المجلس الأعلى للسياسات الإستراتيجية وهم لا يتحقق
اياد السماوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
اياد السماوي

قالوا أن السياسي الناجح هو من يمتلك القدرة على التنبوء وقراءة الواقع بعقلانية مع امتلاك القدرة على تغيير هذا الواقع , وقالو أيضا إن السياسي الناجح هو من يمتلك القدرة على تحقيق أفضل الممكن , وربما أضافوا له بعض الصفات الأخرى كالقدرة على معرفة أسباب عدم تحقيق الممكن . والحقيقة إن السياسي الناجح هو من يمتلك كل هذه الصفات .
هذه المقدمة تتعلق بالموضوع المطروح الآن على الساحة السياسية العراقية والذي بدأت مناقشته تحت قبة البرلمان العراقي , ألا وهو مشروع قانون المجلس الأعلى للسياسات الإستراتيجية .
والمشكلة لا تتعلق بدستورية أو عدم دستورية هذا المجلس ومدى صلاحياته , بل إن المشكلة تتعلق بهذا الوهم الكبير الذي عشعش في مخيلة وعقول قادة القائمة العراقية وخصوصا رئيس القائمة الدكتور أياد علاوي , حيث يعلم الجميع إن هذا المجلس ومنذ اللحظة الأولى كان وهما وسرابا وشيء لا يمكن تحقيقه وفق تصورات ورؤى قادة القائمة العراقية .
ويبدو إن الذين ابتكروا صيغة هذا المجلس وبهذا الشكل هم شياطين تدربوا مع الشيطان , ويبدو كذلك إنهم على دراية تامة بأن هذا الوهم سينطلي على قادة القائمة العراقية ورئيسها , والتي أثبتت التجربة أنهم سياسيون فاشلون . وكان هذا واضحا من الجلسة الأولى للبرلمان العراقي الجديد , والعالم بأسره شاهد رئيس القائمة أياد علاوي وهو يقول (( أنا لم أقرأ الورقة التي وقعت عليها )) .
والحقيقة إن السيد علاوي كان يحلم أن تكون سلطة هذا المجلس فوق السلطات ويتمتع بصلاحيات تنفيذية وتشريعية تمكنه من إحكام قبضته على كل مقاليد البلد .
ولكن السيد علاوي ومن معه لم يلتفتوا إلى إن هذا الأمر يحتاج إلى تغيير الكثير من مواد الدستور العراقي وخصوصا تلك المواد التي تتعلق بفصل السلطات والصلاحيات الممنوحة لمجلس الوزراء , فهم جميعا قد انطلى عليهم هذا الأمر وتصوروا إن الاتفاقات السياسية الموقعة يمكن أن تكون غطاءا للقفز على مواد الدستور العراقي .
والعراقيون جميعا قد اطلعوا على مشروع هذا القانون من خلال قراءته الأولى في البرلمان والمساجلات التي دارت عليه من قبل أعضاء البرلمان , حيث تبين أن جميع فقرات هذا المشروع تتعارض مع مواد الدستور المتعلقة بفصل السلطات وصلاحيات مجلس الوزراء .
وبرأي كل خبراء الدستور والقانون أن مشروع هذا القانون وبهذه الصيغة لا يمكن إطلاقا أن يمر من خلال البرلمان . وحتى لو حصل ذلك على سبيل الافتراض , فإنه سيلغى من قبل المحكمة الاتحادية العليا لمخالفته نصوص مواد الدستور .
وكان الأجدر بقادة القائمة العراقية أن يدركوا ذلك قبل التوقيع على الاتفاق الذي مهدّ لتشكيل حكومة الشراكة الوطنية . أما الآن فعليهم أن يدركوا إن هذا المجلس لا يمكن إطلاقا أن يكون مجلسا دستوريا ما لم يتغير الدستور العراقي , وهذا أمر محال في الوقت الحاضر , ولذل عليهم أن يدركوا إن اتفاقهم الموقع مع التحالف الوطني هو اتفاق برتوكولي ليس إلا .
وإذا كان هنالك من يتحمل عبأ هذا الخطأ الفادح الذي ارتكبته القائمة العراقية فهو الدكتور إياد علاوي تحديدا الذي وقع على هذا الاتفاق المبهم , والذي ضيّع حق القائمة عندما تمسك خلافا لتفسير المحكمة الاتحادية العليا المتعلق بالكتلة الأكبر في البرلمان , حيث كان بالإمكان أن تحصل القائمة على وضع تفاوضي أفضل ومكتسبات اكبر من التي حصلت عليها لو إنه أخذ بنصيحة السيد حسن العلوي عضو القائمة آنذاك .
وبكل صراحة فإن أداء السيد علاوي السياسي قد أثبت فشله الذريع , وبالتالي فهو لا يصلح لقيادة كتلة سياسية كبيرة كالقائمة العراقية , فحتى الإنسان البسيط وليس السياسي المحترف يدرك أن هذا المجلس وبالصيغة التي يريدها علاوي غير ممكنا ومستحيلا .
وإذا أراد السيد علاوي أن يحتفظ بهيبته السياسية فعليه أن يكون شجاعا ويتخلى تماما عن أحلامه المستحيلة في هذا المجلس , ويقود معارضة حقيقة من داخل البرلمان ويتصدى للفساد والفاسدين الذين دمروا البلد وأنهكوا قواه .
aiad.alsamawi@gmail.com
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat