ذات جمعة، وبينما كان المراجعون ينتظرون دورهم في عيادة الطبيب، تعاقب مجموعة من المتسولين والمتسولات (الأطفال) على الدخول إلى صالة الانتظار طالبين المعونة من الجالسين بمختلف الأساليب، وهم يدلون بأعذار شتى، حيث قوبلوا بردود فعل متباينة.. فمنهم من جاد بشيء قليل، ومنهم من قابلهم بردٍ جميل، ومنهم من قدم لهم النصح بالعمل بدل الاستجداء، ومنهم من لم يكترث لاستجدائهم، ومنهم من زجرهم وطردهم..!
وفي الأثناء، دخل طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره يحمل بين يديه علبة فيها مجموعة من البضائع الصغيرة، وهو ينادي بصوت ظريف: (نستلة، علك، مصاص، كاكاو....) بادر الجالسون جميعاً إلى الشراء من هذا البائع الصغير مباركين جهوده.. سأله أحدهم بعطف: من أرسلك لبيع البضاعة؟ ابتسم قائلاً: لم يرسلني أحد، بل هي فكرة تعلمتها وحدي.. لدي بضعة أموال أجمعها من مصروفي اليومي، وفي يوم الجمعة أشتري البضاعة من دكان قريب، وأبيعها في عيادات الأطباء لأوفر أموالاً لشراء مستلزماتي المدرسية. ما أعظمك أيها التاجر الصغير..!
أتُحِبُنا جَميعاً..؟!
بينما كان منشغلاً بقراءة الصحيفة اليومية، قاطعه ولده ذو العشرة الأعوام: نحن بانتظارك، متى تلعب معنا يا أبي.. ابتسم ووضع الجريدة جانباً وانظمَّ إلى ولديه وبنتيه، يلاعبهم تارة ويقصُّ لهم حكاياته المسلية تارة أخرى، وفي الأثناء سألته إحدى بناته: بابا..أتُحِبُنا (أنا وإخوتي) جميعاً؟ فاحتضنها ضاحكاً وقال: نعم يا حبيبتي، فأنتم فلذات كبدي ونور عينيَّ وسرور قلبي، ولا أفضل أحدكم على الآخر أبداً.. تأملت لحظات ثم قالت بصوت مرتعش: ولكن جدي لا يحبك يا أبي، ولا يحب جميع أحفاده، بل يحب عمتي وأبناءها فقط.. فهو دائماً يعبر عن أولادها ويناديهم (أبناء العزيزة)، ولكن لا يخاطب بقية أحفاده من أولاده وبناته الآخرين بهذا الكلام اللطيف.. ألستم أبناءه وبناته؟ ألستم أعزاءه أيضاً؟ ابتسم الأب على مضض، وقال: ربما لأنهم أصغركم سناً، فلنلعب لعبة أخرى..!
المعلمة تنتقم..!
نظمت إدارة المدرسة الابتدائية حفلاً لتكريم التلاميذ المتفوقين، وأوكلت أمر توزيع الهدايا إلى مرشدي الصفوف.. حصل جميع الطلاب الأوائل على هداياهم باستثناء التلميذ الأول على الصف الرابع الابتدائي.. حيث أعطيت الجائزة للطالب الثاني على الصف، تردد هذا التلميذ بخطواته قبل أن يدخل على مدير المدرسة ويشكو ما لحق به من ظلم.
فوجئ المدير بالموقف، واستدعى المعلمة فوراً ليعرف السبب، ضحكت تلك (المربية الفاضلة) وقالت بصوت ساخر: هذا التلميذ بخيل، ولا يستحق الهدية؛ لأني لم أحصل منه على هدية في عيد المعلم أسوة ببقية زملائه الذين أتحفوني بأروع الهدايا.. (عذرٌ أقبحُ من ذنب)..! في الواقع لم يكن التلميذ بخيلاً، بل فقيراً يتيم الأب ولا يملك ما يشتري به هدية لمعلمته..!
|