صفحة الكاتب : عزيز الابراهيمي

قراءة هادئة في الوجود التركي في شمال العراق
عزيز الابراهيمي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ياحوم اتبع لوجرينا, هو المبدأ الذي يحكم أغلب الكتابات والتحليلات التي اختصت بشأن دخول القوات التركية في شمال العراق, وقد استعرضت جملة من الاحتمالات, من ضمنها الرغبة التركية في استعادة ولاية الموصل, التي فقدتها ابان الحرب العالمية الاولى, والمساهمة في تقسيم العراق, والرغبة في انعاش الاقتصاد التركي, من خلال النفط الداعشي وغيرها من التبريرات المفترضة للدخول التركي, وقد ساهم في تنامي هذه الافكار وتحولها الى رأي عام, اغراق الخارجية العراقية في نرجسيتها, وخوفها من تحمل أي تبعات تعكر عليها صفاء الاجواء المخملية التي تعيشها, لذا تجدها منساقه هي الاخرى مع التيار المتنامي. 

القضايا الحساسة في أي بلد, مقتضى النقاش فيها وجود رأي اخر له اتباع ومؤيدون, قد لا يكون الغالب ولكن يرجع اليه الفضل في احكام الرأي المتبنى بعد اشباعه نقدا, وتغطية جميع الجوانب فيه, الا في بلدي فان الصوت المرتفع لا يجد في البين من يعانده, ويحاول تسليط الضوء على مكامن الضعف فيه, وهذه من عادة التغالب التي تدمغ بها شخصية الفرد العراقي, كما يقرر علي الوردي في غير واحد من كتبه.

كل ما قيل في اسباب هذه الحملة التي شنت على الوجود التركي لا تصمد امام النقاش المتأني, والذي يرتفع فيه شبح التخوين او التجبين, فما قيل من انقاذ الاقتصاد التركي بالنفط الداعشي, لا يستند الى قراءة للنهضة الاقتصادية التي قادها الحزب الاوردكاني, والتي كان عمادها السياحة, وجذب الاستثمارات, وتنمية قطاعات الصناعة, والزراعة في هذا البلد, وما هذا التأويل الا لغلبة عامل النفط في التفكير الاقتصادي لدى العقل العربي, والذي كثيرا ما يشبه قصة تلك العجوز التي كانت في قريتنا, فلما سرق منها دريهمات كانت تصرها في مخدتها – للدفنه حسب تعبيرها- ومنذ ذلك الحين فأي شخص يقوم ببناء دار, او شراء سيارة, كان في دائرة اتهامها, فما ثراءه الا نتيجة تلك السرقة لاموالها. 

وكذا ما قيل بشأن الأطماع التركية في الموصل, وتماهي الدخول التركي مع ما يخطط له من تقسيم العراق, وايجاد دويلة موالية لاسرائيل, فان هذا ايضا يراد له ان يكون حقيقة تحكم السلوك السياسي للعراقيين والحال انه من اسقاطات التيار الذي تقوده روسيا, في معركة الكبار الجارية على الاراضي السورية العراقية لان ولاية الموصل التي يطمع بها الاتراك لا تقتصر على حدود بعشيقة, وبعض مناطق تواجد القوات التركية بل تشمل الموصل ومناطق كردستان وبعض مناطق سوريا وهذا لا شك بعيد بحكم الواقع عن مخيلة الاتراك.

وقد تبدوا فكرة انشاء دويلة في شمال العراق, يمكن التحكم في طبيعة موالاتها تحمل تناقضا مع اطماع تركيا في الموصل, والغريب ان بعض التحليلات تدرج الامرين معا, متناسية هذا التناقض في رغبة تركيا في ضم الموصل اليها, وسعيها لاستقلالها كدولة !!! 

ولو سلمنا جدلا بصدق أي من هذين الاحتمالين, فهل الطريق الامثل هو بشن هذه الحملة الكبيرة على الدخول التركي, على بعض المعسكرات التي كانت موجودة منذ فترة, والحال ان المنطقة ليس ضمن سيطرة الدولة العراقية واقعاً؟

ليس امرا ذو بال هذه الحملات الاعلامية, التي يشنها العراقيون على الاتراك فهو خطاب للداخل العراقي, وربما لايشعر المواطن التركي بهذه الحملة, لاختلاف اللغة وقلة الاهتمام, ولكن مكمن الخطورة هو محاولة التخوين لأي حشد يمكن ان تشكلة الاطراف السنية في الموصل والمرحب بالمساعدة التركية في محاربة داعش, وقد يشكل الاغراق في النقد والتخوين رغبة حقيقية لدى الاطراف المعتدلة وغير الداعشية في الموصل في التخلي عن الرجوع الى احضان الوطن والتفكير الجدي بأنشاء دولة مستقلة او الانضمام الى الاتراك حتى وعندها لا محيص من قبول فكرة حق تقرير المصير, وما جزيرة القرم عنا ببعيد. 

لا شك ان الحرص على وحدة وسلامة الاراضي العراقية امر مطلوب, ولكن على القائمين عليه من سياسيين وغيرهم, مراعاة ابعاد عديدة وعدم الانسياق وراء العقل الجمعي والفوران العاطفي, فالتمادي في التهديد والوعيد واستخدام اخر الاوراق في بداية الازمة, وعدم سلوك الجانب الدبلوماسي اولاً يؤدي الى قطع للتفاهم, وما يترشح عنه من تعاون في القضاء خطر داعش الذي يهدد الوجود الانساني بصورة عامة, اضافة الى ما يسببه في كسر هيبة الدولة من جراء عدم الاستجابة من الطرف الاخر.

كان كافيا اخذ اعتراف سياسي من الجانب التركي بسيادة العراق على جميع اراضيه, ثم التعاون مع الاتراك من اجل تطويق خطر داعش, واغرب ما قيل ان الاحتلال التركي لايفرق عن الاحتلال الداعشي للاراضي, والاغرب منه تفضيل داعش التي لاتدين بالمواثيق والاعراف وتستهتر بالدماء والممتلكات ومرد ذلك الى البداوة المتغلغة في نفوس القوم. 

واذا اضفنا الحجج التي قدمها الجانب التركي في تبريره الدخول العسكري, الى ما تقدم, اضافة الى مخاطر الاعتداء على الشركات التركية العاملة في العراق على الاقتصاد العراقي المتهالك, لوجدنا انفسنا مصداق قول امير المؤمنين عليه السلام " كَالطَّاعِنِ نَفْسَهُ لِيَقْتُلَ رِدْفَهُ".


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عزيز الابراهيمي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/12/14



كتابة تعليق لموضوع : قراءة هادئة في الوجود التركي في شمال العراق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net