صفحة الكاتب : فلاح العيساوي

دوام الحال من المحال
فلاح العيساوي

القصة من التراث العراقي القديم رويت لي باللهجة العراقية الدارجة

وارويها لكم بأسلوبي وطريقتي لتكون مفهومة لدى الجميع ....

التاجر أبو احمد رجل بلغ مرحلة الكهولة وهو يتصف بخصال جميلة من الأخلاق الفاضلة وعلى الخصوص خصلة التواضع التي ترفع من الإنسان وقدره في أعين الناس عكس ما يراه الإنسان المتكبر في نظرته الاستعلائية فهو يرى في التكبر انه كبير في عيون الناس والعكس صحيح لكون إن الناس يرون المتكبر كالذرات التي يدوسونها بإقدامهم  ، المهم إن التاجر أبا احمد كان غنيا بالأموال وهو الغنى المادي وهو كان اغني بالتواضع الذي يملكه كملكة نفسية يتعايش بها مع الناس لهذا كان محبوبا من الجميع ...

في ذلك الزمن كان يوجد في المدينة حمام يرغب التاجر أبو احمد إن يذهب إليه على فترات متباعدة ليس الغرض منه الاستحمام فقط !!...
لكن الأهم عنده هو التواصل الاجتماعي مع رجال المدينة . وكان في هذا الحمام رجل يقارب عمره عمر التاجر أبي احمد وكان هذا الرجل يدعى (( رحيم   )) ويلقب بابي سلام وكان اسمه ولقبه اسما على مسمى لدماثة أخلاقه وموادعته لجميع الناس وكان يعمل في الحمام مدلك بأجرة شهرية وكان التاجر أبو احمد يحب (( رحيم   )) المدلك للقواسم المشتركة بينهما فشبيه الشيء منجذب إليه !!!...

فعند ورود التاجر أبي احمد إلى الحمام يسارع بالسلام والتحية على (( رحيم   )) المدلك ويطلبه بشخصه بالذات ليجلس عنده ويقوم بتدليكه وذلك ليستأنس بحديثه الجميل وكان التاجر أبو احمد دوما يسأله عن حاله وأحواله ويأتي جواب (( رحيم   )) دوما بهذه الكلمة ( دوام الحال من المحال  )!!!...

بعد مده من الزمن عاد التاجر أبو احمد إلى الحمام وعند دخوله وجد (( رحيم   )) المدلك جالسا في مجلس مالك الحمام فألقى التحية والسلام على (( رحيم   )) ورد رحيم السلام بأحسن منه وبادره بالذهاب إليه وجذبه وأجلسه إلى جانبه فتبادر إلى أبو احمد سؤال  :
عزيزي رحيم هل ذهب مالك الحمام في قضاء عمل ما وأجلسك في مكانه ؟؟...
رحيم : كلا يا أبا احمد ...
أبو احمد : اذا ماذا ؟؟؟...
رحيم : يا أبا احمد إن الحمام أصبح ملكي والملك لله وحده وذلك لأني ورثت أمولا من عمي الذي مات من مده قريبة ولم يكن له من يرثه غيري وقد عرض صاحب الحمام حمامه هذا للبيع وقد اشتريته منه ولله الحمد على نعمائه .
أبو احمد : إذا إلف مبروك لك يا رحيم فأنت رجل تستحق كل الخير وتقبل مني تعازي في عمك المرحوم !..
رحيم : يا أبا احمد شكرا لك لكن ( دوام الحال من المحال  )!!!...
أبو احمد  : قال في سره إذا ماذا تريد يا رحيم بعد ما أصبحت مالكا للحمام ؟؟؟..

وبعد مدة من الزمن انشغل بها أبو احمد عن الذهاب إلى الحمام تذكر صديقه اللطيف رحيم فعزم على زيارته ففعل وذهب إلى الحمام وعند دخوله لم يجد صديقه (( رحيم   )) ووجد رجلا يجلس في مكان رحيم فبادره بالسؤال عن (( رحيم   )) فقيل له إن (( رحيم   )) قد باع الحمام  وأصبح من تجار القماش الكبار في المدينة في السوق الكبير ...

وبعد سماع هذا الخبر عزم أبو احمد على الذهاب إلى السوق ليرى صديقه (( رحيم   )) الذي أصبح تاجرا كبيرا ..
وصل أبو احمد إلى السوق وتقصى عن مكان التاجر رحيم ،، فدل على محل تجارته وأخيرا وجده .. قام رحيم من مكانه مستقبلا أبا احمد على عادته المعهودة فهو رجل لا تغير طباعه النبيلة الأموال أو الجاه فعانقه وأجلسه إلى جانبه وبادره بالسؤال عن صحته وأحواله ...
أجاب أبو احمد بحمد الله وشكره
وقال : أبارك لك يا رحيم هذا التطور والانتقال من حال إلى حال !!..
فقال رحيم : أشكرك أيها الرجل ذو الأخلاق الفاضلة يا من يداوم في السؤال عني رغم متاعب ومصاعب الحياة لكن يا أبا احمد  ( دوام الحال من المحال  )!!!...
فقال أبو احمد في سره وماذا تريد بعد يا رحيم التاجر؟؟؟...

وبعد مدة من الزمن أصبح (( رحيم   )) ممن لهم حضوه عند الملك وأصبح من ندمائه والمقربين لديه فمات وزير الملك وبعد أيام صدر مرسوم ملكي يقضي بتعين (( رحيم   )) وزيرا للملك بدل الوزير المغفور له ...

فتناها الخبر إلى مسامع التاجر أبو احمد فطار فرحا لان (( رحيم   )) رجل يستحق منصب الوزير أولا وهو صديق عزيز له ثانيا وقرر إن يكون من أول المباركين للوزير رحيم .. فسارع بالحضور بين يدي الملك ووزيره (( رحيم   )) وتقدم أبو احمد للسلام وإلقاء التحية على رحيم لكن الوزير رحيم رغم منصبه الكبير والهام جدا سارع بنفسه عند رؤية أبي احمد فنزل إليه وعانقه وقبله وجذبه بكل رفق ولطف وأوقفه إلى جانبه إلى حين انتهاء مراسم التبريك والتهنئة من قبل وفود  كبار المملكة وبعد انتهاء المراسم بادر الوزير رحيم إلى إجلاس أبي احمد إلى جانبه وإكرامه والسؤال عن أحواله وأموره وصحته وقضاء كل أمر يحتاجه .. فشكره أبو احمد على عظيم لطفه وإحسانه وكرمه وحمد الله سرا في نفسه لان رحيم لم يتغير رغم جلوسه على كرسي الوزارة !!..
وقال : يا وزيرنا الجديد كيف وجدت هذا المنصب الكبير ؟؟؟...
فقال الوزير رحيم : الحمد لله والشكر له على نعمه وحسن توفيقه لكن يا أبا احمد ( دوام الحال من المحال )!!!...
فقال أبو احمد في سره وماذا تريد بعد يا رحيم الوزير؟؟؟...

بعد مده ليست بالطويلة مات الملك ولم يكن له ولد أو بنت يخلفه فأصبح (( رحيم   )) الوزير ملكا وتوجا بتاج الملك وتناهى الخبر إلى مسامع التاجر أبو احمد فبادر بالذهاب ليبارك للملك رحيم على ما انعم الله به عليه من لباس المملكة واعتلائه حكمها وإدارتها وهو بحق يستحق إن يكون الملك لعظيم أخلاقه وحسن سيرته وما إن وصل أبو احمد وحظر بين يدي الملك رحيم  قام رحيم ونزل من عرشه واعتنقه وقبله وجذبه بكل لطف وحنان فائض وأجلسه عن يمينه وبادره بالسؤال عن أحواله وصحته ووجوب قضاء حوائجه كلها ...
فقام أبو احمد بشكره على جزيل أياديه ونوال عطاياه وقال له :
أيها الملك الموقر كيف وجدت عطاء الله وفضله عليك إذ انعم ومن عليك بالملك والمملكة ؟؟؟...
فقال الملك رحيم  : يا أبو احمد  فضل ربي ورحمته علي لا يحصى ولا يعد ولا يجزى مني حتى لو بقيت العمر كله احمده واشكره له الحمد والشكر رغم ذلك ...
لكن يا أبا احمد  ( دوام الحال من المحال  )!!!...
فقال أبو احمد في سره وماذا تريد بعد يا رحيم الملك ؟؟؟...

بعد مدة ضجت المملكة بخبر مفجع للجميع ومفاده أن الملك مات !!!...

فعم الحزن ونكست الإعلام والرايات في المملكة على الملك الطيب الرحيم الودود رحيم ولم يكن التاجر أبو احمد في المملكة حين وفاة الملك رحيم ولو كان موجودا لما كان تأخر في حضور جنازة صديقه الملك ...
فأبو احمد كان مسافرا في تجارة خارج المملكة وعند عودته فوجئ بخبر موت صديقه الملك رحيم فجلس في بيته ثلاثة أيام والحزن والألم لا يبارحه على فقد رحيم الأخ والصديق بعدها قرر أبو احمد إن يزور قبر الملك رحيم وخرج من منزله وذهب إلى المقبرة وسأل الدفانين عن قبر الملك رحيم فدلوه واتوا به إلى القبر والغريب إن القبر لم يكن كما كان يتوقع أبو احمد فقبر الملك رحيم لا يختلف عن قبور عامة الناس فسأل الدفان فقال إن الملك رحيم كان أوصى إن يدفن في قبر كعامة الناس وقد نفذت وصيته ...

وقف أبو احمد على القبر وقرأ سورة الفاتحة وبعد إن انتهى من قراءة سورة الفاتحة انتبه إلى كتابة على صخرة القبر مكتوب عليها ( دوام الحال من المحال  )!!!...
فقال أبو احمد بصوت عال جدا وماذا بعد القبر يا رحيم غير القبر ؟؟؟...

انشغل أبو احمد بالدنيا وأمورها وأحوالها مدة من الزمن ثم تذكر بعدها زيارة الأخ والصديق صانع الحمام ثم مالك الحمام ثم التاجر ثم الوزير ثم الملك ثم صاحب القبر ...
فذهب إلى المقبرة والغريب إن المقبرة قد حدث فيها تغيير كبير فتاه عليه قبر رحيم فذهب إلى الدفان وناشده إن يدله على قبر رحيم الملك فجاء به الدفان إلى إحدى الشوارع التي استحدثت في المقبرة لخدمة الإحياء ووقف في وسط الشارع وأشار إلى الأرض قائلا : هنا قبر الملك رحيم رحمة الله عليه !!!...

تعجب أبو احمد وتذكر مقالة رحيم  ( دوام الحال من المحال  ) !!!...

فقال صدقت أيها الرجل الطيب العاقل الحكيم رحيم فدوام الحال من المحال...

قال الله عز وجل وتعالى  (( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  )) سورة آل عمران / الآية 26

صدق الله العلي العظيم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فلاح العيساوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/06/25



كتابة تعليق لموضوع : دوام الحال من المحال
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net