أساليب السيد الحيدري الخطابية ( 2 )
طالب علم
يلاحظ على ما ذكره السيد الحيدري أمور :
1. ما ذكره ليس بجديد فقد سبقه إليه من سبقه كالسيد الخوئي وغيره الذين لم يعتدوا بالإجماع بما هو إجماع فلم يعيروا أهمية لأغلب الإجماعات، ولا للشهرة بما هي شهرة فخالفوا أغلب الشهرات التي قامت الحجة على خلافها، يكفي أن نلتفت إلى خلاف الأصوليين في حجية الشهرة وأغلب المحققين على عدم حجيتها فما الجديد في الموضوع؟! غاية الأمر أنهم يحتاطون بما عليه المشهور والاحتياط حسن على أي حال .
2. لا يختلف اثنان على أن المدار على الحجة، ولذا جلّ اهتمامات العلماء وأبحاثهم إنما هو لمعرفة الحجة من اللاحجة، وما أنشأ علم الأصول إلا لأجل هذا الغرض، ولكن الحجة كذلك - أي المدار عليها - لا بما هي هي، وليست في نفسها، بل بما هي طريق إلى الواقع، وإلا فالشأن كل الشأن في الواقع فهو الحكم الإلهي والجعل الشرعي ولكن حيث لا سبيل لنا إلى الواقع إلا بالحجة صار المدار على الحجة ولكنها ليست شيئاً مقابل الواقع بل طريق إليه أو كاشفة عنه .
3. حتى مع البناء على أن المدار هو الحجة فمن يعوّل على الإجماع والشهرة إنما يعول على ذلك لأنه يعتقد أنهما حجة، فافتراض أنهما مقابل الحجة وخارجتان عن الحجية وغير متصفتين بها ثم محاربتهما وإسقاط الاعتداد بهما بدعوى أن المدار على الحجة هذا أول الكلام، إن قلت أنا لا أراهما حجة، قلنا ونحن - والكلام لمن يرى حجيتهما - نراهما حجة فينبغي احترام رأينا.
4. فيما يتعلق بالضرورة الدينية أو المذهبية فالسيد خلط بين الصغرى والكبرى، والنظرية والتطبيق، وما ذكره هو نقاش في الصغرى ولكنه ناقش به الكبرى.
توضيح ذلك : أن الكلام تارة يقع في الضرورة الدينية ككبرى ونظرية وأنها حجة أو لا، وأخرى يقع الكلام في أن هذا الشيء أو ذاك هل هو ضرورة حتى يكون منكرها خارجاً عن الدين والمذهب أو ليس كذلك أما الكبرى فلا ينبغي الخلاف فيها إذ مع فرض كون الشيء ضرورة فلا معنى لرفض حجيته وإنكار خروج منكره عن الدين والمذهب فإن هذا خلف كونه ضرورة، نعم قد تناقش في أصل كونه ضرورة وتقول لا أسلم بأنه ضرورة فإن الدليل قادني إلى خلافه وحينئذ لا مشكلة في رفض حجيته والمنع من خروج منكره عن الدين والمذهب ولكن هذا نقاش في الصغرى وهو لا يلغي فكرة الضرورة الدينية وحجيتها ككبرى.
4. القطع حجة نعم، ولكن ليس كل قطع يفيد المعذرية؛ لأن القاطع قد يؤاخذ على المقدمات التي قادته إلى قطعه، فالقطع لا يحصل إلا بمقدمات ومناشئ، وهذه ليست قطعية وهي قابلة للخطأ والقصور والتقصير فيها فيستحق صاحبها المؤاخذة عليها من باب أنه أوقع نفسه في القطع الخاطئ، وهذا من قبيل أن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار، وإلا لا يمكن لكل من اعتقد بشريك الباري وقطع به أن يكون معذوراً حتى مع توفر الدليل العقلي على التوحيد ومعاندته له بحجة أنه قاطع، وعلى هذا لن تجد من يستحق العقاب؛ لأنه لا يوجد من يقطع بخلاف الحق عناداً - إلا من ندر -، وإنما كل من يعتقد بالباطل إنما يعتقد به من باب الجهل المركب، وإنما يؤاخذهم الله على المقدمات الفاسدة والمناشىئ غير العقلائية التي أوصلتهم إلى ذلك القطع الفاسد، أفترى أن من حاربهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من المشركين وقتلهم لم يكونوا قاطعين ؟ مما لا شك فيه أنهم كانوا قاطعين بشريك الباري ومع ذلك قاتلهم رسول الله وقتلهم وأرغمهم على التخلّي عن قطعهم ومجانبة شركهم، وذلك بعد أن ثبت له عنادهم ومكابرتهم لبراهين الحق التي أبانها لهم ودلائل الصدق التي جعلها نصب أعينهم.
5. عدم حجية الإجماع والشهرة لا يعني سقوطها بالكلية وانعدام فائدتها بالمرة وعدم صلاحيتها لفهم النص الديني، فإن هذا من الخلط في الأمور فإنها قد تصلح كقرينة لفهم النص الديني وإن لم تكن حجة ولو في الجملة، وكون الشيء ليس بحجة غير كونه قرينة أو مؤيداً كما لا يخفى.