صفحة الكاتب : علي بدوان

الاندفاع الفلسطيني للأمم المتحدة : ايجابيات وسلبيات
علي بدوان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لايمكن لأي عاقل أن يتجاهل المردود الايجابي للحراك السياسي الفلسطيني الرسمي على مستوى العالم، وهيئاته ومؤسساته الدولية الكبرى ومنها على وجه الخصوص هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

وقد اتخذت غالبية ان لم نقل كل القوى الفلسطينية مجتمعة موقفاً مرحباً بالجهود المبذولة من أجل تثبيت عضوية فلسطين في الأسرة الدولية، مع تسجيل ملاحظتين نقديتين صبت الأولى منهما باتجاه القول بأن التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة كان من الأفضل له أن يتم في ظل عملية توافق وطني فلسطيني عام مع تحقيق انجاز ملموس على صعيد تطبيق اتفاق المصالحة الموقع بين الجميع في القاهرة في مايو 2011 . بينما صبت الملاحظة النقدية الثانية باتجاه القول بأن خيار الذهاب للأمم المتحدة يجب أن يبقى في إطار السعي الفلسطيني لتوليد البدائل وانتهاج منطق تعدد الخيارات وليس في إطار القناة التفاوضية وحدها دون غيرها مع إهمال باقي الخيارات التي قد تسهم في تعديل حتى المسار التفاوضي المختل مع دولة الاحتلال الصهيوني. 
مسألة المنظمة ومصيرها
في هذا السياق، إن العديد من الملاحظات النقدية الإضافية، والمخاوف ذات المضمون الجوهري تلحظ الآن بصدد الإقدام الرسمي الفلسطيني على طرق أبواب الجمعية العامة للأمم المتحدة سعياً وراء الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقد أثارت تلك الملاحظات النقدية الكثير من الجدل القانوني والسياسي في الأوساط الفلسطينية. ويأتي في مقدمة تلك الملاحظات النقدية والمخاوف عنوانان رئيسيان : أولهما مسألة منظمة التحرير الفلسطينية ومصيرها حال نالت دولة فلسطين مقعداً في الأسرة الدولية. وثانيهما قضية اللاجئين الفلسطينيين في الشتات وما يتعلق بفلسطينيي الداخل المحتل عام 1948 حيث تتكون نسبة عالية منهم من اللاجئين فوق أرضهم.
ففي مسألة منظمة التحرير الفلسطينية وهي العضو المراقب في الأمم المتحدة منذ العام 1974، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد لكل أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، يتوقع بعض القانونيين أن يفضي الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلى إنهاء العضوية المراقبة للمنظمة، وتكريس السلطة الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وبالتالي تأتي المخاوف من شطب الشتات الفلسطيني، وفقدان الجهة التمثيلية الجامعة انطلاقاً من ان السلطة الفلسطينية تمثل الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وليس كل الفلسطينيين في الداخل والشتات. ويحضرني في هذا السياق ما كان قد كرره رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق الجنرال اسحق رابين بعيد توقيع اتفاق أوسلو الأول في حديقة البيت الأبيض في سبتمبر 1993 بقوله ان المنظمة الصهيونية العالمية انتهت مع قيام دولة إسرائيل، وأن منظمة التحرير الفلسطينية يجب أن تنتهي مع قيام الدولة أو الكيان أو السلطة الفلسطينية.
وقد جاءت في هذا السياق الوثيقة القانونية التي صاغها البروفيسور (جاي جودوين جيل) الأستاذ في القانون الدولي، لتكشف عن المخاطر الكبيرة التي تشكلها مبادرة الأمم المتحدة في حال تضمنت نقل تمثيل الشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة من منظمة التحرير الفلسطينية إلى دولة فلسطين، حيث إن هذا سيلغي الوضعية القانونية التي تتمتع بها منظمة التحرير في الأمم المتحدة منذ عام 1975 والمعترف بها دولياً منذ عام 1974 كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
وفي دراسة أعدها البروفيسور البريطاني (جاي جودوين جيل) القانوني المخضرم في جامعة أكسفورد، حول النتائج السلبية والتأثيرات الضارة لخطوة سبتمبر على المكانة التمثيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية. ويعتبر جيل من أعضاء الفريق القانوني الذي ساهم بانجاز محكمة العدل الدولية عام 2004 بقضية بناء جدار الفصل العنصري على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقد تضمنت الوثيقة التي أعدها البروفسور (جيل) تحذيراً واضحاً مما تصفه بمخاطر جمة، تشكلها مبادرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، على الحقوق الفلسطينية. خصوصاً حق تقرير المصير، وعودة اللاجئين، وشرعية منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
تشريح وثيقة جودين
وقد ردت جهات رسمية من السلطة الفلسطينية في رام الله على تلك الدراسة بقولها بأنها لا أساس لها من الصحة، فالدراسة تبني استنتاجاتها على الافتراض الخاطئ بأن السلطة الفلسطينية هي التي ستتوجه إلى الأمم المتحدة بطلب الاعتراف بها كدولة، الأمر الذي سيؤثر على حقوق فلسطينيي الشتات في التمثيل وفي تقرير المصير والدولة، وهذا الافتراض لا أساس له، حيث أن منظمة التحرير الفلسطينية هي التي سوف تتوجه إلى الأمم المتحدة بطلب الاعتراف والعضوية لدولة فلسطين التي أعلنت في عام 1988 بقرار من المجلس الوطني الفلسطيني والتي وثيقتها الدستورية، المتمثلة بإعلان الاستقلال تنص على كونها دولة الفلسطينيين أينما كانوا، وبالتالي فإن توسيع نطاق الاعتراف الدولي بدولة فلسطين ليشمل الأمم المتحدة سوف يعزز المكانة التمثيلية لمنظمة التحرير وليس العكس. 
وأضاف رد اللجنة التنفيذية على تلك التقديرات بقولها لقد قادت منظمة التحرير الفلسطينية منذ إنشائها نضال شعبنا نحو التحرر والاستقلال على قاعدة الإيمان بالحقوق والثوابت، وعلى قاعدة الشرعية الدولية. وقد زادت المخاطر التي مرت بها قضيتنا الوطنية من التفاف شعبنا حول منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لهذا الشعب المناضل والمقدام والمتمسك بالثوابت والحقوق، ومازالت حامية الحقوق الوطنية المشروعة وغير القابلة للتصرف، بما فيها حق العودة والاستقلال. وأن عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة ستعزز من قدرة منظمة التحرير الفلسطينية في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية المشروعة ولن تؤثر على دور ومكانة والصفة التمثيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
وقد أسهم البروفسور (فرانسيس بويل) أستاذ في القانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة الينوي في تقديم اجتهاد أخر، اعتبر فيه أن وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطينية والتي تم تبنيها بدورة المجلس الوطني التاسعة عشر في الجزائر عام 1988 تضمنت تحويل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين، وأن إعلان الاستقلال نص على أن الفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم يصبحون بشكل تلقائي مواطنين في دولة فلسطين. وبالتالي فحسب (فرانسيس بويل) فإن منظمة التحرير الفلسطينية لن تخسر مكانتها، خدم البروفسور (فرانسيس بويل) كمستشار قانوني لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكان ممن ساهموا بدفع الجهود إعلان الاستقلال عام 1988، وقد تم نشر مطالعته إياها على صفحات العديد من المواقع الالكترونية الفلسطينية تحت عنوان رداً على جاي جودين جيل .. منظمة التحرير والتمثيل الجماهيري.
حق العودة ومصير الشتات الفلسطيني
أما في المسألة المتعلقة بحق العودة وفلسطينيي الشتات الذين يشكلون أكثر من (65%) من أبناء الشعب الفلسطيني، فإن الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 يبرز مخاوف تتبدى عبر تجاهل الشتات الفلسطيني وحقه في العودة إلى أرض وطنه التاريخي عملاً حتى بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. وستؤثر هذه الخطوة سلباً على تمثيل حق تقرير المصير، لأنه حق تقرير المصير، حق يخص كل الفلسطينيين سواء تواجدوا في داخل فلسطين أو خارجها، ويؤكد الرأي القانوني بأن هذا التغيير في الوضع التمثيلي سيهدد بشكل كبير حق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم وأملاكهم التي هجروا منها قسراً.
وقد ردت أيضا اللجنة التنفيذية للمنظمة على تلك التقديرات بقولها ان الخطوة المتعلقة باستحقاق سبتمبر لا تمس بالمكانة القانونية وحقوق وتمثيل اللاجئين الفلسطينيين بما في ذلك حقهم في العودة والحصول على تعويض عادل على أساس قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 بتاريخ 11كانون الأول 1948. وهذا ما تصونه التشريعات الدولية والإقليمية والوطنية بما فيها مقررات المجلس الوطني الفلسطيني ووثيقة إعلان الاستقلال الفلسطيني، وإعلان المجلس الوطني الفلسطيني عن تشكيل الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين والتي تم تبنيها في المجلس الوطني في دورته التاسعة عشرة في 15 نوفمبر 1988 والتي تفيد بأن تتولى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير مهمة الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين.
إن الحديث عن قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة، يلخص الحديث عن القضية الفلسطينية، فقضية الشعب الفلسطيني ليست فقط مسألة بناء الدولة فوق الأرض المحتلة عام 1967 (مع أهمية هذا المطلب الذي يحظى بإجماع أممي منذ سنوات طويلة) بل هي أيضا قضية عودة وتقرير مصير لأكثر من (65%) من أبناء فلسطيني الذين يشكلون الكتلة اللاجئة من الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.
وفي الاستخلاصات الأخيرة، نقول إن التوجه الفلسطيني لطرق أبواب المجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة أمر ايجابي بكل الحالات، لكن يفترض به أن يصب في مسار رؤية إستراتيجية فلسطينية موحدة بين جميع القوى خصوصاً منها القوى ذات الحضور والتأثير في المعادلة الفلسطينية كحركتي حماس وفتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة الجهاد الإسلامي ... رؤية استراتيجية موحدة عنوانها استثمار كل أوراق القوة في الحراك السياسي الجاري في العالم من أجل نصرة الشعب الفلسطيني، وتجاوز (الخيار التفاوضي اليتيم وحده دون غيره) الذي كبّل الساحة الفلسطينية وعمق من هوة الانقسام السياسي والتنظيمي داخلها.
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي بدوان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/09/21



كتابة تعليق لموضوع : الاندفاع الفلسطيني للأمم المتحدة : ايجابيات وسلبيات
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net