صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السّنةُ الرَّابِعَة (٢١)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
   ثلاثُ حقائق أَساسيَّةٍ تتعلَّق بالعدلِ تُثبِّتها الآيةِ المُباركة، وهي؛
   أَوَّلاً؛ القانون الذي عبَّرت عنهُ الآية بالكتابِ.
   ثانِياً؛ القضاء الذي عبَّرت عنهُ الآية بالميزانِ.
   ثالثاً؛ القوَّة التي عبَّرت عنها الآية بالحديدِ.
   أَمّا مُحور العدل فهو الانسان بغضِّ النَّظر عن أَيِّ شيءٍ، دينهُ وإِنتماءهُ وًخلفيَّتهُ الثَّقافيَّة أَو السِّياسيَّة أَو الاجتماعيَّة وعشيرتهُ وتاريخهُ ولونهُ أَو أَيَّ شيءٍ آخر، فالعدلُ للجميعِ بِلا استثناءٍ أَو تمييزٍ! ولذلك قالت الآية المُباركة {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} كلَّ النَّاسِ.
   فالقانونُ الذي يكونُ فوقَ الجميع ولا يستثني أَحداً يقيمُ العدلَ في المجتمعِ، أَمَّا الذي يُميِّز بين الحاكمِ والمحكومِ! فيحمي حقوق الأَوَّل ويتغاضى عن واجباتهِ! فيما يعمل العكس بالضَّبط مع الرَّعيَّة! فذلكَ هو القانون الفاشلِ الذي يكرِّس الظُّلم فيغيبُ العدلُ عن المجتمعِ!.
   ولقد حذَّر رَسُولُ الله (ص) من هذه الحالة بقولهِ؛ 
   {إِنَّما أُهلِكَ الَّذينَ قَبلَكُم، أَنَّهُم كانُوا إِذا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّريف تَرَكُوهُ، وَإِذا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعيف أَقامُوا عَليهِ الحدَّ}.
  أَمَّا القضاءُ فاذا كان فاسداً أَو مُنحازاً أَو مُسيَّساً فلا يمكنُ أَن ننتظرُ مِنْهُ أَن يُحقِّق العدلَ أَبداً! ولذلك لم يتردَّد أَميرُ المؤمنين (ع) [وهو الخليفة والحاكم والقائد العام للقوَّات المسلَّحة] في الوقوفِ [مُتَّهماً] أَمام القاضي جنباً الى جنبِ المواطن اليَهودي الذي إِدَّعى عليهِ في قضيَّة الدِّرع المعروفة! لأَنَّ القضاء الذي يميِّز بين المواطنين على أَساسِ المكانةِ والموقعِ والدِّينِ يعجز عن إِقامةِ العدل! ومَن أَولى بأَميرِ المؤمنين (ع) في إِقامةِ العدل وتهيِئة الأَرضيَّة لذلكَ؟!. 
   ولقد كتبَ مرّةً وهو يردُّ بحزمٍ على أَحد ولاتهِ اللُّصوص الفاسدينَ مُهدِّداً ومتوِّعداً {وَ وَاللهِ لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فعَلاَ مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ، مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ، وَلاَ ظَفِرَا مِنِّي بَإِرَادَة، حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُمَا، وَأُزِيحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا}.
   ولقد أَزاح (ع) أَحد القُضاة لأَنَّهُ كانَ يرفع صوتهُ على المتخاصمِينَ عند التَّرافع أَمامهُ فيُرعبهُم! وهو أَمرٌ يُسقطُ عدالة القاضي!.
   أَمَّا القوَّة فالقانونُ والقضاءُ لا يُفيدان شيئاً إِذا لم يعتمِدا على قوَّةٍ تنفِّذ الأَحكام! فالمُتجاوزونَ على القانون سيجدونَ أَلفَ طريقةٍ وطريقةٍ للتملُّص من أَحكامِ القضاء! سيجدونَ مَن يرتشي ليُخفي الملفّ! كما سيجدونَ أَلف ميليشيا وميليشيا تحميهم من الأَحكام التي تصدُر بحقِّهم! أَمّا إِذَا كان اللصُّ من قادة [الأَحزاب الدِّينيَّة] فسيجد في جيوبهِ أَلف آيةٍ وحديثٍ وروايةٍ لشرعنةِ جريمتهِ وبالتَّالي للإفلاتِ منها! ولذلك ينغي أَن تكونَ في البلدِ قوَّةٌ تنفيذيَّةٌ صارمةٌ لتنفيذ الأَحكام صغيرها وكبيرها وبِلا هوادةٍ!.
   والى ذلك أَشار أَميرُ المؤمنين (ع) بقولهِ {لاَ يُقِيمُ أَمْرَ اللهِ سُبْحَانَهُ إلاَّ مَنْ لاَ يُصَانِعُ، وَلاَ يُضَارِعُ، وَلاَ يَتَّبِعُ الْمَطَامِعَ}.
   وبذلك تكتمل السُّلطات الثَّلاث التي تبني الدَّولة وتحمي المواطن وتقيمُ العدْل في المجتمعِ! وإِنَّ أَيَّ خللٍ في واحدةٍ أَو أَكثر من أَضلاعِ هذا المثلَّث سيؤدِّي الى إِشاعة الظُّلم وغِياب العدل.
   وإِنَّما فشِلت الدَّولة في بلدانِنا، الْعِراقِ نموذجاً، لأَنَّها فشِلت في حمايةِ أَضلاع المثلَّث! فالقانونُ عندنا تحت الجميع والقضاءُ فاسدٌ مرتشي أَمَّا السُّلطة التنفيذيَّة فأَضعفُ مِن أَن تُنفِّذ أَحكام القضاء بحقِّ الفاسدينَ والفاشلينَ والظَّالمين المُتجاوزين على حقوقِ النَّاسِ! بسبب المُحاصصة والتَّقاسم السَّيِّء للسُّلطة الذي هندسوهُ بطريقةٍ أَلغت العدل وأَشاعت الظُّلم على مُختلفِ المستويات!.
   أَو أَنَّها متخصِّصة في حمايةِ الحاكمِ وأُسرتهِ ومُحازبيهِ وأَبواقهِ وذيولهِ وكلّ ما يتعلَّق بهِم من حقوقٍ بِلا واجباتٍ! حقوقٌ شرعنها الحاكم ظُلماً وعُدواناً!.
   ولهذا السَّبب لم يرَ العراقيُّونَ لحدِّ الآن حتَّى [عِجلاً سميناً] واحِداً على الأَقلِّ يقف خلفَ القُضبانِ على الرَّغمِ من كلِّ المآسي والمصائب التي حلَّت بالعراقِ بسببِ فساد وفشل [العصابة الحاكمة]!. 
   ١٥ حزيران ٢٠١٧
                            لِلتّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/06/17



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السّنةُ الرَّابِعَة (٢١)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net