ما أقرب الشبه بين الشاعر الشيخ محمد مهدي البصير العراقيّ,وبين الأديب العميد,طه حسين المصريِّ,
وما أشدَّ الإختلاف!
يمتاز البصير عن باقي شعراء العراق بأنَّه صاحبُ مبدأ,
فرغم أنَّه نزع العمامة بعد أن كان خطيباً,وحلق لحيته بعد أن كان رجل دين,ولكنه لم يُلقِ عمامته في (الكُناسة)من باب الإهانة كما قال وفعل الجواهريّ,ولم يتلون في مدح الطغاة وحكام الجور كما فعل الجواهريّ.
نعم,مدح الواليّ العثمانيَّ أنور باشامن باب الرابطة الإسلامية, لما كانت تركيا العثمانية ضدَّ بريطانيا الصليبية في الحرب العالمية الأولى,ولكن بعد حادثة (عاكف بك) في الحلة والتي سُبيَّ فيها مئات نساء الشيعة من أهل الحلة وبعن في أسواق النخاسة التركية,تغيرت وجهة نظره,ولم يعد يرى لهم من ذمة.
فليعرف تاريخ بني عثمان مع الشيعة من هتف لهم بالأمس لأوردوغان بالترحيب.
ووقف موقفاً مناهضاً من الإنكليز,حتى عُرف (بشاعر ثورة العشرين) على عكس الزهاوي الذي رحَّب بالإنكليز في قصائده,والرصافي الذي وقف على التلِّ,هذا الملحد الذي في كتابه (الشخصية المحمدية) أنكر نبوة نبي الإسلام,وجعل القران نوعاً من عبقرية النبي صلى الله عليه وآله,وليس وحياً إلهياً,وهو تلميذ الآلوسي مؤلف (روح المعاني),والذي ساهم في وأد حوزة سامراء على يد السلطان التركيِّ,وزميل الشيخ النَّاصبي واللغوي المعروف محمد بهجة الأثري.
@ المشتركات بين البصير وطه حسين كثيرة.
1- كلاهما فقد بصره في طفولته,في سنِّ الصِّبا,وبطريقتين نمتشابهتين,يجمعهما الإهمال.
2- كلاهما درس الدراسة التقليدية,هذا في مساجد الحلة,وذاك في مساجد الأزهر.
3- كلاهما درس في الجامعة المصرية,وتعلم اللغة الفرنسية في مصر.
4- كلاهما درس في فرنسا,وأخذ رسالة الدكتوراة في اللغة العربية من هناك,طه حسين في الشعر الجاهليِّ, فهو تأثراً بمنهج الشك لديكارت,وانغماساً مع افكار مرجليوت اليهودي بنى على ان الشعر الجاهلي منحول ,معتمداً في ذلك على اختلاف لغة القبائل العرب العاربة اليمنية في الجنوب (الحميرية - القحطانية) عن اللغة العربية للعرب المستعربة في الشمال (العدنانية - المعدية),اذن هذا الشعر الذي وصلنا ليس بجاهلي وانه منحولٌ مختلق!
وما في ذلك؟ فيه ان تفسير القران يعتمد كثيراً على فهم الشعر الجاهلي لأنه من جنس لغته,فإذا كان الشعر منحولاً مشكوكاً فيه,بسبب لغته,فبالتالي يكون آيُّ القران مشكوكاً فيه ,منحولاً ايضا.
و كان أن ردَّ الشيخ البصير على كتاب طه حسين,وعزم ان يكون موضوع رسالته في السوربون هو الردَّ على كتاب الشعر الجاهلي,ولكن المستشرق الفرنسي (ماسنيون) وضع العقبات في طريقه,إذ كان يهمه أن يبقى القران الكريم غرضاً للشكوك والأوهام؛لذا ذهب الشيخ البصير إلى جامعة (مونبليه) وكتب رسالته في الدكتوراة (شعر كورني الغنائي) ومُنح شهادة الدكتوراة بدرجة مشرِّف جدا.
5- كلاهما تزوج بسيدة فرنسية,طه حسين بسوزان بريسو,والبصير ب أوفين اوجين ادمون.
6- كلاهما كان صارماً مع طلابه جداً,تلك الصرامة العلمية التي قوامها احترام العلم,وليس الانتقام الشخصي.
@ للأسف الشديد لم أوثِّق هذه النقطة,والتي قرأتها في احدى اعداد مجلة العربي الكويتية في الثمانينيات,لقد كان طه حسين عميلاً ثقافياً لإسرائيل,ويبدو انه تمَّ تجنيده من أيام دراسته في السوربون حتى قبل قيام دويلة اسرائيل,وكانت زوجته عيناً إسرائيلية عليه,وكان يخافها كثيراً,لدرجة انها كانت تعطيه مصروفه اليوميَّ.
@ لم أقرأ للشيخ البصير سوى كتابه (عصر القران),ومن يقرأ هذا الكتاب يلمس تأثر الشيخ البصير بأسلوب طه حسين الأدبي.
@ يمتاز شعر الشيخ البصير بتنوع مفرداته وثرائه اللغويِّ,وسعة معجمه الأدبي,وقصيدته (إن ضاق ياوطني عليَّ فضاكا),من أروع القصائد الوطنية في رأيي القاصر.
@ بالمناسبة ترك السياسة بعد أن خاض غمارها,معللاً ذلك,بأن الجميع يعمل لمنافعه الشخصية,لا للوطن.
|