صفحة الكاتب : جمال الهنداوي

تركيا..تذهب بعيدا
جمال الهنداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  اسئلة كثيرة يثيرها التدخل العسكري السافر في شمال العراق, وعلامات استفهام اكثر قد يحمل بعضها الجواب في حيثياته..وقد يتعسر التوصل الى اجابة مقنعة للبعض الآخر..فهل هي القراءة الخاطئة للاحداث..أم قد يكون التعجل..او سوء النية المبيتة وانعدام الثقة بالحلفاء, هي التي جعلت تركيا, وهي تقلب خياراتها المفصلية, تقرر التوغل في سياسة قد تكون اندفعت بها اكثر بكثير مما ينبغي.. 

فالسلطنة المأزومة بمعايشة الهلع الناجم عن المعطيات المتواترة المبشرة بانكماشها الى موقعها الطبيعي كدولة اقليمية تحصر طموحاتها ضمن حدودها ومشاكلها الداخلية..وانسلال جميع اوراقها واستثماراتها السياسية والامنية الى ايدي اللاعبين الكبار, نجد انها تذهب بعيدا وراء احلامها وهي تحاول تسويق جر قواتها لعشرات الاميال  في عمق الاراضي العراقية على انه كان بطلب من مسؤول عراقي بدرجة محافظ سابق.
فليست المرة الاولى, ولكنها قد تكون الاوضح, التي تفشل فيه تركيا الاردوغانية في طرح نفسها كدولة مسؤولة, وكل القدرات البلاغية اللافتة للسيد رئيس الوزراء داود اوغلو ومواهبه المتفردة في لي عنق الحقائق واعادة تشكيلها بما يخدم طروحات ورؤى ومصالح حكومته ..يبدو انها لم تكن كافية هذه المرة في ابعاد الصورة التي تزداد رسوخا في اذهان المجتمع الدولي عن بلاده كدولة مؤزمة مؤرقة للامن والسلم الاقليمي ..
فقد يكون من الصعب على المراقب توقع المدى الذي تستطيع فيه تركيا الابقاء على وضعها ضمن المنظومة الدولية وهي ترسم سياساتها الامنية والاقتصادية بناء على منظومة معقدة ومتشابكة من المصالح والعلاقات مع العديد التنظيمات الارهابية و شبكات النهب والتهريب في ممارسة اقرب الى تقنيات عصابات الجريمة المنظمة منها الى القانون الدولي ومباديء الامم المتحدة وعلاقات حسن الجوار..
ويبدو انها نفسها بدأت تستمرأ سمعتها كدولة مارقة من خلال عدم العناية بالتمويه على مقاصدها الحقيقية من تفلتاتها التي تعبث بطول وعرض استقرار وامن المنطقة, ولا التغطية على تهديد وحدة دول الجوار وسلامة اراضيها من خلال دعم التنظيمات والاحزاب الخارجة عن القانون وممارسة عمليات النهب والسلب لخيرات ومقدرات الشعوب لادامة وتمويل هذا الهدف الرخيص, مستغلة الخلل البنيوي في العلاقات بين دول المنطقة. والتجوع الخليجي المأزوم بمشروع اعادة استنساخ الـ"العضلة العمياء"التي كان يمثلها النظام العراقي السابق حتى ولو بالمجازفة بالتعايش مع الدور التركي المريب في تسليك اخونة المشهد العربي مما قد يشكل منطلقات لمزيد من التأزم في العلاقات المستقبلية بين دول المنطقة كجمهور وقوى شعبية..
مشكلة الدول المحكومة باحزاب الاسلام السياسي, وتركيا على الاخص, انها لا تستطيع العمل تحت الشمس وان تتحمل مسؤولية قراراتها ..وتحتاج دائما الى التعكز والاتكاء على قوى ومنظمات غير شرعية لتمرير متبنياتها وقراراتها وسياساتها تجاه الدول الاخرى المتقاطعة معها في المواقف ..والمشكلة الاعظم في انها تعتمد سياسة الحلول –او التعقيدات-مفتوحة النهايات انفتاح الصحراء القفر على الافق البعيد..فهي تستمر في التحشيد وتكوين المحاور ونسج التحالفات بدون وجود استراتيجية واضحة وقابلة للاستيعاب والتطبيق ومن الممكن ان تحدد اهدافا مستقبلية لهذه السياسات..
على تركيا ان لا تراهن كثيرا على التغاضي الدولي على دورها المشبوه الذي لم يكن مقدرا له ان ينشط الا في ظل اختناقات سياسية قد تفقد محركاتها عند اي انعطافة سياسية تكاد تبدو معطياتها في الافق, كما ان الاتكاء على القراءة الاعلامية المضللة لوجود بعض التباين في رؤية العراقيين للدور التركي قد لا تكون مفيدة في ظل الاجماع الوطني في رفض التدخل الذي لم يشذ عنه الا الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يبدو انه اصبح وضع جميع بيضه -الطازج منه والفاسد- في السلة التركية, اضافة الى (الفوهرر) اثيل النجيفي, وميليشياته ونقشبندياته وتصريحاته التي لا تعدو اطار الصدى اللحظوي الاجوف.
ندعو -دون كثير من الامل- الى ان تكتب الحكمة خواتيم هذه الازمة, وان لا تترك تركيا خياراتها على غارب الاغراءات التي يوفرها منطق القوة وفرض الامر الواقع,فكلمة الايام قد سبقت بان الشعوب قد تمرض , وتضعف, ولكنها لا تموت ..وهي عادة من يكتب السطر الاخير.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جمال الهنداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/12/07



كتابة تعليق لموضوع : تركيا..تذهب بعيدا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net