صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تأملات في القران الكريم ح306 سورة الأحزاب الشريفة
حيدر الحد راوي
للسورة الشريفة فضائل وخصائص كثيرة منها ما جاء في كتابي ثواب الأعمال والمجمع عن الامام الصادق عليه السلام انه "ع" قال : من كان كثير القراءة لسورة الأحزاب كان يوم القيامة في جوار محمد صلى الله عليه وآله وأزواجه . 
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً{1} 
تستهل السورة الشريفة خطابها للنبي الكريم محمد "ص واله" (  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ) , الخطاب للنبي الكريم محمد "ص واله" والمعني به سائر المسلمين , (  اتَّقِ اللَّهَ ) , امر بالمداومة على تقوى الله تعالى , (  وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ) , هاتان الفئتان كانتا لهما مطالب تخالف الشريعة الاسلامية , ولهما دور كبير في بث الاشاعات المغرضة , (  إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً ) , بالمصالح والمفاسد , (  حَكِيماً ) , في تدبيره وشؤون خلقه .   
مما يروى في سبب نزول الآية الكريمة ما جاء في تفسير القمي (  قال الصادق عليه السلام ان الله بعث نبيه باياك اعني واسمعي يا جارة فالمخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله والمعنى للناس في المجمع نزلت في ابي سفيان بن حرب وعكرمة بن ابي جهل وابي الأعور السلمي قدموا المدينة ونزلوا على عبد الله بن اُبي بعد غزوة احد بأمان من رسول الله صلى الله عليه وآله يكلموه فقاموا وقام معهم عبد الله بن ابي وعبد الله بن سعد بن أبي سرح وطعمة بن ابي بيرق فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا يا محمد ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومنات وقل ان لها شفاعة لمن عبدها وندعك وربك فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال عمر بن الخطاب ائذن لنا يا رسول الله في قتلهم فقال اني اعطيتهم الامان وامر (ص) فاخرجوا من المدينة ونزلت الآية ولا تطع الكافرين من اهل مكة ابا سفيان وابا الأعور وعكرمة والمنافقين ابن ابي وابن سعد وطعمة ) .   
 
وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً{2} 
يستمر الخطاب في الآية الكريمة (  وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) , القرآن الكريم , (  إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) , هو جل وعلا مطلع على كل افعالكم واقوالكم , لا يخفى عليه شيء منها , وسيجازيكم عليها .     
 
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً{3} 
يستمر الخطاب في الآية الكريمة (  وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ) , ثق واعتمد على الله تعالى في جميع امورك , صغيرها وكبيرها , (  وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ) , حافظا .   
 
مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ{4} 
تضيف الآية الكريمة ونستقرأها في ثلاثة موارد : 
1- (  مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) : في النص المبارك عدة اقوال , نذكر منها :
أ‌) ردا على ما كان متعارفا عند العرب زعمهم او قولهم "ان اللبيب لا ريب له قلبان " . 
ب‌) او هو رد على قول ابي معمر حميد بن معمر بن حبيب الفهري وكان لبيبا حافظا لما يسمع وكان يقول ان في جوفي لقلبين اعقل بكل واحد منهما افضل من عقل محمد صلى الله عليه وآله وكانت قريش تسميه ذا القلبين فلما كان يوم بدر وهزم المشركون وفيهم أبو معمر يلقاه أبو سفيان بن حرب وهو آخذ بيده احدى نعليه والاخرى في رجله فقال له يا ابا معمر ما حال الناس قال انهزموا قال فما بالك احدى نعليك في يدك والاخرى في رجلك فقال أبو معمر ما شعرت الا انهما في رجلي فعرفوا يومئذ انه لم يكن له الا قلب واحد لما نسي نعله في يده .
(  عن الباقر عليه السلام قال قال علي بن ابي طالب عليه السلام لا يجتمع حبنا وحب عدونا في جوف انسان ان الله لم يجعل لرجل قلبين في جوفه فيحب بهذا ويبغض بهذا فأما محبنا فيخلص الحب لنا كما يخلص الذهب بالنار لا كدر فيه فمن اراد أن يعلم حبنا فليمتحن قلبه فان شارك في حبنا حب عدونا فليس منا ولسنا منه والله عدوهم وجبرئيل وميكائيل والله عدو للكافرين ) . "تفسير القمي" .    
2- (  وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ) : من عادات عرب الجاهلية "الظهار" , وهو قول الزوج لزوجته " أنت علي كظهر أمي" , وهو طلاق متعارف لديهم .
3- (  وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ) : الدعي من يدعى لغير ابيه , وكان هذا سائدا لدى عرب الجاهلية ايضا .     
(  ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ ) , اشارة الى الموارد الثلاثة اعلاه , فإنها جميعها لا حقيقة ولا واقع لها , (  وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ ) , في ذلك , (  وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ) , وهو جل وعلا يرشد ويدل على طريق الهداية .   
مما يروى بخصوص الآية الكريمة ننقل ما جاء في تفسير القمي ( عن الصادق عليه السلام قال كان سبب ذلك أن رسول الله لما تزوج خديجة بنت خويلد خرج إلى سوق عكاظ في تجارة لها ورأى زيدا يباع ورآه غلاما كيسا حصيفا فاشتراه فلما نبئ رسول الله صلى الله عليه وآله دعاه إلى الأسلام فأسلم وكان يدعى زيد مولى محمد صلى الله عليه وآله فلما بلغ حارثة بن شراحيل الكلبي خبر ولده زيد قدم مكة وكان رجلا جليلا فأتى أبا طالب فقال يا أبا طالب إن ابني وقع عليه السبي وبلغني أنه صار إلى ابن أخيك نسأله إما أن يبيعه وإما أن يفاديه وإما أن يعتقه فكلم أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله هو حر فليذهب حيث شاء فقام حارثة فأخذ بيد زيد فقال له يا بني إلحق بشرفك وحسبك فقال زيد لست افارق رسول الله صلى الله عليه وآله أبدا فقال له أبوه فتدع حسبك ونسبك وتكون عبدا لقريش فقال زيد لست افارق رسول الله ما دمت حيا .
فغضب أبوه وقال يا معشر قريش اشهدوا إني قد برئت منه وليس هو ابني فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اشهدوا أن زيدا ابني أرثه ويرثني فكان يدعى زيد ابن محمد وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يحبه وسماه زيد الحب فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة زوجه زينب بنت جحش وأبطأ عنه يوما فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله منزله يسأله عنه فإذا زينب جالسة وسط حجرتها تسحق طيبا بفهر لها فدفع رسول الله صلى الله عليه وآله الباب فنظر إليها وكانت جميلة حسنة فقال سبحان الله خالق النور وتبارك الله أحسن الخالقين ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى منزله ووقعت زينب في قلبه موقعا عجيبا وجاء زيد إلى منزله فأخبرته زينب بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لها زيد هل لك أن اطلقك حتى يتزوجك رسول الله صلى الله عليه وآله فلعلك قد وقعت في قلبه فقالت أخشى أن تطلقني ولا يتزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله فجاء زيد إلى رسول الله فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله أخبرتني زينب بكذا وكذا فهل لك أن اطلقها حتى تتزوجها فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله لا إذهب واتق الله وأمسك عليك زوجك ثم حكى الله عز وجل فقال أمسك عليك زوجك واتق الله وتُخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشيه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها إلى قوله وكان أمر الله مفعولا فزوجه الله تعالى من فوق عرشه فقال المنافقون يحرم علينا نساء أبنائنا ويتزوج امرأة ابنه زيد فأنزل الله عز وجل في هذا وما جعل أدعياءكم أبناءكم إلى قوله يهدى السبيل ) .  
 
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً{5} 
تستمر الآية الكريمة في نفس الموضوع (  ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ ) , انسبوا الادعياء الى اباءهم , (  هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ) , اعدل , (  فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ ) , بعض الادعياء لم يك يعرف لهم اب او نسب , (  فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ) , ان كان الامر كذلك , فهم اخوانكم في الدين الاسلامي وأولياء لكم او انتم أولياء لهم , (  وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ ) , لا مؤاخذة عليكم فيما كان منكم او ان اخطأتم , (  وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ) , المؤاخذة تكون فيما تعمدتموه  من قول او فعل , (  وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً ) , الله جل وعلا غفور للمخطئ المتدارك لخطئه بالتوبة والاستغفار , (  رَّحِيماً ) , به .    
 
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً{6} 
تصرح الآية الكريمة بثلاثة تصريحات : 
1- (  النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) : في الامور كلها , حيث لا يأمرهم الا بما فيه صلاحهم , ولا ينهاهم الا عما فيه فساد وضرر . 
( يعني أولى بهم في الامور كلها فإنه لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم بخلاف النفس فلذلك أطلق فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم وأمره أنفذ عليهم من أمرها وشفقتهم عليه أتم من شفقتهم عليها.
يعني في الدين والدنيا جميعا أما في الدين فإن كل نبي أب لامته من جهة أنه أصل فيما به الحياة الأبدية ولذلك صار المؤمنون إخوة ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .  
2- (  وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) : في موردين : 
أ‌) ازواج النبي "ص واله" في منزلة الام في حرمة الزواج منها . 
ب‌) في استحقاق التعظيم ما دمن على طاعة الله . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .    
3- (  وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ ) : (  (  وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ ) , في المواريث وغيرها على بعض الآراء , (  فِي كِتَابِ اللَّهِ ) , احكامه , (  مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ ) , " صلة لأولي الأرحام أي أولوا الأرحام بحق القرابة أولى بالأمرة أو بالميراث من المؤمنين بحق الدين والمهاجرين بحق الهجرة وإن حملنا الآية على الميراث احتمل أيضا أن يكون بيانا لأولي الأرحام" - تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني - . 
(  إِلَّا ) , لكن , (  أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفاً ) , كالوصية او هبة فذلك جائز , (  كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً ) , اللوح المحفوظ . 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/01/01



كتابة تعليق لموضوع : تأملات في القران الكريم ح306 سورة الأحزاب الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net