صفحة الكاتب : جمال الهنداوي

التسعون بالمائة..من جديد
جمال الهنداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 في مثل هذه الايام الصعبة التي نمر بها, وفي ظل هذا الكم المتعاظم من النكبات التي تجثم على صدر العراق وتأخذ الوفاق الوطني على حين غرة, مصيبة النسيج الاجتماعي في اعمق مرتكزاته, قد يكون من المفيد التعاطي بانفتاح وتفاعل مع اي جهد مؤسسي يستهدف تحريك المياه الراكدة في الفوضى السياسية التي تضرب باطناب المشهد السياسي والامني في العراق..وضمن هذا الاطار عدت العديد من الاوساط, اعلان تشكيل لجنة تنسيقية عليا (دائمة) بين زعماء الكتل السياسية التي تصنف نفسها على انها قوى سنية, على انه جهد قد يفضي الى ايجاد قاعدة جيدة تتجاوز مأزق تعددية الاصوات التي تدعي تمثيل المكون السني الاصيل وهو ما قد يفضي , مع بعض التوفيق, الى وحدة الصف وجمع الكلمة، وطي صفحة الماضي بكل آلامها، ورمي الخلاف والاختلاف جانباً, خاصة مع ادعاء السيد  الناطق بإسم هذه اللجنة أن هذا التشكيل يمثل اكثر - وهذا ما نضع تحته الكثير من الخطوط- من تسعين بالمائة من الطيف السني.
ولكن هذه النسبة , مخلوطة بتطيرنا الطويل -والتاريخي- من الارقام التي تتجاوز التسعين بالمئة في كلام المتصدين للعمل السياسي, قد يثير الكثير من التساؤلات حول حجم التمثيل الحقيقي الذي تتمتع به هذه اللجنة وقاعدتها الجماهيرية وحجم المشاركة الشعبية الفعلية فيها,خصوصا ان رموزها لم يستطيعوا عقد اجتماعهم في الارض التي يدعون فيها الاتكاء على تفويض مكون كامل يمتلك من الحضور والقوة ما يمكن معه ان يؤمن عقد جلسة الاعلان عن هذه اللجنة على الاقل, ويبرر ولو قليلا مع الخطاب الذي تتبناه.
كما ان هذا التعجل والارتباك اللاهث في تشكيل اللجنة, بل وحتى في خطابها المنفصل عن الواقع - في بعض الاهداف المعلنة على الاقل- وتزامنه مع اشارات امريكية واضحة بعدم وجود طرف سني قوي في العراق يمكنها التعامل معه , يجعلها تبدو كانها استجابة ململمة على عجل لمتطلبات الاحاديث المتواترة عن مشاريع تقسيم العراق اكثر من كونه " توحيدا للمواقف ووضع خارطة طريق للرد على الإرهاب", وهو ما قد يشي بتكتيكية ومرحلية هذه الاعلان كنوع من الحصاد السياسي المستبق للاحداث اكثر من كونه توجها مبدئيا نحو ايجاد الارضية الملائمة لحل المتناقضات ما بين اطياف الشعب..
لا نريد مصادرة النوايا, ولا ندعي وصاية على العقول , ولكن هناك كثير من المبررات للتساؤل عن دلالة هذه التخندقات الطائفية في مثل هذا الوقت العصيب الذي تعيشه المحافظات التي يدعي اعضاء اللجنة تمثيلها والتي يعيش أغلب سكانها في مخيمات النازحين أو في مناطق متوترة بسبب القتال الدائر في معظمها أو بسبب حملات الجماعات المسلحة ضدها.
كما ان المسارعة للاصطفاف خلف مشاريع الاقلمة والتقسيم في مثل هذه الظروف لا يمكن ان يكون احد اشكال "تقديم العون إلى أهالي المحافظات التي تعاني من سيطرة تنظيم داعش", بل سيكون -بالتأكيد- المنزلق الكارثي الناتج عن غياب القدرة على التعاطي مع الواقع وما يمثّله من مخاطر تطال كلّ عراقي، من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب, كون مثل هذه المشاريع لن تفضي الا الى كيانات مشرعة الابواب امام تدخل هذه القوة أو تلك.
نتفق في تشوش الافق في هذه الايام التي يتحول فيها المشهد السياسي الى بازار كبير من الصراخ والصفق تؤمه الوفود ويخرجون وكل منهم بما لديهم فرحون , ولكننا لا تراودنا أي اوهام في ان مثل هذه الممارسات -وفي الظروف التي نمر بها بالذات - ليست الا وسيلة لتقويض بنية الدستور والقانون وتثوير الشارع تجاه اهداف عجز السياسيون عن تحقيقها بالوسائل والآليات الديمقراطية والدستورية.
 
ان تطورات المشهد السياسى الراهن تحتم بذل الجهود للخروج من دائرة الأزمة وانهاء حالة الاستقطاب السياسي، وما تفرضه من تحديات على صعيد إعادة بناء الدولة وترسيخ مؤسساتها، وان أى نقاش وطنى بين اطراف العملية السياسية حول المصالح العليا للوطن ينبغى أن تكون له الأولوية الآن، ولكن يجب ان تتوفر لهذا الحوار أجندة وطنية محددة بموضوعات متفق عليها وتفصيلات ملموسة ومحددة لا تخضع للتأويلات،وان تكون جميع الاطراف مخولة بطريقة واضحة للبحث في الامور الخلافية والتعهد بالالتزامات المتقابلة التي تترتب على جميع الاطراف.
ان ما تحتاجه محافظاتنا المنكوبة بالارهاب, وما نحتاجه جميعا, هو وقفة مع النفس لتعرف كيف يمكننا الوصول للحقيقة، ومن ثم التحرك على أساسها. وأن نخرج أنفسنا من سجون الذات والقبيلة والمذهب والحزب إلى فضاء الوطن الذي يسع الجميع, وان لا نستثمر هذه المنعطفات التي تمس مستقبل الوطن وسلامه وامنه في تحقيق مكاسب لحظوية غير مجدية, وتحويل الام الناس الى شعارات نستهدف من خلالها التطفل على معاناة الشعب ..واختطاف الامهم لبعث الروح في محاولات احياء مجد مضاع.
كما ان اللجنة الوليدة, وقبل الحديث عن النسب التسعينية يتوجب عليها الاجابة عن الاصوات المتصاعدة برفض التخويل لرموزها والتي تعالت من مختلف الفعاليات والرموز السياسية مما يضع حجمها التمثيلي تحت طائل التشكيك والادعاء, ويثير العديد من التساؤلات حول قدرتها على الوفاء بالالتزامات التي ستترتب عليها.
ان محدودية التخويل وضبابيته يحتم التوصيف الصحيح للجنة على انها لا تعد الا تكريسا لبعض العناوين والفعاليات على حساب المصالح العليا للشعب العراقي الصابر بجميع مكوناته, وانه لن تكون الا فقرة من السلسلة السمجة من التجمعات التي كانت تجبه دائما بالتشكيك والطعن بالمشروعية والاهم التحلل والتبرؤ من الالتزامات التي تتعهد بها للجهات المقابلة, والتي لن تكون مؤهلة للوفاء بها الا من خلال الشعار الواقعي الجامع المستند الى شرعية شعبية واضحة , وليس الى نسبة مئوية ملفقة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جمال الهنداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/11/29



كتابة تعليق لموضوع : التسعون بالمائة..من جديد
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net