قال الشاعر نزار قباني (انني رافض زماني وعصري ومن الرفض تولد الاشياء).. الرفض ومن اجل قضية اول امكانياته القدرة على إذكاء نار الجدل والجدل في الوصفة الثقافية عقار منشط للثقافة
ولعل ابرز ما اتسمت به كتابات احمد عبد السادة المليئة بالرفض ـ بما فيها مقالاته ـ هي قدرتها على تفجير الجدل ومن خلف هذه القدرة هنالك قضية تجديد شعري يؤمن بها وقد مكنته ادواته المعرفية وجرأته من نقد شكل (المقدس الثقافي) السالف الذي طالما تكلم عنه المحدثون بحذر شديد واقفين على حدود منطقته مجاملين الطرف الآخر او حريصين على اشياء اهم من النفاذ في نقده.سأتجنب الاطالة في هذا المقال الذي لا اريد فيه ان اتحدث عن مميزات قصيدة النثر او العمود غير ان هنالك بعض الملاحظات التي انتابتني اثناء قراءتي لمقالة نشرتها جريدة الصباح الغراء في يوم 26 / 8 / 2010 العدد 2045 للشاعر عارف الساعدي وتلقائية الربط بينها وبين لقاء تلفازي سبقها بيومين يقدمه الشاعر نفسه بثته قناة الحرة ـ عراق استضاف فيه الشاعرين (احمد عبد السادة وعمر السراي) ضمن برنامج (بالعراقي) وقد تضمنت بعض فترات اللقاء سجالا وجدالا حول احقية قصيدة النثر او العمود في حمل لواء المشهد الشعري العربي عموما والعراقي خصوصا فكان عبد السادة المدافع عن قصيدة النثر في كفه والسراي والساعدي (مقدم البرنامج) في كفة اخرى!! وقد افقده هذا الموقف صفة المقدم المحايد الذي عادة ما يكون هدفه توصيل طروحات بشكل موضوعي وسلس الى المشاهدين ليثير آراءهم او يحرك انطباعاتهم، وقد بدا هذا الانحياز واضحا عندما قال الشاعر عبدالسادة ان القصيدة العمودية ازدهرت في المناخات القومية والدينية حتى هب الساعدي قبل السراي بإجابة افتقدت الى الدقة بسبب ردة فعل عاطفية اولا وعدم فهم بسيط لما قاله عبدالسادة ولم يجد المقدم سبيلا للرد على طروحاته الا بعبارة (اسمعنا يا عمر قصيدة عمودية) وبطريقة فكاهية هي اقرب الى منتديات السمر الخاصة منها الى لقاء تلفازي يطرح قضية ثقافية مهمة. وبعد يومين نشرت ثقافية الصباح مقالة كتبها الشاعر عارف الساعدي بعنوان (من ذبح الابقار المقدسة الى عبادتها ) وجهها الى الشاعر احمد عبد السادة، ولم توفق المقالة في تناولها للإشكال النقدي بين قصيدتي النثر والعمود وفي فهمه لطروحات عبدالسادة والمنطقية الادبية التي يشتغل ضمنها، حيث انه كان يدخل كرا ويخرج فرا منها مبتدئا بمجاملة لعبدالسادة (انك تتبنى مفهوم الحداثة وانا اشد على يديك..) تتناقض تماما في قوله الغاضب الذي نسف فيه كل رأي وكلمة لعبد السادة (.. فكل الذي تطرحه سائب وغير منضبط..) معتمدا على ما جاء في مقالة (السلفية الشعرية) لعبد السادة ( الصباح 14 / 9/ 2006) ولا ادري لماذا لم يقرأ الساعدي العبارة المحصورة بين قوسين في المقالة اعلاه التي تقول (لابد من التأكيد بأنني اعني الشعراء العموديين الذين يكفرون قصيدة النثر فقط).اما فيما يخص الاتهام المتعلق بإقصاء الآخر فانا بدوري عرفت عبدالسادة منذ اكثر من اربع سنوات محررا في الصفحة الثقافية ينشر الآراء والطروحات المضادة له والقصائد العمودية والتفعيلة بل هو نفسه كتب قصيدة عمود وشارك فيها باحدى المسابقات الشعرية محرزا المركز الثاني.اما عن (الاطمئنان) الذي تكلم عنه واصفا اياه (بآفة كل عمل ابداعي) متهما عبدالسادة بالاصابة به مجردا اياه من اي قلق تجاه نصه الشعري وهذا القلق (والكلام للساعدي) منع عبد السادة من تجاوز شعراء النثر الآخرين!! وهنا بدأ يخلط بين الاطمئنان المتأتي من الشكل الشعري الذي ينتج ضمنه الشاعر وبين الاطمئنان المتأتي من منتج الشاعر الشخصي، فضلا عن ذلك فإن حالتي القلق والاطمئنان مرتبطتان بجوانب اخرى من نفس وحياة الشاعر ونسبيتان بالشكل الذي لا يمكن استخدامهما بهذا التجريد.ويقع الساعدي في فخ التناقض عندما يعلن انه ليس ضد قصيدة النثر وانما هو ضد الرديء منها متناسيا انه في لقائه المتلفز بدا واضحا انه ضدها ولو ضمنيا.. وقد تمادى كثيرا عندما اخذ على عبد السادة عدم امتلاكه لمقومات الدرس النقدي الحديث وعدم اكتمال عدته النقدية والرؤيوية.. في الوقت الذي وضع نفسه هو بمكان الناقد المدجج والمفعم بكل نظريات وادوات النقد، قبل ان يختتم مقالته متمنيا ان لا يكون قاسيا على عبد السادة، وفي حقيقة الدرس الادبي والاعلامي انه كان قاسيا على نفسه بشكل اكتملت اثارته عندما وضع نفسه في موضع الشاعر والناقد المتمكن والمعلم الناصح لصديق!.