بسم الله الرحمنِ الرحيم
ويرسُمُ الأعداءُ في أقبيةِ التوسعِ الاستعماريِّ الجديدِ خُططَهم المتواليةَ ، ويتسلَّمُها عنهم منفذوها الذين ينتسبون إليهم بآصرتَين إحداهما آصرةُ القوميةِ ، والهُويةُ ، والمصيرِ الواحدِ ، من ذوي الانتماءِ الواحدِ ، والأخرى آصرةُ التبعيةِ والعمالةِ بمنهجِ الخيانةِ ممن لا صلةَ لهم بهم من جهةِ القوميةِ ، أو الهُوية. بل هم من ذوي الانتماءاتِ الآنيةِ المتعددة بحسبِ المصلحةِ ومَدياتِها.
وبهاتَين اليدين العدائيتين لقوى الضلالِ ، والاستبدادِ ، والاستعباد انفصمت عُرى كثيرٍ من الاتصالاتِ الوثيقةِ أساسًا بين دولِ العالمِ ، وشعوبِها ، وانبرى المفتِنون ، والمفتونون - على حدٍّ سواءٍ - يَزيدون من شدةِ وطأةِ الهجمةِ الفكريةِ العالميةِ بعامةٍ ، والعربيةِ – الإسلاميةِ بخاصةٍ بمنهجٍ جديدٍ قائمٍ على فكرٍ عقيمٍ سابقٍ أساسُه التكفيرُ ، والعزلُ لطائفةٍ من المسلمين ، ومنحُ الحقِّ ، والحكمِ لطائفةٍ أُخرى منهم ، مع ضياعِ مكتسباتِ المسلمين كلِّهم ، ومحوِ إنجازاتِهم ، وتأخيرِ كلِّ ما يُحسَبُ لهم. فلا منتصرَ من صراعٍ قائمٍ بين ذوي النسبِ الواحدِ ، في الأرضِ المشتركةِ ، وهم على دينٍ واحدٍ ، إلا النصرَ الذي يتحققُ لصاحبِ الحقِّ المتأصلِ فيه الحقُّ ، على الباطلِ المتبرقعِ بلباسِ الحقِّ الزائل.
وكان من هذا المضمونِ العدائيِّ للإسلامِ أنِ ابتُدِعَ (كيانُ داعشٍ) الإرهابيُّ الذي كاد أن يُبلِيَ ثوبَ الإسلامِ الأبيضِ الناصعِ المتينِ نَسجُه ، وأوشكَ أن يُمزِّقَ وشاحَه الأخضرَ الذي يَعلو صدرَه ، بعد أن تمكنَ هذا الكيانُ من تخريقِ هذا الثوبِ من أسفلِه.
لقد كَوَت نارُ هذا الابتداعِ الشيطانيِّ شعوبَ العالمِ الإسلاميِّ بعامةٍ ، والشعبَ العراقيَّ ، والسوريَّ ، واليمنيَّ ، والليبيَّ بخاصةٍ.
والواقعُ أنَّ شررَ هذه النارِ لا يقتصِرُ على جهةٍ من دونِ أُخرى. بل هي فتنةٌ عَمياءُ ، جِيءَ بها كيلا تُبقيَ ، ولا تذر. وهي في العراقِ قد تنشبَّت عروقُها في مفاصلِ جسدِه كلِّها ؛ ظنًّـا من قوى الضلالِ أنهم سيَجنون قِطافَ زرعِهِمُ القديمِ – الجديدِ هذا.
من هذا المضمونِ تَناصر أبناءُ الشعبِ العراقيِّ الغيارَى الذين بقِيَت عيونُ انتمائِهم الأخلاقيِّ نضَّاخةً لا يَقوى عليها جَريانُ ماءِ الحقدِ والتكفير. ومن ذلك مَيْدانا الجهادِ العلميِّ ، والجهادِ العسكريِّ ؛ فشمَّر صُنَّاعُ القرارِ ، والمنفذِّون فيهما عن سواعدِهمُ القويةِ باللهِ تعالى ؛ ليأخذوا بفتوى المرجعيةِ الرشيدةِ بالجِهادِ الكفائيِّ ؛ حتى سُخِّرت إمكاناتُهم ، وتضافرت جهودُهم ، وتكاملت أعمالُهم ، فكبحوا جِماحَ عدوِّهم ، وكسَّروا رِجلَيه ، وقطَّعوا يدَيه بمنهجِ البناءِ التعليميِّ الناهضِ الذي لم تَخْبُ شُعلةُ ضيائِه. فالعلمُ لأهلِه. والدواعشُ جهلةٌ شُذَّاذٌ ، وبمنهجِ البناءِ العسكريِّ الكاسحِ الذي تآلَف له أبناءُ العراقِ من جنوبِه ، ووسطِه ؛ ليُطهِّروا غربَه ، وشرقَه ، وشِمالَه ، هم ومن معهم من الغيارَى من أبناءِ تلك الجهات.
لقد كوَّنت وزارةُ التعليمِ العالي والبحثِ العلميِّ رافدًا كبيرًا جدًّا لسَقْيِ المجاهدين في ميادينِ الوغى ؛ فأمدَّتهم دعمًا كبيرًا باللوازمِ البشريةِ ، والماليةِ ، والعَينيةِ.
وقد سُقِيت أراضي جبهاتِ القتالِ بدماءِ الشهداءِ من القادةِ ، والمنتسبين ، والطلبةِ من الوزارةِ ، والجامعاتِ ، والكلياتِ ، والمعاهدِ ، والأقسامِ. وقد عُقِدتِ المؤتمراتُ ، وورشُ العملِ ، والندواتُ لدعمِ الحشدِ الشعبيِّ ، والقواتِ الأمنيةِ ؛ فكان لإنجازاتِ مؤسساتِ التعليمِ كلِّها عطاؤُها الزخَّارُ في تحقيقِ النصرِ ، وتسريعِ وتيرةِ حسمِه.
وهنا نودُّ الإشارةُ إلى أنَّ بلدًا لم يكنْ لِيَقوَى على إعادةِ مسارِ وجودِه – بتوفيقِ اللهِ تعالى – على المسارِ الصحيحِ ، لو وقع عليه هذا الابتلاءُ والبلاءُ ، كالعراقِ. وهذا ما تحقق بالإيمانِ باللهِ تعالى ، والتوكلِ عليه ، والاعتصامِ بحبلِه محمدٍ (صلى اللهُ عليه وآلِه) ، وآلِ بيتِه الأطهارِ (عليهمُ السلامُ) ، والاقتداءِ بمنهجِ الصالحين من الصحابةِ الكرامِ الذين نصروا اللهَ ورسولَه يومَ قلَّ الناصر.
إنَّ وزارةَ التعليمِ العالي بتفرعاتِها كلِّها كانت - وما زالت - طوعَ إشارةِ المرجعيةِ الرشيدةِ التي تنظرُ إلى أبناءِ الشعبِ العراقيِّ كلِّهم بعينٍ واحدةٍ. ويبقى قادتُها ، وصُنَّاعُ رأيِها مشاريعَ نهضةٍ لا تقِفُ عند حدٍّ معينٍ ، ويبقى مدُّهم للحشدِ الشعبيِّ ، والقواتِ الأمنية جاريًا ما جرى الاقتضاءُ.
حفِظ اللهُ العراقَ ، وحمى شعبَه ، وأنهض مؤسساتِه ، ولا سيما التعليمُ الذي هو هُوِيةُ الإنسانِ ، والفرضُ الواجبُ عليه ، ورعى جيشَه ، وقواتِه الأمنيةَ البطلةَ ، ومجاهدي الحشدِ الشعبي.
الرحمةُ للشهداءِ ، والسلامةُ للجرحى ، والنصرُ للحقِّ وأهلِه. والسلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.