صفحة الكاتب : د . ليث شبر

استئناف الحضارة
د . ليث شبر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ما من شك في حضارة وادي الرافدين وما من شك في أن أجيالنا يفتخرون بها في كل محفل..

ولكنهم في الوقت نفسه لا ينفكون من التذمر وعدم الرضا وفقدان الثقة بمستقبل بلادهم.. 

أتذكر جيدا قبل 2003 كان العراقيون يرددون هذه الكلمات بعد نهاية كل حديث عن الوضع المزري الذي كنا نعيشه في زمن صدام الأسود.. كنا نردد.. '' احنا العراقيين ما بينا خير''.. وهذه الكلمات كانت تنطلق دوما حينما نتشاءم من وضعنا المزري وحياتنا البائسة وهي خاتمة كل حديث ثنائي وثلاثي.. 

كنت وقتها أقف طويلا لتحليل هذه الكلمات ودلالاتها وهل هي نتاج طبيعي لليأس والتشاؤم والتذمر الذي غلف حياتنا.. أم أنها بفعل فاعل'' أي أنها مبثوثة بين الناس بصورة مدروسة'' فقد كانت مخابرات صدام تبث بين الناس اشاعات وكلمات ومواقف كل حسب غرضها الذي أعدت له.. وكنت أقول في نفسي أن هذه الكلمات حينما تنتشر بين الناس فإنها تزعزع الثقة بالفرد والمجتمع وحينها سيكون الفرد والمجتمع ضعيفان لايقويان على تغيير النظام أو القيام بمحاولة ذلك وحتى التخطيط له.. 

اليوم بعد 14 سنة من سقوط صدام ونظامه ونشأة جيل جديد لم يعش في ذلك الزمان نجد النغمة ذاتها قد طغت على تفكيرنا واستولت على رؤانا المستقبلية فصرنا نردد بيننا '' العراق ماتصير له جارة'' و '' احنا مابينا خير''.. فالتشاؤم والنظرة السوداوية والتذمر وعدم الرضا وكراهية الآخر أصبحت صفات رئيسية في شخصياتنا.. وحينها عاد التساؤل القديم.. هل نحن مجبولون على ذلك السلوك.. أم أنه أمر دبر بليل... أم أن واقعنا المأساوي هو الذي حفز هذا الشعور وهذا التصرف... 

كيف لنا أن ننتج حضارة عظيمة ولا ننتج حاضرا عظيما... كيف يكون لنا هذا التاريخ المبجل من كل البشرية ولا نستطيع أن نصنع مستقبلا جميلا لأجيالنا.. إنه لأمر محير حقا.. أن نقف وسط المجهول ونفقد الثقة بأنفسنا ومجتمعنا فلا نمارس سوى الاستهلاك والمطالب والتذمر... نمارس الأقوال الناقدة والحاقدة ولا نمارس الأفعال النافعة والمنتجة.. إنه لأمر ممض حقا.. لم لا يمكننا أن نستأنف الحضارة.. حضارتنا التي خطت أول حرف وبنت أول قوس وأنتجت المدنية.. 

استئناف الحضارة في بلاد وادي الرافدين وأرض السواد ممكن جدا وسهل جدا فكل مقوماته حاضرة بيننا اليوم.. ولا يتطلب الأمر منا إلا أن نعيد الثقة بأنفسنا وبمجتمعنا وبأجيالنا وأن نثق بقدرتنا على ذلك لنتمكن من اكتشاف هذه المقومات وتنميتها ورعايتها.. مقومات النهضة بين ظهرانينا وأنتم تعرفونها جيدا.. '' الذكاء والإيمان والشجاعة'' ولاحاجة للاستشهاد وذكر الأمثلة فهي تتجلى بين الفينة والأخرى أمامنا لنفتخر بها بين الحين والآخر ثم يخبت ذلك ليكسوه ثوب اليأس والتشاؤم.. والسبب أيضا نعرفه جميعا.. لأننا نقف عند التفاخر ولانتعداه ونريد من الآخر أن يفعل ويقوم بواجباتنا بينما النهضة الحقيقية هي التي نفعلها نحن بأنفسنا وبكل مانملك من حول وقوة.. 

استئناف الحضارة ياأيها العراقيون بين أيدينا لا يتطلب منا سوى أن نترك الكلام ونرفع شعار '' حي على خير العمل''و''هيا الى العمل''


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . ليث شبر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/04/15



كتابة تعليق لموضوع : استئناف الحضارة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net