عندما تقرأ عنوان الرواية "غرام مع حبيب سابق"، لا بدّ يتبادر إلى ذهنكَ قبل ولوج النصّ، أنّ السياق يتمحور حول عودةٍ من تجربة حبٍّ غير موفّقة، أو من زواجٍ لم ينجح. هذا فعلاً ما انطلقت منه هيام التوم الريّس في روايتها ههنا. ولكن، على أنّ الفكرةَ تأتي من هذا المنطلق، فإنّ الرواية تتميّز في مضمونها بانجرافٍ نحو الغرام مع الحبيب السابق، في ليلةٍ واحدة. بانجرافٍ قلت، لا بانحراف!
هو انجرافٌ يروح صعودًا، في تنصّلٍ من ألم، من معاناة، سبّبهما تعاملٌ غير إنسانيّ، غير لائقٍ بالرجل. انجرافٌ يبحث عن كرامةٍ بُترت في خوفٍ من لا كرامة. حيث تخوّفٌ من عدم إعطاء الحبيب حقَّه من التقدير، فانسحب الشريك ليهدي فراغًا أدرك حبيبه أنّه لم يجد السعادة في بعده، فراح ينشدها في عودٍ إلى حلاوات الذكريات وجمالات الأصالة الغراميّة واستعادة كريم الحياة... وفي مقاربة النصّ لليلة الغرام الوحيدة مع الحبيب السابق، عيشُ مبادئ الحبّ الراقي المبنيّ على تبادل القيم التي جمعت الحبيبين في ما قضياه سابقًا، أيّام عشقهما الحرّ والسعيد. ما ميّز فعل الغرام من جهة، ورفع مفهوم الليلة الواحدة إلى مرتبة الرقيّ من جهةٍ أخرى... فانتفى من الرواية مفهوم الخيانة الرائج في ساحق النصوص الروائيّة. وههنا قولةٌ في السياق: "الزنى ليس خارج العلاقة الزوجيّة، إنّه خارج الحبّ".
أعادت الكاتبة بطلة الرواية، في انجرافها نحو حبيبها السابق، إلى استعادة ذاتها القادرة على الحبّ، القادرة على اختيار الحياة، وعيش السعادة، في ما تستحقّ ويليق بها... فأهدت الحالة التي ساقتها إليها صورةَ النبل والحلاوة... صورةَ المرأة الإنسان كما لائقٌ أن تظهر وتكون!
"غرامٌ مع حبيبٍ سابق"، عنوانٌ يشوّق... يدعو القارئ من بعيد إلى تصفّحٍ جدّيّ لمضمون الرواية. ويعلق فيه كما العصفور على الدبوق... ولكن، ههنا يروق لي أن أقول إنّه تعلّق في جماليا الحبّ، في ارتقاء الغرام وفي رفعة العشق الذي يطال الإنسانيّات في أسمى مراتبها. وفي هذا قيمةُ الرواية وفرادتها!
وتتميّز الرواية أيضًا في تنوّعها الأدبيّ. بطلة الرواية هي الراوي، تشعر وأنتَ تقرأ. ثمّ ينقلكَ السياق إلى اعتقادٍ آخر، هو أنّ الحبيب السابق هو الراوي، كونه يأخذ الحديث بطبيعيّةٍ، تعتقد فيها أنّ الحوار في النصَ يفرض الأمر. فالنمط الحواري يتداخل مع السرديّ بترابطٍ فنيّ، يُعطي رونقًا أدبيًّا فريدًا، ويضفي ارتياحًا داخليًّا في نفس القارئ، يشدّه إلى المتابعة. ولا أتردّد في ذكر المحاور الإبداعيّة التي تتجلَّى في التعابير وتركيبات الجُمل، كباقات زهور تزيّن احتفالات الحبّ. وههنا احتفالٌ يستعيد جمالات الحبّ ويزيّنها!
هيام التوم الريّس، أهديتِنا تحفةً أدبيّة، في راقي المضمون والمقاربات النصيّة للموضوع الذي يتغنّى به الروائيّون على امتدادات الزمان والأمكنة. وقدّمتِ لنا طبقًا مألوفًا بنكهةٍ فائحة الطيبة، تلذّذها يستوي على عقولٍ وقلوب، تبغي فقط ارتفاعًا وتساميات!