عادت الوحوش الطائرة الى اماكنها , لتحل محلها وحوشا اخرى , تحمل حجارة وجنودا على ظهورها , قطعت طريق الامدادات على الثوار في الميدان , ضربت المؤن , ومنعتهم من الوصول الى النهر لمليء القرب , لم تك قاذفات اللهب ذات فائدة معها , فقد كانت تحلق خارج نطاق المرمى .
تذمر الثوار من ذلك , اشتكى بعضهم من العطش , واخرون من الجوع , وغيرهم طلب الراحة , استطلع الوزير شردق مع ينامي الحكيم الامر , طالبا منه التعجيل بالهجوم :
- لا أعطي اوامر الهجوم حتى يهجموا هم ... هنا يجب ان تنتهي مهمتي ... ( هو ) وعدني انه سيقود المعركة ... لذا سأنتظر .
لم يقتنع الوزير شردق بكلامه , توجه الى القائد خنكيل , استطلع رأيه :
- عدم القتال افضل من التعجيل به ... وان كانت الظروف كما ترى يا شردق ... يجب ان نختبر عزيمة جنودنا قبل الهجوم الشامل ! .
أمضى الثوار نهارهم في معالجة الافاعي والعقارب , وبعضهم كان يحاول جلب المياه , او نقل الطعام من العربات التي حطمتها صخور الوحوش الطائرة , التي اختفت قبيل الغروب , فهرع الثوار نحو النهر عطاشا , لكن المفاجئات كانت في انتظارهم , حيث الوحوش الغواصة بالمرصاد لكل من اقترب من النهر , ابتكروا اساليب ذكية لاستخراج الماء من النهر , لكن .. الماء كان مسموما .
اضطرب الثوار اكثر واكثر , من العطش وغيره , شعروا بالضيق والحرج , يحدقون في معسكر الوحوش , يفكرون في خطتهم المقبلة , بدورهم اشعل معسكرهم المزيد من النار , تصاعدت اللسنة اللهب , وارتفع الدخان ليغطي مساحة ما بين المعسكرين , نقلته الريح الهادئة الى معسكر الثوار , مما زاد الطين بله , فهرعوا الى تسلق الاشجار والجبال , اما من لم يجد شيئا يتسلقه فكان فريسة للاختناق , التفت الوزير خنياس للقائد جلبعيط امرا :
- غدا سيكون الهجوم ... اما الان اعدوا قاذفات الحجارة ! .
- امركم سيدي الوزير ! .
مئات من قاذفات الحجارة نصبت على طول خطوط المعسكرات , ثم شرعت برمي الحجارة , مما زاد الثوار محنة الى محنتهم , قرر القائد خنكيل ان يسحب الخناكل الى خارج مدى قاذفات الحجارة , وكذلك فعل ينامي الحكيم .
لم ينم الثوار ولم يرتاحوا منذ ليلتين , اخذ منهم التعب والسهر كل مأخذ , حالما بزغت الشمس , معلنة عن بدأ يوم جديد , تقدمت جيوش الوحوش نحوهم , بخطى ثابتة , وخطوطا مستقيمة , كأنها قررت ابادة الجنس البشري هذه المرة , تبادل القائد خنكيل وينامي الحكيم نظرات غامضة , كأنهما كانا ينتظران هذه اللحظة , او كأنهما قد اعدا العدة لها ! .
- هيّا ! .
- هيّا ! .
شرعت قاذفات اللهب بإطلاق الحجارة الملتهبة , واشعل الثوار النار في الزيت الذي كان مسكوبا على طول الخط الامامي , ثم اصدر ينامي الحكيم اوامر الانسحاب للجميع , فانسحبوا الى ما بعد الجبال , بينما كان الوزير شردق مختبئا في الغابات , مع الكثير من الجنود , شاهدوا اشارة التقدم للقتال , انطلقوا كأنهم النمل ! .
ألقت الوحوش الطائرة الحجارة على قاذفات اللهب , لتوقفها , وتركت فرق الثوار تنسحب واخرى تتقدم , لم يمض وقت طويل حتى توقفت قاذفات اللهب من رمي الحجارة , واشتبك الطرفان في قتال مرير , الاسنة تشتبك بالأسنة , الحديد يضرب الحديد احيانا , واحيانا يقطع الاجساد ويريق الدماء وينثر اللحم , تطايرت الرؤوس والاطراف , لا شيء يعلو على صوت الصراخ ! .
كانت كفة جيوش الوحوش راجحة على طول خط التصادم , بأجساد مشاتهم , بحيواناتهم العملاقة والصغيرة , بأسلحتهم الفتاكة , لكن الثوار لم يهنوا ولم يضعفوا , بل كان الصمود خيارهم , بل سلاحهم الاوحد .
سئمت الشمس من ذلك المنظر , تنحت جانبا لتعلن المغيب , كي يتوقف الطرفان , فعلا توقفا , هجعت الوحوش للراحة , بينما انشغل الثوار في رفع جثث موتاهم واسعاف جرحاهم , ثم الانسحاب الى الغابات , كي يحل محلهم من انسحب منهم صباح اليوم .
انقضت ساعات الليل سريعا , ترددت الشمس في ان تشرق , او لا تشرق , كأنها لا تريد رؤية مكررة لمنظر الامس , الثوار لم ينالوا القسط الكافي من الراحة , بينما كانت الوحوش على احسن حال , عاد النهار , ليعود معه القتال , استطاع الوزير شردق وفرقته المتميزة بالتدريب العالي من اختراق صفوف الوحوش , حتى شارفت على واد كبير , بين جبلين عظيمين , توقف على رأس الوادي وقال مخاطبا الضابط تراك :
- انظر الى ذلك الوادي ... بلا حراسة ! .
- سوى دوريات صغيرة ! .
- سنلج من خلاله ... ثم نلتف على جيوشهم من خلف الجبلين بعد ان نشطر جيشنا الى نصفين ! .
- كم تحتاج من الجنود ؟ .
- عشرة الاف كاف لهذه المهمة .
- سوف أأتي معك ! .
- كلا يا تراك ... ابق انت ومن معك وحافظوا على مدخل الوادي ! .
- حسنا ... سيدي الوزير ! .
أنطلق الوزير شردق بصحبة عشرة الاف مقاتل عبر الوادي الكبير , هربت الدوريات الصغيرة التي تجوب المكان , حالما شاهدوا جيوش الثوار تتدفق نحوهم , خرجوا من البوابة الاخرى للوادي , بمجرد ان توسط الثوار ذلك الوادي , خرجت الوحوش من سفحي جبلين , واطلقت نبالا ملتهبة , اشعلوا احواض الزيت التي اخفوها جيدا بورق واغصان الاشجار , اشتعل الزيت , والاشجار المجاورة له , ليحرق الوادي بأكمله , واحترق معه جميع الثوار , تصاعد اللهب والدخان عاليا في السماء , فاستطاع ان يراه الجميع , بينما ملئت رائحة اللحم المشوي الانوف , سقط الضابط تراك من جواده متقيئا , باكيا على رفاقه , يعاينهم يحترقون , فلا يستطيع ان يقدم لهم يد العون .
تسبب هذا الحادث بخفض معنويات الثوار , بينما رفع معنويات الوحوش المهاجمة , التي اخذت بالاندفاع بقوة , ساحقة كل من يقف في طريقها , مزمجرة كأنها تقول ( الويل لكم يا بني البشر ) ! .
انتهى اليوم الثاني من المعارك بعد مغيب الشمس , ثاني معركة يمنى بها الثوار بهزيمتين متواليتين , اعدادهم بدأت تنخفض , عزائمهم خارت , يقول بعضهم لبعض :
- الويل لنا ... هذا ثاني يوم نهزم فيه شر هزيمة ! .
- ان ينامي الحكيم ليس كفؤا لخنياس ذو العيون الخمس ! .
طلب ينامي الحكيم من جميع المدن ارسال المزيد من المتطوعين , ليدعم بهم ارض المعركة , بينما ارسل القائد خنكيل رسله الى بعض مدن الوحوش التي تميل اليه , ليرسلوا له المزيد من الجنود .
اشرقت الشمس لتعلن بدأ يوم جديد , كانت صفوف الثوار متراصة , بانتظار اي هجوم , او في اتم الاستعداد لتنفيذ اي امر بالهجوم , لكن هجوما لم يشن , بل .. بل حلقت اسرابا من الوحوش الطائرة , الوفا منها , ثم شرعت بإفراغ حمولتها من الحجارة , بينما ركابها يصوبون نبالهم ورماحهم الى الاسفل , نحو الثوار , الذين اصبحوا في موقف حرج , قاذفات اللهب لا زالت مدمرة , لذا يقفون وقوف العاجز تحت ظل الوحوش الطائرة , يتفادون الحجارة قدر الامكان , ويتجنبون الرماح والنبال بالدروع ! .
****** يتبع
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat