بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ{24}
بعد ان ذكرت الآية الكريمة السابقة وظيفة واحدة للرسول محمد "ص واله" فيما يتعلق بالكفار "الانذار" , تدرجت الآية الكريمة لتضيف مؤكدة ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ ) , الحق الثابت الذي لا شك فيه ولا مراء , ( بَشِيراً وَنَذِيراً ) , وظيفتا الرسول , مبشرا للمؤمنين بحسن العاقبة , ومنذرا للكافرين بسوء العاقبة , ( وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ ) , وما من امة من الامم السابقة , ( إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ ) , لابد وان كان فيها نذيرا , اما نبي او رسول او وصي نبي او امام .
وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ{25}
تستمر الآية الكريمة في الموضوع ( وَإِن يُكَذِّبُوكَ ) , اهل مكة , ( فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) , كذلك الامم السابقة كذبت انبيائها ورسلها , ( جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ) , بالحجج والبراهين والدلائل الواضحة , ( وَبِالزُّبُرِ ) , الصحف , كصحف ابراهيم "ع" , ( وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ) , كالتوراة والانجيل .
ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ{26}
تستمر الآية الكريمة ( ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) , بالعذاب بسبب تكذيبهم , ( فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ) , فانظر كيف كان انكاري عليهم بالعقاب والهلاك .
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ{27}
يلاحظ في القرآن الكريم ان اغلب آيات العذاب والهلاك يأتي بعدها مباشرة آيات تسر القلوب وتبهج النفوس , ومنها الآية الكريمة ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ) , هيأ الاسباب المناسبة لنزول الغيث , ( فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا ) , نتيجة هطول المطر , ( وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ ) , اي ذات خطط وطرائق , ( بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا ) , بيضاء او حمراء , او ما بين ذلك , ( وَغَرَابِيبُ سُودٌ ) , وهي ذوات الصخور السوداء .
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ{28}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة ( وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ ) , كاختلاف النبات والثمار والجبال , ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ) , العلماء العارفين بالله تعالى هم الاكثر خشية من سواهم , ( إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ) , انه جل وعلا ( عَزِيزٌ ) , في ملكه , غالب على امره , معاقبا للمذنبين , ( غَفُورٌ ) , كثير المغفرة للتائبين .
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ{29}
تبين الآية الكريمة مقررة ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ ) , يقرؤونه , على ان لا يكتفون بمجرد القراءة , بل يجب ان تنعكس القراءة على واقعية التطبيق , ( وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ) , الواجبة , حافظوا عليها , وأدوها في اوقاتها , ( وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً ) , وانفقوا النفقة الواجبة والحقوا بها النفقة المستحبة , سرا وعلنا , سرا ليحولوا دون تسلل الرياء الى قلوبهم , وعلنا ليتأسى بهم غيرهم , ( يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ) , فأنهم بأعمالهم تلك يتوقعون تجارة لا كساد معها , لا خسارة ولا تلف .
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ{30}
تضمنت الآية الكريمة وعدا الهيا لهم ( لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ ) , الثواب المستحق , ( وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ) , ثم يتفضل عليهم الباري عز وجل بالمزيد من الاجر والمنازل الرفيعة في الجنة , ( إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ) , انه جل وعلا ( غَفُورٌ ) , كثير المغفرة لفرطاتهم وتفريطهم , ( شَكُورٌ ) , كثير الشكر لطاعاتهم مثيبهم عليها .
( عن النبي صلى الله عليه وآله هو الشفاعة لمن وجب له النار ممن صنع إليه معروفا في الدنيا ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .
وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ{31}
تنعطف الآية الكريمة لتخاطب النبي الكريم محمد "ص واله" بينما فحوى الخطاب موجه لعموم الناس ( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ) , القرآن الكريم , يلاحظ هنا ان حرف الجر ( من ) للتبعيض , ولم يذكر النص المبارك كل القرآن , في ذلك عدة اراء منها :
1- ان القرآن حينها لم يكتمل نزوله بعد .
2- في قوله تعالى اشارة الى بعض الآيات خاصة , أختلف فيها الناس , بعضهم أتهم النبي الكريم محمد "ص واله" بأنها من نفسه و ليست من عند الله تعالى ذكره.
( هُوَ الْحَقُّ ) , الثابت الذي لا مراء فيه ولا اشكال , ( مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ) , في النص المبارك عدة آراء منها :
1- أتى القرآن الكريم مصادقا على جميع الكتب السماوية السابقة .
2- القرآن الكريم يصادق بعضه بعضا, ما لا يترك مجالا لأثارة الشكوك من قبل الكفار والمنافقين وضعاف الايمان , حيث انهم أتهموا النبي الكريم محمد "ص واله" بأنه يخلط فيه شيئا من تلقاء نفسه من غير وحي يوحى اليه به , ومن ابرز تلك التهمة هي تقريبه لأهل بيته "ع" وفرض محبتهم على جميع المسلمين.
( إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ) , انه تعالى مجده وذكره ( بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ ) , عالم ببواطنهم , ( بَصِيرٌ ) , وظواهرهم .
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ{32}
تنعطف الآية الكريمة لتضيف ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ) , اعطينا علوم القرآن الكريم , ( الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) , عبادا مصطفين مختارين مفضلين على غيرهم , ذوي سبق بالدين والايمان والعلم , عرف عنهم الاخلاص والتضحية بالغالي والنفيس من اجل الاسلام , ثم تقسم الاية الكريمة العباد الى ثلاثة اصناف :
1- ( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ) : في عدة محاور :
أ) ظلموا انفسهم بالتقصير والتكاسل عن العمل به .
ب) ظلموا انفسهم بعدم بذلهم الجهد لمعرفة امام زمانهم .
2- ( وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ) : يعرف الامام , ويعمل بالقرآن .
3- ( وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ) : تختلف الآراء حول المقصودين في النص المبارك , فهناك من يرى :
أ) هو الامام : حيث يكون سباقا بالخيرات .
ب) وبعض يرى انهم من ضمّ الى التعلم تعليم الناس وارشادهم لسبل الخير , أي اخذوا على عاتقهم تعليم الناس وارشادهم , وربما شدوا الرحال وانتشروا في البلدان .
مع العلم ان الرأي الثاني لا يختلف عن الرأي الاول , الا ان الرأي الاول فيه شمولية اكثر , ( ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) , ميراثهم للكتاب وعملهم به .
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ{33}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا ) , جنات اقامة , للمقتصد والسابق بالخيرات , ( يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً ) , زينتهم فيها , ( وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ) , وهو لباس اهل الجنة .
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ{34}
تروي الآية الكريمة على لسانهم ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ ) , قدموا حمده والثناء عليه عز وجل , ( الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ) , صرفه عنه , وابعده ان ينزل بساحتنا , ( إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ) , انه جل وعلا ( لَغَفُورٌ ) , كثير المغفرة لذنوبنا , ( شَكُورٌ ) , كثير الشكر لطاعتنا .
الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ{35}
تستكمل الآية الكريمة روايتها على لسانهم ( الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ ) , الاقامة , ( مِن فَضْلِهِ ) , تفضلا منه وانعاما , ( لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ ) , لا تعب فيها , ( وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ) , ولا حتى فيها اعياء .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ{24}
بعد ان ذكرت الآية الكريمة السابقة وظيفة واحدة للرسول محمد "ص واله" فيما يتعلق بالكفار "الانذار" , تدرجت الآية الكريمة لتضيف مؤكدة ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ ) , الحق الثابت الذي لا شك فيه ولا مراء , ( بَشِيراً وَنَذِيراً ) , وظيفتا الرسول , مبشرا للمؤمنين بحسن العاقبة , ومنذرا للكافرين بسوء العاقبة , ( وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ ) , وما من امة من الامم السابقة , ( إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ ) , لابد وان كان فيها نذيرا , اما نبي او رسول او وصي نبي او امام .
وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ{25}
تستمر الآية الكريمة في الموضوع ( وَإِن يُكَذِّبُوكَ ) , اهل مكة , ( فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) , كذلك الامم السابقة كذبت انبيائها ورسلها , ( جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ) , بالحجج والبراهين والدلائل الواضحة , ( وَبِالزُّبُرِ ) , الصحف , كصحف ابراهيم "ع" , ( وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ) , كالتوراة والانجيل .
ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ{26}
تستمر الآية الكريمة ( ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) , بالعذاب بسبب تكذيبهم , ( فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ) , فانظر كيف كان انكاري عليهم بالعقاب والهلاك .
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ{27}
يلاحظ في القرآن الكريم ان اغلب آيات العذاب والهلاك يأتي بعدها مباشرة آيات تسر القلوب وتبهج النفوس , ومنها الآية الكريمة ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ) , هيأ الاسباب المناسبة لنزول الغيث , ( فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا ) , نتيجة هطول المطر , ( وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ ) , اي ذات خطط وطرائق , ( بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا ) , بيضاء او حمراء , او ما بين ذلك , ( وَغَرَابِيبُ سُودٌ ) , وهي ذوات الصخور السوداء .
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ{28}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة ( وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ ) , كاختلاف النبات والثمار والجبال , ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ) , العلماء العارفين بالله تعالى هم الاكثر خشية من سواهم , ( إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ) , انه جل وعلا ( عَزِيزٌ ) , في ملكه , غالب على امره , معاقبا للمذنبين , ( غَفُورٌ ) , كثير المغفرة للتائبين .
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ{29}
تبين الآية الكريمة مقررة ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ ) , يقرؤونه , على ان لا يكتفون بمجرد القراءة , بل يجب ان تنعكس القراءة على واقعية التطبيق , ( وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ) , الواجبة , حافظوا عليها , وأدوها في اوقاتها , ( وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً ) , وانفقوا النفقة الواجبة والحقوا بها النفقة المستحبة , سرا وعلنا , سرا ليحولوا دون تسلل الرياء الى قلوبهم , وعلنا ليتأسى بهم غيرهم , ( يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ) , فأنهم بأعمالهم تلك يتوقعون تجارة لا كساد معها , لا خسارة ولا تلف .
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ{30}
تضمنت الآية الكريمة وعدا الهيا لهم ( لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ ) , الثواب المستحق , ( وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ) , ثم يتفضل عليهم الباري عز وجل بالمزيد من الاجر والمنازل الرفيعة في الجنة , ( إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ) , انه جل وعلا ( غَفُورٌ ) , كثير المغفرة لفرطاتهم وتفريطهم , ( شَكُورٌ ) , كثير الشكر لطاعاتهم مثيبهم عليها .
( عن النبي صلى الله عليه وآله هو الشفاعة لمن وجب له النار ممن صنع إليه معروفا في الدنيا ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .
وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ{31}
تنعطف الآية الكريمة لتخاطب النبي الكريم محمد "ص واله" بينما فحوى الخطاب موجه لعموم الناس ( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ) , القرآن الكريم , يلاحظ هنا ان حرف الجر ( من ) للتبعيض , ولم يذكر النص المبارك كل القرآن , في ذلك عدة اراء منها :
1- ان القرآن حينها لم يكتمل نزوله بعد .
2- في قوله تعالى اشارة الى بعض الآيات خاصة , أختلف فيها الناس , بعضهم أتهم النبي الكريم محمد "ص واله" بأنها من نفسه و ليست من عند الله تعالى ذكره.
( هُوَ الْحَقُّ ) , الثابت الذي لا مراء فيه ولا اشكال , ( مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ) , في النص المبارك عدة آراء منها :
1- أتى القرآن الكريم مصادقا على جميع الكتب السماوية السابقة .
2- القرآن الكريم يصادق بعضه بعضا, ما لا يترك مجالا لأثارة الشكوك من قبل الكفار والمنافقين وضعاف الايمان , حيث انهم أتهموا النبي الكريم محمد "ص واله" بأنه يخلط فيه شيئا من تلقاء نفسه من غير وحي يوحى اليه به , ومن ابرز تلك التهمة هي تقريبه لأهل بيته "ع" وفرض محبتهم على جميع المسلمين.
( إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ) , انه تعالى مجده وذكره ( بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ ) , عالم ببواطنهم , ( بَصِيرٌ ) , وظواهرهم .
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ{32}
تنعطف الآية الكريمة لتضيف ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ) , اعطينا علوم القرآن الكريم , ( الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) , عبادا مصطفين مختارين مفضلين على غيرهم , ذوي سبق بالدين والايمان والعلم , عرف عنهم الاخلاص والتضحية بالغالي والنفيس من اجل الاسلام , ثم تقسم الاية الكريمة العباد الى ثلاثة اصناف :
1- ( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ) : في عدة محاور :
أ) ظلموا انفسهم بالتقصير والتكاسل عن العمل به .
ب) ظلموا انفسهم بعدم بذلهم الجهد لمعرفة امام زمانهم .
2- ( وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ) : يعرف الامام , ويعمل بالقرآن .
3- ( وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ) : تختلف الآراء حول المقصودين في النص المبارك , فهناك من يرى :
أ) هو الامام : حيث يكون سباقا بالخيرات .
ب) وبعض يرى انهم من ضمّ الى التعلم تعليم الناس وارشادهم لسبل الخير , أي اخذوا على عاتقهم تعليم الناس وارشادهم , وربما شدوا الرحال وانتشروا في البلدان .
مع العلم ان الرأي الثاني لا يختلف عن الرأي الاول , الا ان الرأي الاول فيه شمولية اكثر , ( ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) , ميراثهم للكتاب وعملهم به .
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ{33}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا ) , جنات اقامة , للمقتصد والسابق بالخيرات , ( يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً ) , زينتهم فيها , ( وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ) , وهو لباس اهل الجنة .
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ{34}
تروي الآية الكريمة على لسانهم ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ ) , قدموا حمده والثناء عليه عز وجل , ( الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ) , صرفه عنه , وابعده ان ينزل بساحتنا , ( إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ) , انه جل وعلا ( لَغَفُورٌ ) , كثير المغفرة لذنوبنا , ( شَكُورٌ ) , كثير الشكر لطاعتنا .
الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ{35}
تستكمل الآية الكريمة روايتها على لسانهم ( الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ ) , الاقامة , ( مِن فَضْلِهِ ) , تفضلا منه وانعاما , ( لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ ) , لا تعب فيها , ( وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ) , ولا حتى فيها اعياء .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat