صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

الجريمة دينها الإجرام!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 الجريمة تؤمن وتعتقد وتدين بالإجرام , ولا دين عندها إلا الإجرام , ولا يمكن ربط الجريمة بدين غير الإجرام.

فأول جريمة عرفتها البشرية - كما مدوّن في موروثها-  تحققت وعدد البشر ستة فقط , والستة من دين واحد وذوي قرابة جينية قوية جدا , لكن الجريمة عندما حصلت بقتل قابيل لأخية هابيل , أوجد القاتل ما يبرر ويعزز قيامه بقتل أخيه , ومنبعه إرادة النفس الأمّارة بالسوء , التي تأججت بفعل رغباته ونزواته وتطلعاته الغريزية المنفلتة , فأذهبت حكمته وشوشت بصيرته ورغّبته بسفك الدماء.
وهذا ينطبق على أية جريمة حصلت وتحصل منذ ذلك اليوم الأليم , وهو ذات المنطلق الإجرامي الدائم الإنصباب في نفوس المجرمين أجمعين.
ومن المعروف في علم الإجرام أن المجرم يجرّد ضحيته من حقها في الحياة , ويحسبها تستحق الموت , ويُراكم المسوغات الكفيلة بقتلها , وعادة ما يربط ذلك بإرادة قِوى عُليا أو توجّه حقق فيه طاقات إنفعالية ذات قدرات عمياوية وتصندقية , وتمترسية في غياهب أوهامها وضلالاتها العدوانية , فيندفع نحو جريمته بقوة وقناعة , وحتى بعد أن يقترف فعلته , تراه يدافع عن نفسه ويتهم الضحية بأنها هي التي دفعته لقتلها وبأنها تستحق العقاب لا هو.
فعلها هولاكو  ومَن سار على نهجه من قبله وبعده , ومَن إتخذوا طريقه سبيلا لتبرير جرائمهم الكبرى ضد الإنسانية والأخوّة الآدمية السمحاء , وقد كان هولاكو يبرر ما يقوم به من شنائع وفظائع بأنها تعبير عن إرادة ربه , الذي سلطه على رقاب الناس ومصائرهم لينفذ حكمه فيهم.
وجرائم القتل بأنواعها سواءً قتل النفس أو قتل النفس والآخر أو قتل الآخرين , لا يمكنها أن تحصل إلا عندما يتجسد في وعي المجرم أن الهدف يستحق القيام بما سيقوم به من الإجرام نحوه , وأسهل السبل التي يميل إليها هو أن يدّعي إنتماءً ما , وفقا لتأويلاته ورؤاه , يؤهله ويتوافق مع النوازع الإجرامية المتأججة في دنياه , فتراه يميل للتطرف والإنحراف والإنتساب لأحزاب وجماعات تساهم بتعزيز رغباته السيئة , وتضفي عليها ما يؤهلها للإنفلات.
فالأديان والمعتقدات والأحزاب وجميع الإنتماءات الأخرى , وبلا إستثناء , يمكن إمتطاؤها للقيام بأبشع ما يمكن القيام به من الفظائع البشرية.
حصل ذلك في القرون السابقة وحتى القرن التاسع عشر , وفي القرن العشرين تأكد في ألمانيا وجيرانها والصين والإتحاد السوفياتي سابقا , وغيرها من الدول والمجتمعات , والفرق القائم اليوم هو أن قدرات التواصل الإجتماعي في عصرنا , ذات إمكانيات فائقة على نقل ما يحصل في أي مكان بأسرع من البرق , حتى ليتوهم الناس بأن الدنيا على شفا جحيم ومضطرب لا مثيل له من قبل.
فعلينا أن نتيقظ ونتنبّه ونعي الواقع والوقائع , ونقرؤها بعيون عقلانية علمية بحثية مجردة من الإنفعالات , والتأجيج العاطفي المحسوب والمطلوب لتحقيق أغراض ونوايا خطيرة كامنة في نفوس مريضة ساعية لجحيمات الضياع والخراب المقيم.
فالإجرام عالم قائم بذاته ولا يمكن إقرانه بدين , بل هو أسبق من جميع الأديان ,  ويجب أن يُحاسب المجرم وفقا للقانون , ومن الظلم أن يؤخذ الآخرون بجريرته وإثمه ,  ومن الواجب أن تُدرس الأسباب المؤدية للجريمة , وتبتكر الحلول والمقترحات اللازمة لمنع تكرارها , ووقاية الأجيال من أضرارها وتأثيراتها المدمرة للمجتمع.
وعلينا أن نتذكر دائما أن دين المجرمين هو الإجرام وحسب , وإدّعاء المجرم بأي دين آخر جريمة كبرى ضد ذلك الدين!!

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/12/15



كتابة تعليق لموضوع : الجريمة دينها الإجرام!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net