يطلّ علينا هذا النص الإبداعيّ للكاتبة المبدعة عبير المنظور، بذلك الأسلوب الإبداعي المبتكر الذي تتحوّل من خلاله الجمادات إلى كائناتٍ تضجّ بالحياة؛ إنه فنّ استنطاق الجماد، ووضع الأشياء في مصاف الرواة، وهو فنٌّ يحتاج إلى دقةٍ في اختيار الجماد الراوي، مع دقةٍ في استنطاقه، وتحريك لسانه المعنوي بما يناسب مقتضى الحال. وقارورة العطر التي اختارتها الكاتبة ببراعة، هي تلك الشاهدة التاريخية على حال امرئٍ من أصحاب الأئمة عليهم السلام، كان لها شرف متابعة قصة توبته، ومروره من حال المعصية إلى حال التوبة، وقد كان اختيار القارورة موفّقًا، فهي رمزٌ لطيب الذكر وحسن السيرة، وما القارورة التي طيّب "بشرٌ" بها تلك الأسماء المقدسة، إلا الذخر الذي اكتنزه لمستقبله الدنيوي قبل الأخروي، والبذرة الطيبة التي زرعها في أرضٍ أوبقتها ذنوبه، كانت هي المنطلق لتلك البداية التي رحمه الباري بها، إذ ألهمه الخير بعدما كاد الشر أن يقضي على آخر ذرةٍ من كيانه...
إن قارورة العطر التي عطر بها الخاطئ أسماء أحبته، دمغت قلبه بخاتم محبتهم، وقد رافقته ليتحول من (هذا الشاب العابث يلهو كعادته بين الغانيات والخمر والقمار والات الطرب والمعازف)، إلى (بشر الحافي من كبار الزهاد والعباد في عصره)، وما ذاك إلا بتأثير عبير تلك القارورة السحرية التي ظلّت ترصد التطور المنتظر... لقد (طيّب بشرٌ اسم الله في الدنيا فطيب الله ذكره في الدنيا والآخرة)، هي (الكارما) التي تستدعي الحديث المأثور " كما تعامِل تعامَل"، وإن هذا الرجل الذي احترم اسم الله قد حصد خير هذا الاحترام، وقد كانت هداية بشرٍ على يد الإمام الكاظم عليه السلام، وبمرأى من قارورته الأثيرة، هي نظرةٌ واعدةٌ لمن يريد أن يكشف حجب الضلالة عن عيون الضالين، وهو ما حاولت الكاتبة عبر تسليطها الضوء على هذه القصة، من خلال استنطاق القارورة المأثورة، أن تبيّنه...
|