صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تأملات في القران الكريم ح320 سورة فاطر الشريفة
حيدر الحد راوي
بسم الله الرحمن الرحيم
 
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ{24} 
بعد ان ذكرت الآية الكريمة السابقة وظيفة واحدة للرسول محمد "ص واله" فيما يتعلق بالكفار "الانذار" , تدرجت الآية الكريمة لتضيف مؤكدة (  إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ ) , الحق الثابت الذي لا شك فيه ولا مراء , (  بَشِيراً وَنَذِيراً ) , وظيفتا الرسول , مبشرا للمؤمنين بحسن العاقبة , ومنذرا للكافرين بسوء العاقبة , (  وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ ) , وما من امة من الامم السابقة , (  إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ ) , لابد وان كان فيها نذيرا , اما نبي او رسول او وصي نبي او امام .     
 
وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ{25} 
تستمر الآية الكريمة في الموضوع (  وَإِن يُكَذِّبُوكَ ) , اهل مكة , (  فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) , كذلك الامم السابقة كذبت انبيائها ورسلها , (  جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ) , بالحجج والبراهين والدلائل الواضحة , (  وَبِالزُّبُرِ ) , الصحف , كصحف ابراهيم "ع" , (  وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ) , كالتوراة والانجيل .  
 
ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ{26} 
تستمر الآية الكريمة (  ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) , بالعذاب بسبب تكذيبهم , (  فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ) , فانظر كيف كان انكاري عليهم بالعقاب والهلاك .    
 
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ{27} 
يلاحظ في القرآن الكريم ان اغلب آيات العذاب والهلاك يأتي بعدها مباشرة آيات تسر القلوب وتبهج النفوس , ومنها الآية الكريمة (  أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ) , هيأ الاسباب المناسبة لنزول الغيث , (  فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا ) , نتيجة هطول المطر , (  وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ ) , اي ذات خطط وطرائق , (  بِيضٌ وَحُمْرٌ  مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا ) , بيضاء او حمراء , او ما بين ذلك , (  وَغَرَابِيبُ سُودٌ ) , وهي ذوات الصخور السوداء .    
 
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ{28}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة (  وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ ) , كاختلاف النبات والثمار والجبال , (  إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ) , العلماء العارفين بالله تعالى هم الاكثر خشية من سواهم , (  إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ) , انه جل وعلا (  عَزِيزٌ ) , في ملكه , غالب على امره , معاقبا للمذنبين , (  غَفُورٌ ) , كثير المغفرة للتائبين .   
 
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ{29} 
تبين الآية الكريمة مقررة (  إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ ) , يقرؤونه , على ان لا يكتفون بمجرد القراءة , بل يجب ان تنعكس القراءة على واقعية التطبيق , (  وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ) , الواجبة , حافظوا عليها , وأدوها في اوقاتها , (  وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً ) , وانفقوا النفقة الواجبة والحقوا بها النفقة المستحبة , سرا وعلنا , سرا ليحولوا دون تسلل الرياء الى قلوبهم , وعلنا ليتأسى بهم غيرهم , (  يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ) , فأنهم بأعمالهم تلك يتوقعون تجارة لا كساد معها , لا خسارة ولا تلف .   
 
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ{30} 
تضمنت الآية الكريمة وعدا الهيا لهم (  لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ ) , الثواب المستحق , (  وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ) , ثم يتفضل عليهم الباري عز وجل بالمزيد من الاجر والمنازل الرفيعة في الجنة , (  إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ) , انه جل وعلا (  غَفُورٌ ) , كثير المغفرة لفرطاتهم وتفريطهم , (  شَكُورٌ ) , كثير الشكر لطاعاتهم مثيبهم عليها .   
( عن النبي صلى الله عليه وآله هو الشفاعة لمن وجب له النار ممن صنع إليه معروفا في الدنيا ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" . 
 
وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ{31} 
تنعطف الآية الكريمة لتخاطب النبي الكريم محمد "ص واله" بينما فحوى الخطاب موجه لعموم الناس (  وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ) , القرآن الكريم , يلاحظ هنا ان حرف الجر ( من ) للتبعيض , ولم يذكر النص المبارك كل القرآن , في ذلك عدة اراء منها :
1- ان القرآن حينها لم يكتمل نزوله بعد .
2- في قوله تعالى اشارة الى بعض الآيات خاصة , أختلف فيها الناس , بعضهم أتهم النبي الكريم محمد "ص واله" بأنها من نفسه و ليست من عند الله تعالى ذكره. 
( هُوَ الْحَقُّ ) , الثابت الذي لا مراء فيه ولا اشكال , (  مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ) , في النص المبارك عدة آراء منها :
1- أتى القرآن الكريم مصادقا على جميع الكتب السماوية السابقة .
2- القرآن الكريم يصادق بعضه بعضا, ما لا يترك مجالا لأثارة الشكوك من قبل الكفار والمنافقين وضعاف الايمان , حيث انهم أتهموا النبي الكريم محمد "ص واله" بأنه يخلط فيه شيئا من تلقاء نفسه من غير وحي يوحى اليه به , ومن ابرز تلك التهمة هي تقريبه لأهل بيته "ع" وفرض محبتهم على جميع المسلمين.  
( إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ) , انه تعالى مجده وذكره (  بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ ) , عالم ببواطنهم , (  بَصِيرٌ ) , وظواهرهم .    
 
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ{32}
تنعطف الآية الكريمة لتضيف (  ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ) , اعطينا علوم القرآن الكريم , (  الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) , عبادا مصطفين مختارين مفضلين على غيرهم , ذوي سبق بالدين والايمان والعلم , عرف عنهم الاخلاص والتضحية بالغالي والنفيس من اجل الاسلام , ثم تقسم الاية الكريمة العباد الى ثلاثة اصناف : 
1- (  فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ) : في عدة محاور : 
أ‌) ظلموا انفسهم بالتقصير والتكاسل عن العمل به .
ب‌) ظلموا انفسهم بعدم بذلهم الجهد لمعرفة امام زمانهم . 
2- ( وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ) : يعرف الامام , ويعمل بالقرآن . 
3- ( وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ) : تختلف الآراء حول المقصودين في النص المبارك , فهناك من يرى :
أ‌) هو الامام : حيث يكون سباقا بالخيرات .
ب‌) وبعض يرى انهم من ضمّ الى التعلم تعليم الناس وارشادهم لسبل الخير , أي اخذوا على عاتقهم تعليم الناس وارشادهم , وربما شدوا الرحال وانتشروا في البلدان .
مع العلم ان الرأي الثاني لا يختلف عن الرأي الاول , الا ان الرأي الاول فيه شمولية اكثر , (  ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) , ميراثهم للكتاب وعملهم به .    
 
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ{33} 
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة (  جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا ) , جنات اقامة , للمقتصد والسابق بالخيرات , (  يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً ) , زينتهم فيها , (  وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ) , وهو لباس اهل الجنة .   
 
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ{34}
تروي الآية الكريمة على لسانهم (  وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ ) , قدموا حمده والثناء عليه عز وجل , (  الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ) , صرفه عنه , وابعده ان ينزل بساحتنا , (  إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ) , انه جل وعلا (  لَغَفُورٌ ) , كثير المغفرة لذنوبنا , (  شَكُورٌ ) , كثير الشكر لطاعتنا .  
 
الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ{35}
تستكمل الآية الكريمة روايتها على لسانهم (  الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ ) , الاقامة , (  مِن فَضْلِهِ ) , تفضلا منه وانعاما , (  لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ ) , لا تعب فيها , (  وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ) , ولا حتى فيها اعياء .  

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/06/16



كتابة تعليق لموضوع : تأملات في القران الكريم ح320 سورة فاطر الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net