فرحَ يزيدُ , تَرنَّمَ بأَبياتِ ابن الزَّبعرى بصوتٍ يسمَعُهُ الجميعُ :
لَيْتَ أشْياخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا .....جَزَعَ الخَزْرَجَ مِنْ وَقْعِ الأسَلْ
لأهَلُّوا واسْتَهَلُّوا فَرَحاً .............ثُمَّ قَالُوا يَا يَزِيدُ لَا تَشَلْ
قَدْ قَتَلْنَا القَرْنَ مِن سَادَاتِهِمْ ...........وَعَدَلْنَا قَتْلَ بَدْرٍ فَاعْتَدَلْ
لَعِبَتْ هَاشِمُ بِالمُلْكِ فَلا ............خَبَرٌ جَاءَ ولا وَحْيٌ نَزَلْ
لَسْتُ مِنْ خِنْدِفَ إنْ لَمْ أنْتَقِمْ ......مِن بَنِي أحْمَدَ مَا كَانَ فَعَلْ
سَمِعَتْ العقيلةُ تشفِّي الطَّاغيةُ بقتلِ عِترةِ رسولِ اللهِ , أَلقَتْ خُطبَتَها قائلةً : الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى جَدِّي سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، صَدَقَ اللهُ سُبْحَانَهُ كَذَلِكَ يَقُولُ:
ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى- أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ أَظَنَنْتَ يَا يَزِيدُ حِينَ أَخَذْتَ عَلَيْنَا أَقْطَارَ الْأَرْضِ، وَضَيَّقْتَ عَلَيْنَا آفَاقَ السَّمَاءِ، فَأَصْبَحْنَا لَكَ فِي إِسَارٍ، نُسَاقُ إِلَيْكَ سَوْقاً فِي قِطَارٍ، وَأَنْتَ عَلَيْنَا ذُو اقْتِدَارٍ، أَنَّ بِنَا مِنَ اللهِ هَوَاناً وَعَلَيْكَ مِنْهُ كَرَامَةً وَامْتِنَاناً؟؟ وَأَنَّ ذَلِكَ لِعِظَمِ خَطَرِكَ وَجَلَالَةِ قَدْرِكَ؟؟ فَشَمَخْتَ بِأَنْفِكَ وَنَظَرْتَ فِي عِطْفٍ، تَضْرِبُ أَصْدَرَيْكَ فَرِحاً وَتَنْفُضُ مِدْرَوَيْكَ مَرِحاً حِينَ رَأَيْتَ الدُّنْيَا لَكَ مُسْتَوْسِقَةً وَالْأُمُورَ لَدَيْكَ مُتَّسِقَةً وَحِينَ صَفِيَ لَكَ مُلْكُنَا وَخَلَصَ لَكَ سُلْطَانُنَا.
فَمَهْلًا مَهْلًا لَا تَطِشْ جَهْلًا! أَ نَسِيتَ قَوْلَ اللهِ: وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ.
أَمِنَ الْعَدْلِ يَا ابْنَ الطُّلَقَاءِ تَخْدِيرُكَ حَرَائِرَكَ وَسَوْقُكَ بَنَاتِ رَسُولِ اللهِ سَبَايَا؟؟ قَدْ هَتَكْتَ سُتُورَهُنَّ وَأَبْدَيْتَ وُجُوهَهُنَّ يَحْدُو بِهِنَّ الْأَعْدَاءُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَيَسْتَشْرِفُهُنَّ أَهْلُ الْمَنَاقِلِ وَيَبْرُزْنَ لِأَهْلِ الْمَنَاهِلِ وَيَتَصَفَّحُ وُجُوهَهُنَّ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ وَالْغَائِبُ وَالشَّهِيدُ وَالشَّرِيفُ وَالْوَضِيعُ وَالدَّنِيُّ وَالرَّفِيعُ، لَيْسَ مَعَهُنَّ مِنْ رِجَالِهِنَّ وَلِيٌّ وَلَا مِنْ حُمَاتِهِنَّ حَمِيمٌ، عُتُوّاً مِنْكَ عَلَى اللهِ وَجُحُوداً لِرَسُولِ اللهِ وَدَفْعاً لِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، وَلَا غَرْوَ مِنْكَ وَلَا عَجَبَ مِنْ فِعْلِكَ.
وَ أَنَّى يُرْتَجَى مُرَاقَبَةُ مَنْ لَفَظَ فُوهُ أَكْبَادَ الشُّهَدَاءِ وَنَبَتَ لَحْمُهُ بِدِمَاءِ السُّعَدَاءِ وَنَصَبَ الْحَرْبَ لِسَيِّدِ الْأَنْبِيَاءِ وَجَمَعَ الْأَحْزَابَ وَشَهَرَ الْحِرَابَ وَهَزَّ السُّيُوفَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ أَشَدُّ الْعَرَبِ لِلَّهِ جُحُوداً وَأَنْكَرُهُمْ لَهُ رَسُولًا وَأَظْهَرُهُمْ لَهُ عُدْوَاناً وَأَعْتَاهُمْ عَلَى الرَّبِّ كُفْراً وَطُغْيَاناً.
أَلَا إِنَّهَا نَتِيجَةُ خِلَالِ الْكُفْرِ، وَضَبٌّ يُجَرْجِرُ فِي الصَّدْرِ لِقَتْلَى يَوْمِ بَدْرٍ! فَلَا يَسْتَبْطِئُ فِي بُغْضِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ مَنْ كَانَ نَظَرُهُ إِلَيْنَا شَنَفاً وَشَنْآناً وَأَحَناً وَضَغَناً يُظْهِرُ كُفْرَهُ بِرَسُولِهِ وَيُفْصِحُ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ وَهُوَ يَقُولُ فَرِحاً بِقَتْلِ وُلْدِهِ وَسَبْيِ ذُرِّيَّتِهِ غَيْرَ مُتَحَوِّبٍ وَلَا مُسْتَعْظِمٍ:
لَأَهَلُّوا وَاسْتَهَلُّوا فَرَحاً وَ لَقَالُوا يَا يَزِيدُ لَا تُشَلَّ
مُنْتَحِياً عَلَى ثَنَايَا أَبِي عَبْدِ اللهِ وَكَانَ مُقَبَّلَ رَسُولِ اللهِ (ص) يَنْكُتُهَا بِمِخْصَرَتِهِ، قَدِ الْتَمَعَ السُّرُورُ بِوَجْهِهِ! لَعَمْرِي لَقَدْ نَكَأْتَ الْقُرْحَةَ وَاسْتَأْصَلْتَ الشَّأفَةَ بِإِرَاقَتِكَ دَمَ سَيِّدِ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَابْنِ يَعْسُوبِ الْعَرَبِ وَشَمْسِ آلِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهَتَفْتَ بِأَشْيَاخِكَ وَتَقَرَّبْتَ بِدَمِهِ إِلَى الْكَفَرَةِ مِنْ أَسْلَافِكِ ثُمَّ صَرَخْتَ بِنِدَائِكَ وَلَعَمْرِي قَدْ نَادَيْتَهُمْ لَوْ شَهِدُوكَ وَوَشِيكاً تَشْهَدُهُمْ وَيَشْهَدُوكَ، وَلَتَوَدُّ يَمِينُكَ كَمَا زَعَمْتَ شُلَّتْ بِكَ عَنْ مِرْفَقِهَا، وَأَحْبَبْتَ أُمَّكَ لَمْ تَحْمِلْكَ وَأَبَاكَ لَمْ يَلِدْكَ، حِينَ تَصِيرُ إِلَى سَخَطِ اللهِ ، وَمُخَاصِمُكَ وَمُخَاصِمُ أَبِيكَ رَسُولُ اللهِ.
اللَّهُمَّ خُذْ بِحَقِّنَا وَانْتَقِمْ مِنْ ظَالِمِنَا، وَأَحْلِلْ غَضَبَكَ بِمَنْ سَفَكَ دِمَاءَنَا، وَنَقَصَ ذِمَامَنَا وَقَتَلَ حُمَاتَنَا وَهَتَكَ عَنَّا سُدُولَنَا، وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَمَا فَرَيْتَ إِلَّا جِلْدَكَ، وَمَا جَزَزْتَ إِلَّا لَحْمَكَ، وَسَتَرِدُ عَلَى رَسُولِ اللهِ بِمَا تَحَمَّلْتَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، وَانْتَهَكْتَ مِنْ حُرْمَتِهِ وَسَفَكْتَ مِنْ دِمَاءِ عِتْرَتِهِ وَلُحْمَتِهِ، حَيْثُ يَجْمَعُ بِهِ شَمْلَهُمْ وَيَلُمُّ بِهِ شَعَثَهُمْ وَيَنْتَقِمُ مِنْ ظَالِمِهِمْ وَيَأْخُذُ لَهُمْ بِحَقِّهِمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ.
وَ لَا يَسْتَفِزَّنَّكَ الْفَرَحُ بِقَتْلِهِ، وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ.
وَ حَسْبُكَ بِاللهِ وَلِيّاً وَحَاكِماً وَبِرَسُولِ اللهِ خَصِيماً وَبِجَبْرَئِيلَ ظَهِيراً. وَسَيَعْلَمُ مَنْ بَوَّأَكَ وَمَكَّنَكَ مِنْ رِقَابِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا وَأَنَّكُمْ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلًا.
وَ مَا اسْتِصْغَارِي قَدْرَكَ وَلَا اسْتِعْظَامِي تَقْرِيعَكَ تَوَهُّماً لِانْتِجَاعِ الْخِطَابِ فِيكَ بَعْدَ أَنْ تَرَكْتَ عُيُونَ الْمُسْلِمِينَ بِهِ عَبْرَى وَصُدُورَهُمْ عِنْدَ ذِكْرِهِ حَرَّى فَتِلْكَ قُلُوبٌ قَاسِيَةٌ وَنُفُوسٌ طَاغِيَةٌ وَأَجْسَامٌ مَحْشُوَّةٌ بِسَخَطِ اللهِ وَلَعْنَةِ الرَّسُولِ قَدْ عَشَّشَ فِيهِ الشَّيْطَانُ وَفَرَّخَ وَمَنْ هُنَاكَ مِثْلُكَ مَا دَرَجَ وَنَهَضَ. فَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ لِقَتْلِ الْأَتْقِيَاءِ وَأَسْبَاطِ الْأَنْبِيَاءِ وَسَلِيلِ الْأَوْصِيَاءِ بِأَيْدِي الطُّلَقَاءِ الْخَبِيثَةِ وَنَسْلِ الْعَهَرَةِالْفَجَرَةِ تَنْطِفُ أَكُفُّهُمْ مِنْ دِمَائِنَا وَتَتَحَلَّبُ أَفْوَاهُهُمْ مِنْ لُحُومِنَا وَلِلْجُثَثِ الزَّاكِيَةِ عَلَى الْجُبُوبِ الضَّاحِيَةِ تَنْتَابُهَا الْعَوَاسِلُ وَتُعَفِّرُهَا الْفَرَاعِلُ فَلَئِنِ اتَّخَذْتَنَا مَغْنَماً لَتَتَّخِذُنَا وَشِيكاً مَغْرَماً، حِينَ لَا تَجِدُ إِلَّا مَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَمَا اللهُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ وَإِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى وَالْمُعَوَّلُ وَإِلَيْهِ الْمَلْجَأُ وَالْمُؤَمَّلُ.
ثُمَّ كِدْ كَيْدَكَ وَاجْهَدْ جُهْدَكَ! فَوَ الَّذِي شَرَّفَنَا بِالْوَحْيِ وَالْكِتَابِ وَالنُّبُوَّةِ وَالِانْتِجَابِ لَا تُدْرِكُ أَمَدَنَا وَلَا تَبْلُغُ غَايَتَنَا. وَلَا تَمْحُو ذِكْرَنَا وَلَا تَرْحَضُ عَنْكَ عَارُنَا. وَهَلْ رَأْيُكَ إِلَّا فَنَدٌ وَأَيَّامُكَ إِلَّا عَدَدٌ وَجَمْعُكَ إِلَّا بَدَدٌ يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي أَلَا لُعِنَ الظَّالِمُ الْعَادِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي حَكَمَ لِأَوْلِيَائِهِ بِالسَّعَادَةِ وَخَتَمَ لِأَوْصِيَائِهِ بِبُلُوغِ الْإِرَادَةِ نَقَلَهُمْ إِلَى الرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ وَالرِّضْوَانِ وَالْمَغْفِرَةِ وَلَمْ يَشْقَ بِهِمْ غَيْرُكَ وَلَا ابْتَلَى بِهِمْ سِوَاكَ وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُكْمِلَ لَهُمُ الْأَجْرَ وَيُجْزِلَ لَهُمُ الثَّوَابَ وَالذُّخْرَ وَنَسْأَلُهُ حُسْنَ الْخِلَافَةِ وَجَمِيلَ الْإِنَابَةِ إِنَّهُ رَحِيمٌ وَدُودٌ, وحَسبُنَا اللهُ ونِعمَ الوَكِيل.
أنهَارَ كبرياءُ يَزيد , أَطبَقَتْ شَفتَاهُ , خَرُسَ لسَانُهُ , فَضَحتهُ بخِطَابهَا , اضطَرَبَ !
أَخَذَ يلتمِسُ المَعَاذيرَ , ويَسأَلُ أَهلَ الشَّامِ : أَتدرونَ مِنْ أَينَ أَتى ابنُ فاطمَةَ , وما الحاملُ لهُ على ما فَعَلَ, وما أَوقعَهُ فيما وقَعَ؟
ـ كَلَّا .
تخبَّطَ في مَنطِقِهِ , راحَ يُحدِّثهُم عن بِنائِه لِمَجدِهِ الكاذِبِ بتغلُّبِهِ وقَهرِ سِبطِ النَّبيِّ .
..............................
*بقلم / مجاهد منعثر منشد /المجموعة القصصية (ظمأ وعشق لله) , الطبعة الأولى , دار جسد ( بغداد ، 2022) , الفصل السابع ,(السبايا إلى دمشق ,فالمدينة), ص124ـ 126.
|