تحتار المسافات في قياس سرعة الأشواق....إذ كيف تقيس شوقا تأجج على شفا جرف الأحلام؟..
قد نفهم كيف إن الزوج تأبى غيرته إلا الدفاع عن الأرض ويتحمل فراق عائلته في سبيل هذا الهدف... لأنه يحمل رجولة حقيقية عانقت الشمس لتغزل من خيوطها خيمة تظلل بها على الأعراض والمقدسات.. ولكن كيف لنا أن نفهم ونترجم موقف الزوجة وهي تقوّي عزم زوجها وتشد على يديه، وتحثه للمضي قدما، وتحمل عنه ثقل مسؤولياته في غيابه ونحتار ونتساءل كيف تحملت فراق الوداع، فالوداع جمرات تتراقص على القلوب..وأشواك افترشت رمال جافة في يوم قائض مزقت أقدام السائرين الحافية...
كيف تضاءلت هوة أعماق الأنا وانمحت تحت سنابك المنايا؟
قال لها: لِمَ اعتقدنا إن هذه القيم والمبادئ ماتت واندثرت؟؟ ألقسوة واقعنا البائس؟ أم لصغر وضآلة كل ما في الوجود في عيوننا؟
أجابته: لنا إرث من سيدة نساء العالمين وابنتها العقيلة زينب، تلك المواقف العظام صاغت لنا جلبابا مرصعا بالصبر والعزيمة وقوة البصيرة، فكيف تموت مبادئ سقتها قطرات غيث تناثرت عليها من بيت النبوة والإمامة؟
لطالما راودتني تلك الأفكار وأنا اقضي ليلي مع هواجسي وعلى ضفاف سكناتي تنساب خيالاتي ثم.. تومض في عتمة الأسى حُزم النور التي تسعدني..ترافقها نسمات تنعش روحي اللاهفة لرؤيتك فالشوق أسرها، ولكن مع تمتمات وتراتيل دعاء الحزين الذي يعقب صلاة الليل يهفو الشوق إلى الإله الواحد فلا أرى سواه ويهون بُعدك عني ويهون بعينه ما كان وما سيكون.. فهواه يشغلني ورضاه يشغل هواجسي ويتيه قلبي المتيم بالشوق إلى الهيام في حضيرة القداسة الملكوتية...وأتوق إلى الخروج من سجني وأتحرر لانطلق إليه بكل ما أوتيت من قوة...ولكن تأبى إرادته غير ذلك فما يزال لدي رسالة عليّ أداؤها...
فهل بعد هذا الجمال ترى عيني غيره؟ أو تهفو روحي إلى الدنيا الدنية؟ وهل ما تزال تعتقد إن قيم الجمال ومبادئ الفضائل ماتت واندثرت؟
قال لها: كم كنت احلم بامرأة مثلك قوية الإرادة، تدير حياتها ولا تجعل حياتها تديرها..تقطف من النجوم أجملها وترصع من الجواهر أبهاها على إكليل جعلته يزهو على رأسها بكل زهو..وها أنتِ تجيدين أداء دوري في غيابي بكل تفاني، فكيف لي أن أكافئك؟
أجابته: ليس من السهولة أن أتقن دورا وأملأ فراغا تركته في نفوس فلذات أكبادنا..في بعض الأحيان اشعر بالعجز وأنا أرى دموعهم تُسكب قسرا على عتبات انتظارك، وحرقة غيابك تنتفض وهم يرمون أنفسهم في أحضاني، فلا أجد إلا أن أواسيهم واستعين بنفحات من سيرة سيد الشهداء وفلذات أكباده الذين تدخل سيرتهم إلى قلوب أولادنا ويتناسون غيابك ويهون البُعد عليهم بعد أن يستنشقوا عبير تلك السيرة وتغفو عيونهم على رؤى أحلام اللقاء.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat