الأساليب البلاغية في دعاء الصباح ....1
علي حسين الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
من صاحب النهج البليغ والسفر العظيم في البلاغة العربية حاولنا أن نقتبس شيئاً من نوره فكتبنا في دعاء الصباح الذي يروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام , وهذا الدعاء يتلى على مسامع الناس كل صباح بمختلف النغمات وبكل اللهجات وكلُ يحاول الوصول إلى روح هذا الدعاء والتأثير على المتلقي لينتقل به إلى روحانية الدعاء
قال أمير المؤمنين عليه السلام ((اللهم يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلجه )) فانك تجد من اول مقطع في الدعاء يلاحظ قدرة المتكلم البلاغية والتي تبرز من خلال انتقاء الكلمات وترتيبها لتخرج في النهاية ديباجةٍ أدبية هي غاية في الروعة والبلاغة , فهو قد بدأ نجواه واستخدم في لنداء (يا) وعادتا ما تستخدم هذه الأداة للنداء البعيد ولكنه استخدمها للقريب لان القرآن الكريم يقول {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ألداع إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }البقرة186, وهذا إنما ليدل على إن العبد بعيد عن ربه وسبب البعد هذا هو الذنوب فهي من يبعد بين العابد و معبوده , وأنك حين تقول كما ورد في المأثور عندما تريد التوجه للصلاة بان تأتي الله وأنت تنطق بعبارة ( يا محسن أتاك المسيء) وهذا القول وما يشبهه من عبارات الدعاء أعلاه إنما هو من أدب الدعاء , ولا يخفى عليكم إن (من) هي موصولة بمعنى الذي أي يا أيها الذي أو يا الذي .
( دلع لسان الصباح ) و دلع اللسان أي أخراج اللسان للنطق وهو أسلوب يسمى الاستعارة التخييلية تعبر عن قدرة بلاغية في رسم الصورة الأدبية , وانتقاء مثل هذا الأسلوب البلاغي قد أفاد تشبيه الصبح بالشخص الذي يريد التكلم او النطق فكما هو يشق فيه ويباعد ما بين فكيه لينطق لسانه كذلك الصبح يشق الليل والظلام ليطلع علينا فجراً بقدرة الله وإذنه , و أما الصباح فهو بين معنيين : الأول هو شروق الشمس والثاني هو انبلاج الضوء في الأفق و أنا برأيي القاصر أرجح الثاني لأنه عادتاً ما يكون الوقت الملائم للدعاء وهو دبر صلاة الفجر , وكذلك لان عمود الفجر يسبق الشمس في الشروق فهو الأول في الظهور .
( تبلُّجه) بلج الصبح في العربية يعني أضاء وأشرق كانبلج وتبلّج .(بنطق) الجار(بـ) والمجرور (نطق) هما حال للسان، وإضافة النطق إلى التبلج هي إضافة بيانية وتوضيحية وتشبيه النطق بالإشراق دلالة و إشارة على عظمة الله وكمال صنعه للكون وتلك النكتة البلاغية تجد لها مثيل في قوله تعالى: (والصبح إذا تنفس)، والمعنى الإجمالي هو أن الله عز وجل بقوته وحكمته لهذا الكون هو الذي أذٍنَ للفجر أن يطلع وأن يضيء و للشمس أن تشرق بإذنه تعالى .
(وسرح قطع الليل المظلم بغياهب تلجلجه )) في هذا المقطع من الدعاء يعبر عن أمر الله لليل بالانصراف بأنه تسريح والتسريح هو الإرسال برفق ولين ومنه قوله تعالى ((تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)) والغرض هنا بيان الكيفية لذلك التسريح بأنه وصفه بإحسان. وإما استعمال اللفظة أي (سرح) في الدعاء فربما لنفس النكتة المشار إليها في الآية الكريمة فيكون هنا ليبين الكيفية التي يسرح بها الليل وهو واقعاً ملموساً انه يصرف الليل بشكل تدريجي غير مفاجئ إلى أن ينبلج علينا عمود الفجر وضوء النهار وهنا أيضاً إشارة إلى تسخير كل هذا وإطاعته لله عز وجل , (قطع الليل ) هو تعبير عن دقائقه وساعاته.
( الغياهب) هي جمع لغيْهب أي الظلمة ، ولما كان الليل شديد السواد فكان التعبير بكلمة (تسريح) هو أدق تشبيها لها وملائمة لذلك الحال وليعرف الناس بان الله هو وحده القادر على دفع كل غياهب الظلام بكل سهولةُ ويسر .
(التلجلج)هو التردد في الكلام لثقل لسان العبد أو لخشيته. و لجة الليل هي ظلامه وإنما أضيف التلجلج إلى الليل لأن الأشياء فيه غير واضحة , وكل هذا الكم من الاستعارات والتشبيهات هو معبر لك عن القدرة في صياغة نص لا يأتي به إلا علي عليه السلام فتراه كلام دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق. وللحديث بقية