الإمبراطورية ألامريكية إلى أين؟
د . ماجد احمد الزاملي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الإمبريالية تعني أن هناك إرادة إمبراطورية هذه الإرادة هي الحافز الرئيسي إن لم تكن السبب الوحيد في نشأة الإمبراطورية المهيمنة, سواء كان ذلك بدافع سياسي أو اقتصادي. لكن المؤرخ البريطاني جون روبرت سيلاي يرى العكس إذ قال في عام 1883 أن الإمبراطورية البريطانية قد نشأت 'داخل نوبة من الشرود الذهني. إذ ان سيلاري كان متخوفا من انهيار الامبراطورية البريطانية انذاك ,و يوزع النفوذ بين القوتين العظميين الجديدتين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا القيصرية ، إن بريطانيا العظمى لم توفّق إلى مثل هذه السياسة الواعية وهذه الصياغة تشير إلى أي مدى كانت النظريات الإمبريالية تؤكد على عنصري الغرضية والتعمّد الواعي لأعوان التوسع. إن الاستراتيجية الكبرى لم تكن لتمثل أساسا لتشكل إمبراطورية إلا في حالات نادرة, وأغلب الإمبراطوريات يرجع وجودها إلى الصدفة وقرارات فردية يتخذها في حالات عديدة أشخاص غير مخوّلين سياسيا لمثل هذا المسعى. ومن هذا المنظور فإن كل واحدة منها تقريبا في لحظة الشرود الذهني ظهرت للوجود . ولئن تم تطوير حشد من العروض التاريخية التي تتناول بالدراسة حالات منفردة من الإمبراطوريات إلى جانب دراسات مقارَنة حول الإمبريالية جديرة بالاعتبار إلا أن مسألة ما هي الإمبراطورية وما هي المكوّنات المحددة التي تجعلها تختلف عن نظام الدول الترابية الذي نشأ في أوروبا، فهو ما بقي مهملا بصفة كلية تقريبا. إن ذلك هو ما يفسر أن مصطلح الإمبراطورية قد اتخذ خلال النقاشات الأخيرة حول السياسة الأميركية محتوى مرتجلا ويتحمل التأويل .
وفي أغلب الأحيان لا يتجاوز مجرد الخطاب الشاجب, لان العلوم السياسية لم تقم بتحديد ملامحه بصفة تعريفية دقيقة، بل تركت المجال في ذلك إلى عموميات المنشورات اليومية. إنّ الانجاز في عمل غير علمي مدروس ودائم الصلاحية لا يمكنه إلا ان يأتي بنتائج مخيبة. فطالما لم تتضح مسألة ما هي الإمبراطورية ، وما الذي ينبغي عليها أن تنجزه وبأي شيء تتميز عن غيرها من بنية الانظمة السياسية، فإنه يبقى من غير الممكن التوصل من خلال معاينات مقارَنة لتشكيل مختلف الممالك الكونية إلى نتيجة يمكن توظيفها في دراسة النظام العالمي الجديد ودور الولايات المتحدة داخله. إن المنطق الذي يقود سلوكيات الإمبراطوريات لا يمكن تمثُّله إلا إذا ما اتضحت بصفة تقريبية المقاييس التي تحدد هوية الإمبراطورية. تعتبر المقارنة مع الإمبراطورية البريطانية معقولة ومنطقية ، ذلك أن الولايات المتحدة تتواجد في كل الأماكن التي انسحب منها البريطانيون بعد الحرب العالمية الثانية، والتي قدمت للولايات المتحدة الامريكية كخلف لها، مستلمة كل المواقع البريطانية سابقا- من بين هذه المواقع منطقة الشرق الأوسط التي اصبحت في الفترة الأخيرة تشغل جزء أكبر من الاهتمام السياسي للولايات المتحدة ومن قوتها العسكرية. والمقارنة مع الاتحاد السوفيتي لا بد منها وذلك بسبب المنافسة التي كانت بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي التي امتدت على مدى تجاوز أربعة عقود من الزمن، إلى الانسحاب السوفيتي في عهد غورباتشوف من هذه المنافسة العالمية بسبب ما أصابهم من الإنهاك تحت تأثير التسابق على التسلح، لانهم لم يستطيعوا ان يصمدوا امام الاقتصاد الامريكي الهائل والنفقات التي كانوا ينفقونها من أجل المحافظة على وجودهم . ان انهيار الاتحاد السوفيتي جاء ليوقظ من جديد اهتماما مؤقتا بالموضوع؛ إلى ان أصبح الدور السياسي العالمي الجديد للولايات المتحدة باديا للعيان. وفجأة أصبح الحديث يدور حول الإمبراطورية الأميركية، ومنذ ذلك الحين أصبحت الانتقادات الموجهة إلى السلوكيات الأميركية في مجال السياسة الدولية لا تخلو من حضور ملامح واضحة لموقف مناهض للإمبراطورية. ولئن سبق أن قُذفت الولايات المتحدة في كثير من الأحيان باتهامات إمبريالية – خلال حرب فيتنام مثلا، أو تدخلاتها العسكرية في أميركا اللاتينية أو في منطقة الخليج ، إلا أن مثل هذه الاتهامات كانت موجهة دوما ضد قرارات وممارسات محددة للإدارة الأميركية. بينما يتجه الحكم للطابع الإمبراطوري والدور المتعاظم للولايات المتحدة ومطامحها الغير محدودة للهيمنة على مقدرات الشعوب. لا ينبغي أن يقع الخلط بين هذا الأمر وإعادة إحياء للإمبراطوريات الاستعمارية القديمة.لكن القاعدة التي تنبني عليها هذه المقارنات مع تشكّل الإمبراطوريات المذكورة تبقى مع ذلك ضيّقة ومحدودة بالنسبة لتحليل معمّق لمسألة حظوظ ومخاطر الإمبراطورية الأميركية. فكل من إمبراطورية روسيا القيصرية والإمبراطورية العثمانية وبكل تأكيد جديرة بأن تُستحضر داخل هذه المعاينة القائمة على المقارنة. كما لا ينبغي تناسي الإمبراطورية المغولية في القرن الثالث عشر، والتي يمكن التطرق إليها في عملية بحث و تحقيق في مسألة المنطق الذي يقود السلوكيات الإمبراطورية. صحيح أن هذه الأخيرة قد الت بسرعة إلى الانهيار، لكن توسعها قد جعل منها إحدى كبرى الإمبراطوريات التي عرفها التاريخ، ولم تتجاوزها حجما برقعة نفوذها ، سوى الإمبراطورية البريطانية ، وإن كانت موزعة على خمس قارات، بينما كانت الإمبراطورية المغولية قائمة كوحدة ترابية ملتئمة على معظم التراب الآسيوي الأوروبي. ولم تفلت من دائرة سيطرتها سوى الأطراف الغربية للهند وشرقها، وكذلك غرب ووسط وجنوب أوروبا.
المجتمع الدولي لايحتاج إلى إمبراطورية تتولى قيادته من أجل ضمان أمنه ,ان هذه القوة الإمبراطورية القائدة تمثل عامل خلل واضطراب متعاظم على النظام الدولي، وأنه يستحسن أن لا تكون موجودة. الولايات المتحدة الامريكية ومنذ لحظة تأسيسها قد اتخذت الإمبراطورية الرومانية مرجعا لها ووضعت نفسها ضمن مسار التقليد الروماني . ويتعلق الأمر في هذا المضمار إذن بالتدقيق النقدي في علاقةِ مماثَلةٍ قد اتخذت موقعا مركزيا في وعي وبديهيات النخب السياسية الأميركية على مر العصور.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
د . ماجد احمد الزاملي

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat