صفحة الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

قبسات الهدى (8): شريعتي والآلهة الصغيرة !
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
بسم الله الرحمن الرحيم
أنكر الدكتور شريعتي على الشيعة اعتقادهم بالولاية التكوينية للأئمة، مشبهاً هذا المعتقد بالأساطير ومعتقدات الأديان الوثنية !
 
قال أثناء حديثه عن الشيعة: .. من جهة يجري العمل على رفع مقام ومنزلة الإمام إلى مرتبة الألوهية... يتحول هذا الإمام من عبد طاهر وقائد من جنس البشر إلى موجود غير بشري شبيه بالآلهة الصغار الذين يحيطون بالإله الأكبر في الأساطير وفي معتقدات الأديان الوثنية ولهذا الموجود خصائص إلهية كالخالق والرازق والمدبّر والمهيمن على مصائر الناس، ويتمتع بولاية تكوينية على حدّ ولاية الله! (التشيع العلوي والتشيع الصفوي ص165-166)
 
لكن الدكتور شريعتي نفسه أقرّ في موضع آخر بإمكان أن (يتسلّط) الإنسان الكامل على (جميع الموجودات)، ومثل لهذا الإنسان بآدم عليه السلام حين سجدت له الملائكة، فقال: 
وحسب ما أعتقده أنا وأفهمه من معاني سجدة الملائكة لآدم، هو تسليم جميع القوى الطبيعية وما وراء الطبيعة المادية والتي نشعر بها نحن مقابل موجود متعالٍ إسمه (إنسان)، الإنسان الآدمي وليس إنسان بني آدم، الإنسان الذي يستطيع أن يكون إنساناً. إنسان بتلك الاستعدادات التي مُنحت له، وهذه الاستعدادات تعني جميع القوى في الوجود والتي تعمل لأجله، فهو يستطيع أن يتسلّط على جميع الموجودات. ( تاريخ ومعرفة الأديان ص567)
 
فتراه ينكر الولاية التكوينية تارة ويشنع على الشيعة بها، ويقر بها حيناً آخر معتقداً بتسلط بعض الناس على كل الموجودات، وهو تعبير آخر عن هذه الولاية! وعن الإعتقاد بال(آلهة الصغار) بتعبيره..
 
ولا يخفى أن منشأ القول بالولاية التكوينية هو صريح القرآن الكريم الذي أثبت الولاية التكوينية لخلق الله تعالى، والتي تعني إقدار الله تعالى لبعض الخلق على التصرف في بعض المخلوقات أو فيها كلها.. 
ففي حين أعطى الله تعالى بعض الأنبياء قدرة الإحياء فقال في محكم كتابه لنبيه عيسى: ﴿إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْني‏ فَتَنْفُخُ فيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْني‏﴾ (المائدة 110)
وقال عن لسانه عليه السلام: ﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ الله﴾ (آل عمران 49)
ثم عقبها بإحياء الموتى وإبراء المرضى والإخبار عن المغيبات.. كما أعطى ملك الموت القدرة على قبض أرواح الخلق.. وسخر الرياح والجبال والحديد لبعض أنبيائه.. وغير ذلك مما دلت عليه نصوص الكتابين الصامت والناطق.
ويصعب هنا تفسير فعل الدكتور شريعتي، من جهة الطعن بعقيدةٍ ثم الاعتقاد بها نفسها ! 
 
على أن الأمر يتكرر معه مجدداً، فتراه يعتبر الطواف حول غير الكعبة من مظاهر الشرك بالله تعالى ! ويتهم التشيع الصفوي ب(عبادة علي والمراقد والأضرحة)! 
يقول: يجب أن يتم إفهام الجميع بأن العقائد المنحرفة من قبيل عبادة علي والمراقد والأضرحة هي من معالم التشيع الصفوي وخصائص هذه الفرقة، وإلا فإن علماء التشيع لهم فتاواهم الصريحة والواضحة في هذا المجال، ويتفقون في الرأي على أن عبادة غير الله والاعتقاد بان غيره مؤثر في الوجود والطواف حول غير الكعبة وحتى المحبة لغير الله هي من مظاهر الشرك بالله تعالى. (التشيع العلوي والتشيع الصفوي ص300)
 
وما يلبث أن يؤيد هذا (الشرك بالله تعالى) في كتاب آخر حينما يحث على الطواف بقبر الحسين عليه السلام فيقول: إذاً وقد سقط الحج كشعار في يد العدو ما العمل ؟! الإتجاه معلوم ومعروف، الطواف بقبر الحسين، هو إذاً الطواف حول الكعبة الحقيقية، كعبة الشهيد وكعبة الدم، كعبة الإنسان الذي هو ضحية.. (التشيع مسؤولية ص86)
 
وهذا تناقض آخر في أمهات المسائل الاعتقادية، فبين الاعتقاد بأن الطواف حول القبور شرك، وبين الحث على الطواف حول القبر لأنه الكعبة الحقيقية تناقض لسنا نعرف وجهاً لرفعه!
 
ثم إن الدكتور شريعتي أنكر على الشيعة اعتقادهم بخلق الأئمة من طينة خاصة، وزعم خلو أقدم كتبهم من هذا المعنى وخص بالذكر كتاب الحجة من الكافي، وعد هذا الاعتقاد مرادفاً للقول بألوهيتهم عليهم السلام، فقال: 
في ضوء قراءة شاملة للنصوص الإسلامية وخصوصاً الشيعية وعلى الأخص كتاب الحجة من الكافي وهو من أشهر وأقدم نصوصنا يظهر أن المسلمين يفهمون الإمام بأنه (إنساناً ما فوق) لا أنه (ما فوق الإنسان)، وهذا المعنى الثاني نفذ أخيراً إلى عقولنا.
(ما فوق الإنسان) يعني أن الإمام من نوع وجنس وماء وطين آخر غير طينتنا، ولو كان كذلك فلا يمكن أن يكون نموذجاً وقدوة لبني الإنسان...
إن هذا النوع من التفكير الديني الذي كان موجوداً قبل الإسلام يعني رفع مستوى الأشخاص إلى مقام الآلهة وأرباب النوع والملائكة، وقد حاربه الإسلام حرباً لا هوادة فيها، فمنذ البدء أعلن أن نبي الإسلام بشر مثلنا... (الأمة والإمامة ص129-130)
 
ويلاحظ على كلامه أمور:
أولاً: أنه لا ملازمة بين خلقهم من طينة خاصة وبين كونهم آلهة، بل لا يمكن كونهم آلهة مع كونهم مخلوقين من طينة خاصة، فهذا تعارض بيّن، إذ المخلوق لا يكون إلهاً مهما كانت الطينة التي خلق منها، ونفس خلقه من الطينة دليل على أنه ليس بإله..
 
ثانياً: أن خلقهم من طينة خاصة لا يعني خروجهم عن البشرية ! كما أن خلق الإنسان الأبيض من نطفة تختلف عن نطفة الإنسان الأسود لا يخرج أحدهما عن عنوان البشرية ! وكما أن خلق الذكر من نطفة تختلف عن نطفة الأنثى لا يخرج أحدهما عن عنوان البشرية ! 
وبالتالي فلا مانع من كونهم قدوة خلقوا من طينة خاصة إكراماً من الله تعالى لهم لسابق علمه بطاعتهم إياه، كما أكرم عيسى فأنطقه في المهد صبياً وكان عيسى قدوة بالاتفاق.
 
ثالثاً: ما ذهب اليه من خلو كتاب الحجة من الكافي من مثل هذا المعتقد مجانب للصواب تماماً، فهذا الكليني يروي في نفس الكتاب عدة روايات حول خلق النبي والائمة من طينة خاصة ومنها ما يلي:
 
1. عن أبي عبد الله عليه السلام: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا مِنْ عِلِّيِّينَ وَخَلَقَ أَرْوَاحَنَا مِنْ فَوْقِ ذَلِك‏.. (الكافي ج‏1 ص: 389)
 
2. وعنه عليه السلام: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ ثُمَّ صَوَّرَ خَلْقَنَا مِنْ طِينَةٍ مَخْزُونَةٍ مَكْنُونَةٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ فَأَسْكَنَ ذَلِكَ النُّورَ فِيهِ فَكُنَّا نَحْنُ خَلْقاً وَ بَشَراً نُورَانِيِّينَ لَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِي مِثْلِ الَّذِي خَلَقَنَا مِنْهُ نَصِيباً (المصدر)
 
3. وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا مِنْ أَعْلَى عِلِّيِّينَ وَ خَلَقَ قُلُوبَ شِيعَتِنَا مِمَّا خَلَقَنَا وَ خَلَقَ أَبْدَانَهُمْ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَقُلُوبُهُمْ تَهْوِي إِلَيْنَا لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِمَّا خُلِقْنَا (المصدر ص: 390)
 
فهذا المعتقد قد نفذ إلينا من أقدم كتب الشيعة ولم ينفذ إلينا أخيراً، ولا نعرف كيف ينفي الدكتور شريعتي وجود هذا المعنى في كتاب الكافي دون الإحاطة بما فيه، ثم تظهر كل هذه الروايات وغيرها وهي صريحة فيما نعتقد !
 
والحمد لله رب العالمين

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/06/10



كتابة تعليق لموضوع : قبسات الهدى (8): شريعتي والآلهة الصغيرة !
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net