اثارت هذه الرواية للشهيد ( حسن مطلك ) زوبعة وضجة عاصفة , في الوسط الثقافي والادبي , وتخللتها ردود افعال متنوعة , بالهزة العنيفة بأن ولادة هذه الرواية قلبت الموازين في العمل الروائي العراقي السائد , في تغييرات جوهرية في المتن الروائي عامة , في الاسلوبية البنائية والشكل المعماري , واعتبرت بأنها رواية جديدة غير تقليدية , في الخلق والابداع , في التجديد والابتكار والتحديث , في الادوات الروائية غير المسبوقة , واستخدامها نمط لغوي جديد , ينحى الى الثنائية, لغة ظاهرية , ولغة باطنية وهي جوهر العمل الروائي , في اسلوبها الرمزي , الذي يأخذ منحى التوميه المبطن , والتشويش والغموض , وبعثرة زبدة الحدث او الحكاية بشكل مراوغ ذكي , في عملية تقطعية هنا وهناك , بهدف التملص من مقص الرقيب , او من غضب السلطة الماحق والظالم , الذي لا يرحم حتى الحجر , هذا الاسلوب الفطن والذكي , انقذ روايته من الحجب ,رغم الى الرقابة احتفظت بها لمدة عام وبعدها اجازتها , بذريعة رواية غرائبية . , ولكنها في حقيقة الامر رواية فكرية سياسية وفلسفية واجتماعية , تتناول حقبة مظلمة من تاريخ العراق , مغلفة في حكايات سريالية غرائبية , ولكن مضمونها الاساسي , يتناول هذه الحقبة السريالية , التي خيمت على العراق بشفرات رمزية مثل ( القرية ) وتعني العراق , انها رواية تستفز الذهن , من خلال المضمون المخفي والمبطن في الرمزية , واعتبرت رواية ( دابادا ) نقلة نوعية في ميلاد الرواية العراقية الجديدة , في تجديد اساليبها التقليدية , وبعض النقاد وضعها في مصاف الروايات العالمية , او بمستوى اهم انجازات الرواية العربية , في اسماء مؤلفيها , ذو شهرة واسعة وباع طويل في الانتاج الروائي . انها رواية انتقادية بكل المواصفات بالرمز المشفر , في تعرية الاوضاع السائدة , التي تتجه نحو السريالية , في محاصرة الانسان , ووضعه في قفص مغلق , مراقب على مدى 24 ساعة في اليوم , ويحصي حتى زفير تنفسه , بكل اشكال النخاسة الارهابية والفكرية , الى تخريب الانسان من الداخل , الى وضعه في محنة اخطبوطية , حتى يتجه الى مشرحة الموت البطيء , الى تدجين الضمير بالخراب العام , انها محاولة صرخة في الفراغ , من اجل الحرية والانعتاق , صرخة ضد الظلام السريالي . وقد قال عنها الناقد جبرا ابراهيم جبرا , بأنها ( رواية غير عادية , فهي جديدة , وكاتبها شاب جريء ) . وهذه القراءة النقدية , هي محاولة الكشف ما وراء السطور في المتن الروائي , المخفي في المضمون , انها محاولة فهم وفك شفراتها الرمزية , وفهم جوهرها التعبيري , المغلفة بحكايات غرائبية ملغزة , في اشكال سريالية غرائبية , هي محاولة تجميع جزئيات المقطعة في الرمزية متناثرة هنا وهناك , والمخفية باسلوب التوميه والتشويش , لذا فأنها محاولة ارجاع الشفرات الرمزية الى اصلها الواقعي , الى الواقعية الواقع , بأنها صدى وانعكاس له , انها وضع الامور في نصابها ,, في جوهر المتن الروائي , الذي استغرقت من جهد الروائي الشهيد حسن مطلك . خمسة اعوام , لكي تكتمل بهذا الشكل النهائي المقدم الى القارئ , كما يقول اهرنبورغ ( ان الفنان يعرض الشيء الذي يثيره وتقلقه , ويثير معاصريه , واذا كان قادراً , على النظر الى اعماق القلب الانسان , وليس الى غلافه الخارجي , فهو يخلق فناً يساعد الناس في معاناتهم ) , لذا فأنها عملية اكتشاف الرمز المبطن , الذي يكمن وراء هذه الحكايات , وليس تتبع مسارها الزمني , وهي ثلاث ايام واربعة ليالي , ولكنها في الحقيقة , تتناول حقبة زمنية من الاوضاع التي مرت على العراق لاكثر من عقدين من الزمان .
1 - الحكاية الاولى : اختفاء الاب ( محمود ) الغامض .
اختفى في البراري , بشكل غامض لمدة عشرين عاماً لا يعرف مصيره عند اهل القرية , بسبب ارنب مبقع اجبره على السير معه , هذه الارانب المبقعة التي تفتك باهالي القرية , حتى لا يجد لهم اثر بعد ذلك بالضياع الكامل , لقد قاده الارنب مبقع الى ( ارض مليئة بالارانب المبقعة ) ص34 . زوجته ( هاجر ) فتشت عنه وطرقت كل الابواب , لكن دون ان تحصل على نتيجة لمدة عشرون عاماً , من العذاب والمعاناة تركها وحيدة مع طفلها ( شاهين ) وكان عمره آنذاك سبعة اعوام , ولكن اخيراً اخبرتها العرافة ( وزة ) وكما قالت الى ابنها ( شاهين ) وهو الان في عمر سبعة وعشرين عاماً , تقول له ( ان وزة اخبرتني عن ابيك , قالت انه يتنفس لحد الان , غير انه لن يجيء الان ) ص34 . ان رمزية الحدث او الحكاية مكشوف , في التعبير والرمز في ( الارانب المبقعة ) التي تملك السلطة الكاملة في تغييب المواطنين , في اختطافهم واعتقالهم وسجنهم في سراديب سرية , ألم يقصد الاجهزة الامنية في هذه التسمية الغريبة والسريالية ( الارانب المبقعة ) انها ادوات السلطة , التي تراقب المواطنين وتحصي انفاسهم .
2 - الحكاية الثانية : رمزية الكلب شرار .
عواد : رسام باحث عن الشهرة والاضواء والمال , يشغل نفسه طوال الوقت في رسم كلبه شرار , في رسمه في اوضاع مختلفة , في بوزات وازياء متنوعة ومختلفة , يرتبط به بعلاقة بهيمية غريبة , حتى يصعد على قمة الاضواء والشهرة , ويقول عن الكلب شرار , بأنه هجين وغدار وشرس ومتهور , ويحب ( أكل لحوم البط ولا يحب ثمر التين , رسمه , في اوضاع الجري والوثوب , واستبدل عينيه بزراري معطف مطري )ص 43 . لا اعتقد من يبحث عن المال الاضواء والشهرة , وابراز اسمه في العاصمة والاعلام , ويقضي في الانشغال المحموم , في رسم الكلب شرار. اعتقد انه من فصيلة اخرى تملك كل زمام الامور . من فصيلة آدمية وضعه القدر على رقاب العراقيين , في سريالية غرائبية , في رسم صورته في كل مكان وزاوية , و ( عواد ) يشعر ان اسم شرار مرعب ومخيف يجلب الخوف والقلق على مصيرحياته ( وكلمة شرار , كأبرة طويلة الى حنجرته , ويهمس لايمكن احتماله ) ص48 . ويهمس بالاعتراف عن كنة وماهية الكلب شرار ( كل ذلك بسبب شخص معين . بسبب مجموعة اخطاء , لمجموعة اشخاص يتكرر وجودهم , ويترسب في خط بركاني ليعزله عن بعضه, بسبب اخرين يشبهونه , لكن احدهم لا يبالي ليلة سماع الصراخ , في اقصى القرية ) ص 47 . الرمز واضح والقرية تعني العراق , وليس بحاجة الى توضيح اكثر , لانها جزء من سريالية الواقع العراقي بغرابته .
الحكاية الثالثة : رمزية موت عبدالمجيد بسم الفئران .
عبدالمجيد مختار القرية او رئيسها الفعلي , يموت بدس سم الفئران في طعامه من قبل ( حلاب ) ليكون المختار الجديد على القرية ,وحلاب ذو شخصية متسلطة قاسية ومتجهمة بشراسة المرعبة والمخيفة ( افسحوا الطريق لحلاب . جاء حلاب افسحوا الطريق . ابتعدوا ... ) ص 111 . ويصبح البعبع المخيف في القرية , واسمه يجلب الرعب , بعد اغتصاب السلطة , وتغير الحال في القرية نحو الاسوأ بالتدهور الفظيع ( اقول لكم : كان العالم طرياً في البدء , ولكنه هوى على رأس مثقب , بالاخص فوق فتحات الاسلحة ) ص113 . هذا ( حلاب ) يسجل كل شاردة وواردة في مسك السلطة , بواسطة رجاله الاشداء المتزمتين في الغطرسة , هذه اللعنة التي اصابت القرية , وهي جزء من اللعنات من المؤامرات المتواصلة , في مذابح الاخوة البشر على العراق ( سبعة وعشرون عاماً من المؤامرات , لاجل هذه اللحظة الذكية ويسقط . طعم الجحيم النقيقي , في اسفل الهاوية والساعة الاخيرة من العيش والذهول والرعب والمؤامرة مرة اخرى , حيث المذابح الصفراء , التي نادراً ما تصل الى درجة القتل - مذابح الاخوة البشر - ) ص124 . ملامح الرمزية مكشوفة , رغم انها متناثرة هنا وهناك بالتقطيع شأن كل الحكايات الرمزية في سرياليتها , ولكن عملية تجميع هذه القطع المتناثرة , تعطينا الصورة الواضحة , لبعدها الرمزي . وهي ترجمة حقيقية لصراع الدموي على السلطة , او بالاصح اغتصاب السلطة بمؤامرات القتل , او مؤامرات دس سم الفئران في الطعام او في الشاي .
4 - الحكاية الرابعة : رمزية حمار قندس .
حمار قندس , هو يرمز الى الاداة التنفيذية السلطوية , التي هي في قبضة ( حلاب ) المختار الجديد , او هو عنوان السلطة , ويحاول ( شاهين ) وهو بطل الرواية , ان يعلن عصيانه وتمرده على سلطة حلاب , الذي تسبب في اختفاء اباه ( محمود ) لمدة عشرين عاماً , ويكتشف سر اختفاء أباه محمود ( يكشف مع نفسه مسؤولية حلاب في اختفاء محمود , لانها بقيت بالسرية التامة )ص181 . هذا ( شاهين ) الطفل اليتيم بعد اختفاء أباه لمدة عشرين عاماً , وعاش منعزلا ً وانطوائياً , غريباً عن الواقع , منزوياً في غرفته المظلمة مع امه ( هاجر ) لقد فشل كلياً في التكيف والتأقلم مع الواقع والناس . ويعتبر نفسه غريباً عالة على امه والناس , ويشعر بالكآبة والحزن ( يحس انه حزين , ليس حزيناً بالضبط , وانما يريد ان يبكي , وهو يراقب صوت الفجر , المتسلل بين الاحطاب وقصب السقوف , والانطلاقة الاولى لعصافير العراق ) ص173 , ويتذمر من اخبار العالم المفجعة في نشرات الاخبار ( زلازال . فيضانات . اخبار مجاعة السود . محدثات نزع السلاح النووي . عمليات الفدائيين العرب . جلسات مجلس الامن . ارهاب عالمي . مخدرات . فضائع سياسية . تجسس . جرائم . خطف . حروب . انقلابات . انحلال . اسلحة جديدة ............ الخ ) ص174 . ويتساءل ( الى متى هذه الظلمة . . . انها عبارة عن محض صرخة في فراغ : دا - با ................. دا ............... بذلك كان الضحك , بعد محاولة الضحك دائماً . الضحك . الضحك . الضحك ........... الى ما لا نهاية ) ص170 . جعلته يتوخى العلاقة مع الناس , لانه يعتبرها خاوية وجافة ومصلحية ( اخلاق الناس بنظري , مرة مشيت مع صديق , واحد في المائة يعطي الصداقة حقها .......... مصالح ) ص164 . . لذلك من اجل الانعتاق من هذا الوضع المظلم والسريالي , قرر ان يقتل الحمار قندس , ليوجه طعنة قاتلة الى ( حلاب ) . واخذ المدية سلاح القتل وهجم على الحمار قندس بالطعنات ( طعنة .... طعنة . طعنة ... ويهجم الالم لحظة رؤية الدم يغطي النمش ) ص196 . ويهرب وهو يرى يديه ملطخة بالدماء , فيركض الى الشاطئ , لكنه بعد ذلك يقع في مفاجأة , بأنه لم يقتل الحمار قندس , وانما الحمار بخير لم يقتل لانه ( استعملت المدية بشكل معكوس , لاني كفي ظل يؤلماني , والدم هو دمي أنا , لا دم الحمار ) ص 210 .
5 - الحكاية الخامسة : رمزية اختفاء شاهين .
بعد المحاولة الفاشلة , يشعر بالانهيار وان حياته انتهت بالخسارة والرعب , بأن حياته اصبحت على كف عفريت , ويختفي في ظروف غامضة عن الوجود , وتقلق امه ( هاجر ) لهذا الغياب المخيف , المشابه لغياب ابيه ( محمود ) , ويصبها الرعب والخوف , وتفتش عنه في كل مكان وتسأل الناس ( الرايحين والقادمين : هل رأيتم شاهين ؟ هل رأيتم ولدي ؟ فيميلون عنها , معتقدين ان عدوى جنون العائلة , قد تسرب اليها , فصارت تركض من تل الى اخر , وتفتش الوديان والبيوت ) ص193 , لكن اخباره ضاعت واختفت , بالضبط مثل اخبار الروائي الشهيد حسن مطلك , ولكنه عرف فيما بعد , بأنه اعدم , بذريعة مشاركته في المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد صدام حسين , وهو لم يبلغ عمره ثلاثين عاماً , في اوج عظمة ابداعه الادبي , وخاصة , انه رسام وشاعر وروائي قدير . نسأل المولى القدير ان يتغمد الراحل برحمته الواسعة , واسكنه فسيح جناته
× رواية ( دابادا ) الروائي الشهيد حسن مطلك
× اصدار : دار العربية للموسوعات
× الطبعة الاولى عام 1988
× 223 صفحة
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
اثارت هذه الرواية للشهيد ( حسن مطلك ) زوبعة وضجة عاصفة , في الوسط الثقافي والادبي , وتخللتها ردود افعال متنوعة , بالهزة العنيفة بأن ولادة هذه الرواية قلبت الموازين في العمل الروائي العراقي السائد , في تغييرات جوهرية في المتن الروائي عامة , في الاسلوبية البنائية والشكل المعماري , واعتبرت بأنها رواية جديدة غير تقليدية , في الخلق والابداع , في التجديد والابتكار والتحديث , في الادوات الروائية غير المسبوقة , واستخدامها نمط لغوي جديد , ينحى الى الثنائية, لغة ظاهرية , ولغة باطنية وهي جوهر العمل الروائي , في اسلوبها الرمزي , الذي يأخذ منحى التوميه المبطن , والتشويش والغموض , وبعثرة زبدة الحدث او الحكاية بشكل مراوغ ذكي , في عملية تقطعية هنا وهناك , بهدف التملص من مقص الرقيب , او من غضب السلطة الماحق والظالم , الذي لا يرحم حتى الحجر , هذا الاسلوب الفطن والذكي , انقذ روايته من الحجب ,رغم الى الرقابة احتفظت بها لمدة عام وبعدها اجازتها , بذريعة رواية غرائبية . , ولكنها في حقيقة الامر رواية فكرية سياسية وفلسفية واجتماعية , تتناول حقبة مظلمة من تاريخ العراق , مغلفة في حكايات سريالية غرائبية , ولكن مضمونها الاساسي , يتناول هذه الحقبة السريالية , التي خيمت على العراق بشفرات رمزية مثل ( القرية ) وتعني العراق , انها رواية تستفز الذهن , من خلال المضمون المخفي والمبطن في الرمزية , واعتبرت رواية ( دابادا ) نقلة نوعية في ميلاد الرواية العراقية الجديدة , في تجديد اساليبها التقليدية , وبعض النقاد وضعها في مصاف الروايات العالمية , او بمستوى اهم انجازات الرواية العربية , في اسماء مؤلفيها , ذو شهرة واسعة وباع طويل في الانتاج الروائي . انها رواية انتقادية بكل المواصفات بالرمز المشفر , في تعرية الاوضاع السائدة , التي تتجه نحو السريالية , في محاصرة الانسان , ووضعه في قفص مغلق , مراقب على مدى 24 ساعة في اليوم , ويحصي حتى زفير تنفسه , بكل اشكال النخاسة الارهابية والفكرية , الى تخريب الانسان من الداخل , الى وضعه في محنة اخطبوطية , حتى يتجه الى مشرحة الموت البطيء , الى تدجين الضمير بالخراب العام , انها محاولة صرخة في الفراغ , من اجل الحرية والانعتاق , صرخة ضد الظلام السريالي . وقد قال عنها الناقد جبرا ابراهيم جبرا , بأنها ( رواية غير عادية , فهي جديدة , وكاتبها شاب جريء ) . وهذه القراءة النقدية , هي محاولة الكشف ما وراء السطور في المتن الروائي , المخفي في المضمون , انها محاولة فهم وفك شفراتها الرمزية , وفهم جوهرها التعبيري , المغلفة بحكايات غرائبية ملغزة , في اشكال سريالية غرائبية , هي محاولة تجميع جزئيات المقطعة في الرمزية متناثرة هنا وهناك , والمخفية باسلوب التوميه والتشويش , لذا فأنها محاولة ارجاع الشفرات الرمزية الى اصلها الواقعي , الى الواقعية الواقع , بأنها صدى وانعكاس له , انها وضع الامور في نصابها ,, في جوهر المتن الروائي , الذي استغرقت من جهد الروائي الشهيد حسن مطلك . خمسة اعوام , لكي تكتمل بهذا الشكل النهائي المقدم الى القارئ , كما يقول اهرنبورغ ( ان الفنان يعرض الشيء الذي يثيره وتقلقه , ويثير معاصريه , واذا كان قادراً , على النظر الى اعماق القلب الانسان , وليس الى غلافه الخارجي , فهو يخلق فناً يساعد الناس في معاناتهم ) , لذا فأنها عملية اكتشاف الرمز المبطن , الذي يكمن وراء هذه الحكايات , وليس تتبع مسارها الزمني , وهي ثلاث ايام واربعة ليالي , ولكنها في الحقيقة , تتناول حقبة زمنية من الاوضاع التي مرت على العراق لاكثر من عقدين من الزمان .
1 - الحكاية الاولى : اختفاء الاب ( محمود ) الغامض .
اختفى في البراري , بشكل غامض لمدة عشرين عاماً لا يعرف مصيره عند اهل القرية , بسبب ارنب مبقع اجبره على السير معه , هذه الارانب المبقعة التي تفتك باهالي القرية , حتى لا يجد لهم اثر بعد ذلك بالضياع الكامل , لقد قاده الارنب مبقع الى ( ارض مليئة بالارانب المبقعة ) ص34 . زوجته ( هاجر ) فتشت عنه وطرقت كل الابواب , لكن دون ان تحصل على نتيجة لمدة عشرون عاماً , من العذاب والمعاناة تركها وحيدة مع طفلها ( شاهين ) وكان عمره آنذاك سبعة اعوام , ولكن اخيراً اخبرتها العرافة ( وزة ) وكما قالت الى ابنها ( شاهين ) وهو الان في عمر سبعة وعشرين عاماً , تقول له ( ان وزة اخبرتني عن ابيك , قالت انه يتنفس لحد الان , غير انه لن يجيء الان ) ص34 . ان رمزية الحدث او الحكاية مكشوف , في التعبير والرمز في ( الارانب المبقعة ) التي تملك السلطة الكاملة في تغييب المواطنين , في اختطافهم واعتقالهم وسجنهم في سراديب سرية , ألم يقصد الاجهزة الامنية في هذه التسمية الغريبة والسريالية ( الارانب المبقعة ) انها ادوات السلطة , التي تراقب المواطنين وتحصي انفاسهم .
2 - الحكاية الثانية : رمزية الكلب شرار .
عواد : رسام باحث عن الشهرة والاضواء والمال , يشغل نفسه طوال الوقت في رسم كلبه شرار , في رسمه في اوضاع مختلفة , في بوزات وازياء متنوعة ومختلفة , يرتبط به بعلاقة بهيمية غريبة , حتى يصعد على قمة الاضواء والشهرة , ويقول عن الكلب شرار , بأنه هجين وغدار وشرس ومتهور , ويحب ( أكل لحوم البط ولا يحب ثمر التين , رسمه , في اوضاع الجري والوثوب , واستبدل عينيه بزراري معطف مطري )ص 43 . لا اعتقد من يبحث عن المال الاضواء والشهرة , وابراز اسمه في العاصمة والاعلام , ويقضي في الانشغال المحموم , في رسم الكلب شرار. اعتقد انه من فصيلة اخرى تملك كل زمام الامور . من فصيلة آدمية وضعه القدر على رقاب العراقيين , في سريالية غرائبية , في رسم صورته في كل مكان وزاوية , و ( عواد ) يشعر ان اسم شرار مرعب ومخيف يجلب الخوف والقلق على مصيرحياته ( وكلمة شرار , كأبرة طويلة الى حنجرته , ويهمس لايمكن احتماله ) ص48 . ويهمس بالاعتراف عن كنة وماهية الكلب شرار ( كل ذلك بسبب شخص معين . بسبب مجموعة اخطاء , لمجموعة اشخاص يتكرر وجودهم , ويترسب في خط بركاني ليعزله عن بعضه, بسبب اخرين يشبهونه , لكن احدهم لا يبالي ليلة سماع الصراخ , في اقصى القرية ) ص 47 . الرمز واضح والقرية تعني العراق , وليس بحاجة الى توضيح اكثر , لانها جزء من سريالية الواقع العراقي بغرابته .
الحكاية الثالثة : رمزية موت عبدالمجيد بسم الفئران .
عبدالمجيد مختار القرية او رئيسها الفعلي , يموت بدس سم الفئران في طعامه من قبل ( حلاب ) ليكون المختار الجديد على القرية ,وحلاب ذو شخصية متسلطة قاسية ومتجهمة بشراسة المرعبة والمخيفة ( افسحوا الطريق لحلاب . جاء حلاب افسحوا الطريق . ابتعدوا ... ) ص 111 . ويصبح البعبع المخيف في القرية , واسمه يجلب الرعب , بعد اغتصاب السلطة , وتغير الحال في القرية نحو الاسوأ بالتدهور الفظيع ( اقول لكم : كان العالم طرياً في البدء , ولكنه هوى على رأس مثقب , بالاخص فوق فتحات الاسلحة ) ص113 . هذا ( حلاب ) يسجل كل شاردة وواردة في مسك السلطة , بواسطة رجاله الاشداء المتزمتين في الغطرسة , هذه اللعنة التي اصابت القرية , وهي جزء من اللعنات من المؤامرات المتواصلة , في مذابح الاخوة البشر على العراق ( سبعة وعشرون عاماً من المؤامرات , لاجل هذه اللحظة الذكية ويسقط . طعم الجحيم النقيقي , في اسفل الهاوية والساعة الاخيرة من العيش والذهول والرعب والمؤامرة مرة اخرى , حيث المذابح الصفراء , التي نادراً ما تصل الى درجة القتل - مذابح الاخوة البشر - ) ص124 . ملامح الرمزية مكشوفة , رغم انها متناثرة هنا وهناك بالتقطيع شأن كل الحكايات الرمزية في سرياليتها , ولكن عملية تجميع هذه القطع المتناثرة , تعطينا الصورة الواضحة , لبعدها الرمزي . وهي ترجمة حقيقية لصراع الدموي على السلطة , او بالاصح اغتصاب السلطة بمؤامرات القتل , او مؤامرات دس سم الفئران في الطعام او في الشاي .
4 - الحكاية الرابعة : رمزية حمار قندس .
حمار قندس , هو يرمز الى الاداة التنفيذية السلطوية , التي هي في قبضة ( حلاب ) المختار الجديد , او هو عنوان السلطة , ويحاول ( شاهين ) وهو بطل الرواية , ان يعلن عصيانه وتمرده على سلطة حلاب , الذي تسبب في اختفاء اباه ( محمود ) لمدة عشرين عاماً , ويكتشف سر اختفاء أباه محمود ( يكشف مع نفسه مسؤولية حلاب في اختفاء محمود , لانها بقيت بالسرية التامة )ص181 . هذا ( شاهين ) الطفل اليتيم بعد اختفاء أباه لمدة عشرين عاماً , وعاش منعزلا ً وانطوائياً , غريباً عن الواقع , منزوياً في غرفته المظلمة مع امه ( هاجر ) لقد فشل كلياً في التكيف والتأقلم مع الواقع والناس . ويعتبر نفسه غريباً عالة على امه والناس , ويشعر بالكآبة والحزن ( يحس انه حزين , ليس حزيناً بالضبط , وانما يريد ان يبكي , وهو يراقب صوت الفجر , المتسلل بين الاحطاب وقصب السقوف , والانطلاقة الاولى لعصافير العراق ) ص173 , ويتذمر من اخبار العالم المفجعة في نشرات الاخبار ( زلازال . فيضانات . اخبار مجاعة السود . محدثات نزع السلاح النووي . عمليات الفدائيين العرب . جلسات مجلس الامن . ارهاب عالمي . مخدرات . فضائع سياسية . تجسس . جرائم . خطف . حروب . انقلابات . انحلال . اسلحة جديدة ............ الخ ) ص174 . ويتساءل ( الى متى هذه الظلمة . . . انها عبارة عن محض صرخة في فراغ : دا - با ................. دا ............... بذلك كان الضحك , بعد محاولة الضحك دائماً . الضحك . الضحك . الضحك ........... الى ما لا نهاية ) ص170 . جعلته يتوخى العلاقة مع الناس , لانه يعتبرها خاوية وجافة ومصلحية ( اخلاق الناس بنظري , مرة مشيت مع صديق , واحد في المائة يعطي الصداقة حقها .......... مصالح ) ص164 . . لذلك من اجل الانعتاق من هذا الوضع المظلم والسريالي , قرر ان يقتل الحمار قندس , ليوجه طعنة قاتلة الى ( حلاب ) . واخذ المدية سلاح القتل وهجم على الحمار قندس بالطعنات ( طعنة .... طعنة . طعنة ... ويهجم الالم لحظة رؤية الدم يغطي النمش ) ص196 . ويهرب وهو يرى يديه ملطخة بالدماء , فيركض الى الشاطئ , لكنه بعد ذلك يقع في مفاجأة , بأنه لم يقتل الحمار قندس , وانما الحمار بخير لم يقتل لانه ( استعملت المدية بشكل معكوس , لاني كفي ظل يؤلماني , والدم هو دمي أنا , لا دم الحمار ) ص 210 .
5 - الحكاية الخامسة : رمزية اختفاء شاهين .
بعد المحاولة الفاشلة , يشعر بالانهيار وان حياته انتهت بالخسارة والرعب , بأن حياته اصبحت على كف عفريت , ويختفي في ظروف غامضة عن الوجود , وتقلق امه ( هاجر ) لهذا الغياب المخيف , المشابه لغياب ابيه ( محمود ) , ويصبها الرعب والخوف , وتفتش عنه في كل مكان وتسأل الناس ( الرايحين والقادمين : هل رأيتم شاهين ؟ هل رأيتم ولدي ؟ فيميلون عنها , معتقدين ان عدوى جنون العائلة , قد تسرب اليها , فصارت تركض من تل الى اخر , وتفتش الوديان والبيوت ) ص193 , لكن اخباره ضاعت واختفت , بالضبط مثل اخبار الروائي الشهيد حسن مطلك , ولكنه عرف فيما بعد , بأنه اعدم , بذريعة مشاركته في المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد صدام حسين , وهو لم يبلغ عمره ثلاثين عاماً , في اوج عظمة ابداعه الادبي , وخاصة , انه رسام وشاعر وروائي قدير . نسأل المولى القدير ان يتغمد الراحل برحمته الواسعة , واسكنه فسيح جناته
× رواية ( دابادا ) الروائي الشهيد حسن مطلك
× اصدار : دار العربية للموسوعات
× الطبعة الاولى عام 1988
× 223 صفحة
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat