عراقية في البرلمان السويدي
د . كريم شغيدل
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
(عبير عبد فيصل السهلاني) ابنة الناصرية التي هربت بها والدتها مضطرة، بعد اعتقال والدها على أيدي أزلام النظام المباد، إبان حقبة السبعينيات، تنقلت بين أصقاع المهاجر،
ملتفتة إلى الوراء، حيث الوطن الجريح، والأب المطارد، فكانت تستمد من عمق أوروك عبيراً من عشبة جلجامش، وترسم في مخيلتها صورة للعراق وتحفرها مشعة على جليد الغربة، لكن في اللحظة التي تحرر بها الوطن من ظلام الاستبداد، كشر الحقد عن أنيابه، ليكشف عن صورة قاتمة تنز دماً، مارست عبير العمل في المنظمات الإنسانية للدفاع عن الحريات والحقوق، ثم خاضت العمل السياسي، وعندما سنحت الفرصة عادت لتلتمس في العراق ملاذاً للحرية والتحرر، لكن خارطة الطريق كانت شائكة أمامها، والمنافذ مغلقة، وكانت الغربة داخل الوطن أكثر صلابة من أي شعاع للأمل، ففضلت غربة المهجر التي يمكن إذابة جليدها بالعمل الحقيقي المثمر، في الوطن واجهتها جحافل الهويات المتناحرة كحراب مدماة، لكن في مهجرها ثمة هوية واحدة، هي الإنسان، لم تستطع المنافسة في بورصة الهويات في سوق المصالح الجهوية الضيقة، فعادت أدراجها لتنافس برصيدها الإنساني في رحاب الحرية، فكانت أول امرأة عربية تفوز بعضوية البرلمان الأوربي، وهي الآن عضوة في لجنة السياسات الخارجية، كما أنها شاركت في الانتخابات الأخيرة للبرلمان السويدي وحظيت بثقة الناخبين، فازت عبير بعراقيتها وأصالتها وحضورها المؤثر وكفاحها وتضحياتها، فازت بأحقية، بنشاطها الإنساني الدؤوب، وعملها السياسي الفعال، فازت بمواطنيتها، بهويتها الإنسانية، فلا أحد من الناخبين السويديين تساءل وهو يؤشر أمام اسمها المتألق: لأية طائفة أو قومية أو بلد تنتمي؟ يكفي أنها مواطنة تمتلك حضوراً متميزاً، وأجزم، ما كان هذا يحدث لعبير لو افترضنا جدلاً أنها تعيش في بلد عربي أو إسلامي، هذا حكر على المجتمعات الإنسانية، ولا يمكن أن يحدث لها هذا في بلدها الأصلي العراق، ما لم تصنف على فئة معينة أو طائفة، فهنيئاً لنا بعبير ابنة العراق، ولزملائها أبناء العراق، الذي سيحتلون معها خمسة مقاعد مشرفة في البرلمان السويدي، ونحتاج، ربما، مئات السنين لنجد شخصاً من أصل سويدي يفكر بالترشيح في انتخابات برلمانية في بلد عربي، هنيئاً لممثلي العراق في المهجر، وهنيئاً للبرلمان السويد
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
د . كريم شغيدل

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat