جواز الكذب على أهل البدع والضّلال !!
صلاح عبد المهدي الحلو
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
صلاح عبد المهدي الحلو

كتب بعضُ الجهلة تحت عنوان:- جواز الكذب على أهل البدع والضّلال ,معرِّضاً بفتوى السيد الخوئي – قدس سره – بجواز الكذب على أهل البدع والضلال إذا توقف ردُّ باطلهم وردعهم عليه:-
(إذا كان زعيم الحوزة وكبير الصّناعة الفقهيّة ينظّر ويجوّز الكذب في المناظرات والاحتجاجات مع ما يُصطلح عليه بالمبتدع ومروّج الضّلال إذا توقّف ردّ بدعته وضلاله المتصوّر عليه، فكيف بأواسط الطّلبة وصغارهم)؟!
ولكي نفهم مراد السيد الخوئي - قُدِّس سره - جيداً,لا بد من تقديم مقدمات,
الأولى:-
أختلف متكلمو الإسلام في الحسن والقبح ,هل هما ذاتيان عقليان,أم هما شرعيان؟ فالحسن ماحسَّنه الشرع,والقبح ماقبَّحه الشرع؟وإلى الثاني ذهب الأشاعرة,وإلى الأول ذهب العدلية ,وهم الشيعة.وقالوا :إن من الأفعال
أ- مايكون علةً تامة للحسن والقبح العقليين,كالظلم والعدل,فالعقل يحكم بحسن العدل على أيةِ حالٍ,وبقبح الظلم على أيَّةِ حال.
ب- ما لايكون علةً تامةً للحسن والقبح العقليين,بحيث كلما وُجد اتصف أما بالقبح دائماً أو الحسن دائما,,بل يكون مقتضيا للاتصاف بهما,حيناً بهذا,وحيناً بذاك,ومنه الصدق والكذب,فليس الصدقُ حسناً على كلِّ حال,ولو أدَّى لقطع الرقاب,ولا الكذب قبيحاً على كلِّ حالٍ ولو أدَّى لإصلاح ذات البين.
ج- ما لايكون متصفاً بأحدهما في نفسه,لا على نحو العلية التامة أو الاقتضاء,وانما يتلبَّس بالعناوين الطارئة عليه,فيأخذ شكل أحدهما,كالضرب,فإنه حسنٌ للتأديب,قبيحٌ للتشفي.
ولكنَّك قد تتساءل :- كيف لايكون الكذب قبيحاً ذاتاً بحكم العقل,مثاله مثال الظلم؟
وجوابه:-
أ- عندنا خروجٌ تخصصيٌّ,وخروجٌ تخصيصيٌّ,مثلما لو كان عندنا ثلاثة أشخاص,علي,وعمر,وزيد,وكان عليٌّ وزيدٌ عالِمين,وعمر جاهلا,حين أقول لك:- أكرم العلماء,فإنك تكرم علياً وزيداً فقط,أما عمر – باعتباره جاهلاً – فهو خارجٌ من رأس,وهذا خروجٌ تخصصيُّ.
ولكن,لو قلتُ لك:- أكرم العلماء العدول,وكان زيدٌ عالِما فاسقا,فبعد دخوله في حريم العلماء أولاً,لا بُدَّ من مؤونةٍ زائدةٍ لإخراجه ثانياً,وقد خرج بقيد العدالة بعد أن دخل بوصف العلم,وهذا يُسمَّى (خروجٌ تخصيصيٌّ).
ب- القضية العقلية لاتقبل التخصص ولا التخصيص,بمعنى أن قول المتكلِّم (لكلِّ معلولٍ علة) أو (الواحد نصف الاثنين) لاتجد في الكون معلولاً بلا علة,ولا واحداً لايكون نصف الاثنين؛لأنها ببساطة لاتقبل التخصص أو التخصيص.
إذا عرفت هذا,ففي الروايات الشريفة ورد جواز الكذب في موارد الاضطرار,وللإصلاح بين ذات البين,وفي الحرب,وفي وعد الرجل أهله وغيرها,وهذا وغيرها كلُّها موارد خرجت تخصيصاً عن الأصل,وهو الحرمة.
وبناءً على النقطة الثانية من أن القاعدة العقلية لاتخصص ولا تخصيص فيها,وعندنا هنا عدة موارد خرجت تخصيصاً,فنستكشف من ذلك أن قبح الكذب ليس قاعدةً عقلية بحيث يكون القبح علة تامة له كالظلم - لاحظوا هنا أنني أتكلم عن رأي السيد الخوئي قدس سره في هذا المورد,لافي غيره من الموارد,ولا عن غيره من العلماء -؛ ولذلك قال السيد الخوئي – قدس سره – (الظاهر أن حرمة الكذب ليست ذاتية كحرمة الظلم ، ولذا يختلف حكمه بالوجوه والاعتبارات ، وعليه فإذا توقف الواجب على الكذب وانحصرت به المقدمة وقعت المزاحمة بين حرمة الكذب وبين ذلك الواجب في مقام الامتثال وجرت عليهما أحكام المتزاحمين ، مثلا إذا توقف انجاء المؤمن ودفع الهلكة عنه على الكذب كان واجبا).
مصباح الفقاهة 1/619
الثانية:-
ينبغي أن نفهم جيداً أن الفقيه لا يفتي هكذا اعتباطاً ومن دون دليل,ومن أراد أن يناقشه فعليه نقاش دليله,لا النتيجة التي توصل إليها بمعزلٍ عن الدليل, إلاَّ أن يكون صاحبُنا مغرضاً أو جاهلاً على أحسن تقدير.
في صحيحة داود بن سرحان عن الامام الصادق (ع) قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة، وباهتوهم كي لا يطمعوا في الفساد في الإسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلمون من بدعهم ، يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة).
ولقد اختلف العلماءُ في معنى (باهتوهم),
فمنهم – ومن جملتهم السيد السيستاني كما نُقل عنه - من ذهب إلى أن معناها الزموهم الحجة ,والبهت – بهذا المعنى – الحيرة وانقطاع الحجة.
و هناك علماءُ ومنهم السيد الخوئي – قدس سره – فسَّر البهت بمعنىً آخر ,وهو الافتراء على الرجل كذبا, وقد حكي عن بعض العرب أنها تقول بهذا المعنى: " بهت ". ويقال: "بهت الرجل إذا افتريت عليه كذبا.
ولقد استظهر السيد الخوئي – قدس سره – من خلال سياق الرواية,فبدلالة الاكثار من السبِّ,والقول والوقيعة فيهم كان البهت هاهنا بمعنى الافتراء كذباً كما في اللغة,
أما من ذهب الى أن الافتراء بمعنى إلزام الحجة,فكأنه نظر إلى أن التعليل الوارد في الرواية,وهو قوله عليه السلام (كي لا يطمعوا في الفساد في الإسلام) راجعٌ إلى باهتوهم التي بمعنى الزموهم الحجة,فإلزام الحجة يمنع الطمع في الاسلام.
الثالثة:-
إن هاهنا أمراً آخر يسمونه بالتزاحم,فلو تزاحم وقت الصلاة مع إنقاذ الغريق,يجب عليك إنقاذ الغريق وترك الصلاة الآن وقضاؤها فيما بعد, والتزاحم هنا وقع بين وجوب حفظ ضعفة المؤمنين من أهل البدع,وبين حرمة الكذب,ومن هنا صار الكذب في المقام – على حرمته من قبل – واجباً فيما بعد,كما صارت أكل الميتة وهو حرامٌ من قبل,حلالاً من بعد لأجل التزاحم معه في حفظ النفس من الهلاك عند الاضطرار ؛ولذا قال – قدس سره - في مبحث الهجاء (وهل يجوز هجو المبدع في الدين أو المخالفين بما ليس فيهم من المعائب ، أو لا بدّ من الاقتصار فيه على ذكر العيوب الموجودة فيهم ؟ هجوهم بذكر المعائب غير الموجودة فيهم من الأقاويل الكاذبة ، وهي محرّمة بالكتاب والسنّة ، وقد تقدّم ذلك
في مبحث حرمة الكذب، إلاّ أنّه قد تقتضي المصلحة الملزمة جواز بهتهم والإزراء عليهم ، وذكرهم بما ليس فيهم ، افتضاحاً لهم ، والمصلحة في ذلك هي استبانة شؤونهم لضعفاء المؤمنين حتّى لا يغترّوا بآرائهم الخبيثة وأغراضهم المرجفة وبذلك يحمل قوله ( عليه السلام ) : (وباهتوهم كي لا يطمعوا في الإسلام)
هذا كلُّه إذا وصلت النوبة انهم لايستطيعون ردَّ باطلهم الا بهذا الطريق لتوقفه عليه,ولكن علماءنا الاعلام,أبطال معترك الحجج,وأسود ميدان البراهين,لا تخيفهم حجة أتباع الشياطين؛لأنهم اتباع القران,فلا يحتاجون للكذب في نصر دعاويهم,وأبطال زعم غيرهم,بل الكاذب من يدلس على السيد الخوئي قدس سره,فانكسر أمام مقامه العلمي,وتضاءل دون شموخه الفكري.
فإن كان راقم تلك السطور لايدري بهذا مع تهويشه وتشويشه,واستعراض عضلات العلم ونفخ سًحَرُ الفقاهة,وزعمه التنوير,وادِّعائه الاطلاع فهو طريف؛لأنه يكشف عن جهله,وإن كان يدري,واختار السيد الخوئي دون باقي علماء الملة,فهو أطرف؛لأنه يكشف عن خبثه,وهذه اضمامة – على سبيل المثال لا الحصر – لبعض فتاوى العلماء في جواز الكذب على المبتدع
الدر المنضود في أحكام الحدود 2/148
ترى أنه قد جوز بمقتضاها البهتان والافتراء عليهم وحيث إن الكذب غير
جائز فلا بد من القول بأنه قد جوز الكذب هنا للمصلحة وهي سقوط اعتبار
المبتدع وكسر جاهه في أنظار الناس كيلا يميلوا إليه فيضلوا به وإلا فالبهتان
والكذب ليسا بجائزين.
السيد محمد رضا الموسوي الكلبايكاني.
============================
أسس الحدود والتعزيرات ,الشيخ جواد التبريزي 235
تنقيح مباني الاحكام 210
(في الأول يعني المبدع يجوز البهتان فضلا عن التحقير والإهانة ) ثم استدل بالحديث الشريف.
============================
منهاج الفقاهة 1/379 السيد محمد صادق الروحاني.
صريح قوله عليه السلام وباهتوهم جواز السب بغير ما تظاهر فيه من البدعة وبما ليس فيه .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat