صفحة الكاتب : علي البدر

قصه قصيره النقش على الحجر
علي البدر

           أهي أحلام تحققت أم امنيات بدت بشائرها في الافق لتوعد بمستقبل جديد قادم..قلت ذلك وانا أنزل على درج حجري عريض يقودني لزوارق غير مستقره . وأية أحلام تسري في شراييني بين ان واخر وربما منذ الطفوله ومن الذي رسمها وطبعها في ذاكرتي غيره؟ يالغرابة التصاقي بكل الايام التي جمعتني به.. كان شابا وسيما حاد النظرات ومهيب الشخصيه وكانت العائله تحترمه بصوره عفويه أما أنا فكنت اخافه كأخ كبير وكأب يعوضني عن ابي الذي فقدته في طفولتي.. أجل انه أحمد أخي..

وهكذا دارت بي السنون وكبرت وكبرت معي أحلامي وربماأختفاء أخي المفجائي رسخ قيمه في ضميري رغم احساسي بالصدمه والغربه وبت احس بصعقة تنتابني لمجرد ومضة احساس بانني انساه أو ربما أتناساه فاشعر بان هالة من الضياع والانانية ستلفني والى الأبد..

- أقرأتها؟ تساءل أخي.

- كلها؟ أجبته بارتباك..

- أجل. كلها ولم أقل لك كن صادقا لانك لم تكذب علي يوما.

- لم أستطع. فهي رواية صعبه وانك لم تعطني فكره عامة عنها. أنا بحاجة ليومين أخرين وافعل بي ما شئت ان لم أفي بوعدي يا أخي..

- ما اسم الروايه؟ تساءل ثانية..

- قصة مدينتين.

- واسمها باللغة الانكليزيه؟

- The tale of Two Cities

- جيد.. الى هنا جيد ولكن ..حيث قاطعته متحمسا:

- واسم كاتبها تشارلز ديكنز. ها أنا حفظت اسمه رغم انني لم احبه لحد الان. 

- وما أدراك أنني أسأل عن كاتب الروايه؟

- حفظت كل أسئلتك يا أخي وسأقول لك ما ستقول لي الان؟ فاني حفضتك يا أخي.. كلامك وانفعالك معي ورغبتك في تربيتي ولكنني لا أستطيع ان اكون نسخة منك. لا استطيع والله يا اخي..

- لم أقل يا صغيري بانني اريدك كما تزعم.. ومن أنا حتى أطلب منك ذلك؟ ولكن.. ولكنني اريدك أن تشعر ان الحياة ليست لهوا فقط وانما ان تفهم نفسك والذين حولك وان تملأ ذهنك بما يخدمك وعائلتك ووطنك لدرجة التضحيه في سبيله..أجل يا أخي وصديقي الابدي. أتصدق بانني بحاجة اليك كاحتياجك لي؟ ها اننا نتنفس هواءا سيكون أكثر نقاء عندما نسلك طريقا امنا وسط مجتمع لم يعرف الاستقرار أبدا..اريدك ان تكون رجلا، قال ذلك وبحماس، وان يأتي يوم ولم تجدن فلا تندم ولا تحزن كثيرا فطريقي قد سلكه أخرون قبلي فابتعد جسدهم لكن اسمهم نقش على الصخر وعلى أنصع صفحات التأريخ.. تذكر.. تذكر اريد اسمك منقوشا على الصخر لا على رمل ينزاح لاول موجة منسابه.. أفهمت أم أعيد كلامي ياصغيري الحبيب؟؟

            كانت هذه أعمق كلمات سرت في أعماقي قالها لي منذ أن غادرنا والى الابد ورغم مرور عشرات الكتب لذاكرتي والتي ساهمت في صقل شخصيتي الا أن القبله التي طبعها على خدي والممزوجة بدموعه التي سقطت على كتفي لم تنسني حياتي معه ، وكيف أنساه وأنفاسه لا زالت تدفيني وعشرات الاسماء تذكرني به وتعمق مساحة ذاكرتي . أجل .. تشارلس ديكنز كان اخر هاجس بيننا ورغم ذلك لم أنس تلك الاسماء الرائعه كمكسيم غوركي وتشولوخوف وارنست همنكواي واوستروفسكي وتولستوي أو جون شتاينبك وسارتر ولا جبران والمنفلوطي ونجيب محفوظ أو طه حسين .. وبات هاجس يسري في أعماقي بان عملا ما ينتظرني.. حتى وقت راحتي وما علي سوى انجازه وباسرع وقت..وكلما ارى موقفا قد يجعلني سعيدا لدرجة الابتسامه أو حتى الضحك.. وحزينا لدرجة البكاء .. أراه أمامي بكبرياءه وعنفوانه وعندها أقول يا أحمد.. أنا بحاجة اليك فها أنا كبرت وكبرت معي الايام لكنك اكبر من كل ذلك. 

           ولكن أن استدير الى الخلف واقلب السنين لاصل الى افكار رغم انها غريبه لكن الالوف وربما الملايين ينطقونها كل يوم.. "اه.. أيام زمان .. ما أجملها." ياترى.. انحن نسير الى الخلف؟ لا ربما نسير حسب فلسفة المهزومين من الحروب مبررين انسحابهم تكتيكيا كما يقولون دون اعترافهم بالخساره أمام شعوبهم. أيعقل ان نتواصل مع اسقاطات ترمي الفشل و تفاهات يعتبرونها أفكارا ناضجه. لقد خسرنا كل الحروب التي خضناها ولكن من يجرؤ أن يغامر بنفسه وحياته وربما بعرضه.. من يجرؤ ان يقول للحاكم انك تسير بنا الى الهاويه وان جدران الأزقة الضيقة صبغت سوداء تعلن الحداد على دماء سفحت لاشباع نهم سرمدي لمغامر قاد الملايين للحروب و لم يفهم شيئا عنها ولكن تلك الملايين التي نحرها ستطالبه يوما بتسديد الدين وعندها سيكون عاجزا عن تسديدها.

وها انك عجزت ولم يحمك انسان حتى الذين كانوا حولك ولم اتصور اننا سنتحرر من هاجس الترقب ولكن الايام بدت تزيل الغبار فيتصرف كل منا بعفوية متمتعا باجواء لم يألفها ابدا ولم تعد مشكلتنا الحريه فقد أوصلتنا اليها تلك الدماء التي نزفت والاشلاء التي نعرفها والتي لم نعرفها لحد الان. أجل الان..لم تعد الحريه التي كانت حلما مشكلتنا.. ولكن هولاء الذين تاجروا بدماء الشهداء .. أجل أصابعنا والحبر الذي تحنى بها هي التي جعلتهم يمسكون برقابنا فقد توزعوا بين ذباح بامر الاجنبي الذي يحميه ويوفر له الغطاء، وعميل يأتمر بامره فقط ليقتل ويسرق ويهيمن واذا ما مسك وزج في السجن فأن سيده يأتي ويخرجه عنوه.

- أين مدير المركز؟

- أنا تفضل. وماذا تريد؟

- القائد يريده.

- و.. من أنت؟

- أنا مترجمه..

- قل له أن يأتي. فانا في عملي ولن أغادر موقعي.

- حسنا. سأوصل رسالتك. قال المترجم ذلك لكن وقع اقدام متسارعه بدت تسمع ايقنت انهم كانوا يسمعون حواري مع مترجمهم. عشرات من الجنود المدججين بالاسلحه الاوتوماتيكيه ومعهم كلبان تبدو الشراسة عليهما دخلوا المركز وحاول المترجم التحدث معي لكنني رفضت قائلا دع رئيسك يبرر سبب مجيئه بنفسه.

- نريد كل المنتسبين معنا فنحن في مهمة وبحاجة لمساعدتكم. 

- مهما تكون المهمه" ان موقعنا هنا هو الاهم ونحن غير مخولين بتركه فلدينا بعض المطلوبين كما ان وزيرا قد اختلس المليارات موقوف لدي هنا بانتظار وصول اوراقه واحالته للمحاكم المختصه..

- تقصد المواطن الاميركي.

- قل ما شئت انه عراقي الان ويجب ان يطبق القانون بحقه.

             ولم أشعر طيلة خدمتي في النظام السابق ولا الان بعهد الاحتلال باني ضعيف لهذه الدرجه فقد حدث ما أحسست به عندما أخرجوا الضباط والحرس من المركز واقتادوني بعربة مصفحة مع احد الضباط واثنان من الجنود بعيدا بحجة المساعده بحصار وكر للارهابيين. وعند رجوعي وجدت باب السجن مفتوحا والموقف خال من أي سجين. فقد ناقشت الضابط الذي جاء بعدي قبل مغادرتي المركز فقال:

- أمروني باعطائهم المفاتيح وفتحوا أبواب السجن وأفرغوه تماما . حاولت مقاومة ذلك لكن احدهم وخز ظهري ببندقيته وبدأ بشتمي بكلمات نابية فهمت منها بانه تربى في أقذر المحلات الأميركيه التي يتسكع بها اللصوص والمجرمون ومتاجري الهيرويين والجنس وغيرها..

- والوزير اللص؟

- بصق في وجهي.

- كم هو حقير. ياليتني قتلته وهو بين يدي.

- قلت لكم انني سأخرج. قل لرئيسك انه لن يراني أبدا. ستمتليء أرضكم باكلي لحوم البشر وستندمون على كل لحظة حجزتموني بها هنا؟ ضرب الارض بقدمه وغادر. 

- تقصدر هرب..

- أجل هرب وبكل هدوء وثقه. رد علي الضابط منفعلا وشعرت انه يحاول ان يعيد توازنه ولكن دون جدوى..

           وأحسست انني في حلم أو غيبوبه ممزوجة بصوت أو دوي لم أفهمه وان قوة انسيابية ترفعني لتهبطني بحركات متناغمه وان قطرات الماء الممتزجه مع الريح تنساب على خدي وكانها تصر على ان تقطع غيبوبتي وتدنيني الى أرض اقف عليها متوازنا..

- يا استاذ.. يا استاذ.. ها قد وصلنا. أحذر فدجلة تفور المياه فيه هذا اليوم.

- حسنا.. ها أنا أنزل .. وداعا..

- ولكن.. ولكن يا استاذ...

- ولكن ماذا.. أجل أجل.. تذكرت. الاجره الف دينار فقط.. أعرفها يا سيدي فأنا والنهر أصدقاء ولي لقاء معه بالاسبوع مره على الاقل..رفعت يدي عاليا لأودعه فابتسم وحدق في عيني وقال وداعا أيها المتنبي الكبير. ولم أفهم بوقتها معنى كلامه بل اعتبرته مجرد كلام من رجل ربما لا يعرف القراءه والكتابه الا عندما وجدت مجموعة من الرجال والنساء والشباب والاطفال متحلقين حول تمثال رفع يده عاليا وقد بدت حركة اصابعه تقول: أنا الذي اذا نظر الأعمى الى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم. أجل.. الان فهمت اقتران حركة يدي ويده .. ياله من سائق زورق ذكي... ولكن.. هل يفهم حلمي عندما غفوت عابرا النهر في زورقه الذي ضربته الأمواج وراقصته الريح وكأنه يهزني في ارجوحة غفوت وسطها ورحت في حلم عميق؟


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي البدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/01/24



كتابة تعليق لموضوع : قصه قصيره النقش على الحجر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net