإذا كانت امريكا طاغوتاً لا يجوز القتال معه, فكذا كان صدامٌ طاغوتاً مثله.
وفعلاً صدَّقت الأيام ظنَّه ولم تكذب الأحداث حدسه, ففراسة المؤمن ترى بعين الله شخص الوقائع من ستار الغيب.
وتصالح الخصمان, وتوافق العدوَّان, فاقتسما بينهما المصالح, وتناصفا المغانم, فلأمريكا النفط والثروة, ولصدام الحكم والكرسيّ, وللعراقيين الموت والحصار.
وهناك أدرك المعارضون صحة دعواه, وجاءه العالِم الورع الشيخ الآصفي – قدس سره – وقد أحالّت نار قمع الانتفاضة حسراتِهِ في القلب دموعاً في المآق – يطلب منه اليوم ما رفضه معارضوه بالأمس أن يتحرك على دول العالم, والكويت والسعودية خصوصاً لعرض ظلامة الشعب, وبيان شكوى الوطن, مضافاً إلى دعم المجاهدين في الأهوار عسكرياً بالذخيرة والأسلحة.
وعندما فرَّ المجرم حسين كامل – الذي قصف قبة الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء المقدسة بالمدافع, وكان رئيس التصنيع العسكري – عندما فرَّ من صدام إلى الاردن, ارسل الوساطات, ووسَّط الرُسل لمقابلة السيد ,ولما آيس من ذلك توسط ولو لمقابلة السيد عبد العزيز الحكيم رحمه الله تعالى, ولكنهم رفضوا من بعد كما رفض أبوهم السيد المحسن الحكيم مقابلة صدامٍ من قبل.
كل ذلك ترسيخاً لقيمة المبادئ, وتعزيزاً لثمن القيم في عدم وضع اليد مع البعثيين قديماً وحديثا؛ لذلك صار البعث دائم التشويش على السذج والبسطاء ممن لا يردعهم وازعٌ عن الكذب, ولا يوقفهم شرعٌ عن الفَنَد في التقوّل على سماحته.
وما يضيره في ذلك؟ لقد وُصِف الأنبياء من أقوامهم بشرٍ مما وُصِف به من البعثيين, وهم خيرٌ منه, ألم يوصفوا بالكذب والسحر والجنون؟
فما ضره لو وُصِف بأنه صفويٌّ , وهو من الصفوة, فارسيٌّ وهو من الفرسان, عميلٌ وهو من عمال الله تعالى؟
وهل يضيره أن يُقال – كذباً -إنه جاء على قطارٍ أمريكي وقد اعترف بعضُ صنائعهم أنهم جاءوا على قطارٍ بريطاني؟
ولكن:
من كان يخلق ما يقول فحيلتي فيه قليلة.
ويبقى الحكيم وقد ارتحل على صهوة الخلد الى عالم الغيب يقول بلسان الحال: فزتُ وربِّ الكعبة, اسوةً بشهيد محراب الكوفة قبل أكثر من الف عام, أمير المؤمنين عليه السلام الذي رحل من محراب العبادة الى عالِم الشهادة في شهر الصوم ساعة الصلاة.
فهنيئاً للولد السير على خطى الوالد.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat