صفحة الكاتب : عبد الحسين بريسم

لمكتبة العصرية أيقونة الثقافة الميسانية
عبد الحسين بريسم
من يزر مدينة العمارة لا تحسب له الزيارة إذا لم يمر بشارع التربية، الشارع التجاري ورئة العمارة، هنا يلتقي الجميع للشراء أو الفرجة أو للقاء الأصحاب، فالزائر لايستطيع الحركة بسهولة في هذا الممر البشري، ذلك الشارع الذي كان يطلق عليه حتى وقت قريب (شارع المعارف) نسبة إلى التسمية البريطانية وتحول بعدها إلى اسمه الحالي شارع التربية، يبدأ شارع التربية من سوق الذهب وينتهي في وسط السوق المسقوف، أخذتني خطاي إلى أقدم مكتبة في العمارة المكتبة العصرية التي تأسست العام1920، هناك حيث حيدر حسين داود الذي زودني بالكثير من الكتب التي تتحدث عن تاريخ العمارة. والأستاذ شريف الوجه الآخر للمكتبة، إذ يعدان أي حيدر وشريف وجهين لعملة الثقافة في ميسان، لأنهما ارتبطا بالكتب والصحف والاصدارات الأخرى. هما علامتان بارزتان للثقافة والتواضع.
 ويقول صاحب المكتبة العصرية التي تعد أقدم مكتبة في المحافظة ـ تأسست العام 1920: إن بناء السوق اعتمد على أسلوب الأقواس باعتماد بناة من مدينة العمارة واشرف عليهم أسطوات من تركيا، وكان يبلغ طوله حينها خمسين مترا، أما اليوم فهو أطول من (300) متر ويتميز بالبناء المعماري القديم ذي القباب المتسلسلة.
ويعد سوق العمارة الكبير أحد أقدم الأسواق العراقية التراثية التي حافظت على طرازها المعماري القديم وفيها تقع المكتبة العصرية التي تعد من أقدم المكتبات حيث تعود إلى العام1920، وهي ذات أثر بالغ في نشر الوعي الثقافي في المدينة، ومنها تخرّج الكثير من المبدعين العماريين في الشعر والنثر والعلم، وكان من أهم روادها الجواهري الكبير أيام نقله إلى أرياف العمارة في زمن مضى، تحتوي المكتبة العصرية على أهم الإصدارات الإبداعية التي خطها أبناء العمارة في مختلف مجالات الإبداع، فضلا عن دور المكتبة في نشر الوعي العام من خلال توزيع أغلب الصحف العراقية. ومن اللافت للنظر أن موقع المكتبة الجغرافي يقع بين قوسين هما سوق العمارة المسقوف حيث هو الرابط ما بين الفضاء وشارع التربية. 
الشاعر والاعلامي حيدر الحجاج يقول لكل مدينة صرح تعتز به كإرث حضاري ورمز يمثل شخوصها، المكتبة العصرية هي روح المدينة ورئتها التي يتنفس منها مثقفو المدينة امتداد رسوخهم الثقافي. إنها اشتراط يومي لممارسة الحياة، فالمثقف والتربوي والمهندس والعامل وحتى التلميذ ﻻ بد لهم من أن يحطوا رحالهم في هذه المكتبة.. انها الشاخص الوحيد الذي لم تطله فؤوس العمارة واسمنتها الذي أكل من المدينة شواهد عديدة كانت ترمز للعمارة القديمة، ففيها يلتقي جبار جويبراوي الباحث وفيها مؤيد فيصل رمز ميسان وكذلك كل كبار الفنانين القادمين من العاصمة وكل من عاد من الغربة واوجاعها ليتطبب بماء ثقافتها، أنها تمثل لأبناء ميسان قاعدة ثقافية مهمة انهما يمثلان قطب وعصب المعلوماتية الثقافية في ميسان. 
الناقد التشكيلي غسان حسن محمد يقول ان المكتبة العصرية تعد أعرق المكتبات فيها، تتلمذ على مبيعاتها من الإصدارات التي كانت بعمر حداثة العراق إبان تأسيس الدولة العراقية في العام 1921 الكثير من شخصيات المدينة وطاقاتها الفذة في شتى صنوف المعارف والعلوم... حفلت المكتبة بمختلف الاصدارت ذات النزعات والافكار التقدمية والقومية.. التاريخية والدينية والليبرالية وغيرها، وهي تفتح ابوابها ناشرة للثقافة بفسيفساء بحجم بلد حضاري كالعراق.. مر بها العديد من المثقفين والأدباء .. وطلاب العلم وهي توزع الثقافات بين أبناء المدينة. ليس هذا فحسب، بل ان صاحبها الحاج حيدر حسين اللامي يحتفظ بذاكرة عامرة تزخر بالكثير من الحكايات والاحداث لشخصيات المدينة الوطنية والتاريخية.. الثورات والانتفاضات والنضال لنيل الحريات منذ العهد الملكي ومرورا بالجمهوريات الأربع.. لايمكن ان تمر بميسان دون ان تعرج على قبس النور المكتبة العصرية أيقونة المدينة وذاكرتها التاريخية الحافلة بكل ما هو جميل وراق. 
يقول الكاتب والباحث غازي المشعل لقد أسست المكتبة العصرية على يد المرحوم عبد الرحيم الرحماني - كما يشير عقد التأسيس - في الخامس من تشرين الاول من العام 1929.. كفرع للمكتبة العصرية الشهيرة في بغداد .. وبقيت المكتبة في نفس مكانها تقريبا في تقاطع السوق الكبير مع شارع المعارف (التربية لاحقا)..
على الرغم من التوسعات والتغيرات المستمرة التي طالت السوق عقب الحريقين الهائلين اللذين التهما السوق مطلع سبعينيات القرن الماضي .. وبقيت المكتبة شامخة. وهنا أتذكر مقولة مازالت تتردد في ذهني منذ اكثر من أربعين عاما كان يجاهر بها استاذ الاجيال والمربي الفاضل .. والفذ الراحل ماجد شهاب الشبيب، يوم كان يسهب لنا الشرح في درس الجغرافية البشرية في الصف الرابع العام بإعدادية العمارة للبنين يوم كان يقول لنا: ان اهمية وموقع المكتبة العصرية بالنسبة الى مدينة العمارة كموقع واهمية قناة السويس بالنسبة الى الشرق الاوسط - اي انها قلب العمارة وموقعها الستراتيجي.. وان من لم يزر المكتبة العصرية (عندما ينزل الى السوق) فلن يعرف من العمارة شيئا. ويضيف المشعل وعلى المستوى الشخصي فقد عرفت هذه المكتبة وربانها الأخ الكبير حيدر حسين داود منذ اكثر من نصف قرن من عمر الزمن.
حيث كنا نقتني منها كل حاجاتنا من الكتب المدرسية والقرطاسية والالعاب والمجلات والصحف فضلا عن ان أخي الأكبر الراحل داود كان زبونا دائما ومدمنا على شراء جميع الصحف والمجلات العربية والعراقية، والتي أتذكر منها الشبكة والصياد والكواكب وحواء والعربي وطبيبك والهلال وروز اليوسف وصباح الخير وسمير وسوبرمان وبساط الريح وميكي .. والحرية والجماهير والملعب والملاعب والمتفرج والفكاهة وغيرها الكثير.. يومها كانت المكتبة نقطة الإشعاع في المدينة .. وملتقى الأدباء والفنانين والمثقفين والسياسيين.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الحسين بريسم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/05/13



كتابة تعليق لموضوع : لمكتبة العصرية أيقونة الثقافة الميسانية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net