كتبنا في مقالة سابقة عن كسوف الأخلاق عند الساسة واليوم نحاول أن نوضح الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها السياسي حتى يكسب الاحترام من قبل أبناء شعبه ، وكما معلوم أن أي تصرف أو كلمة ينطقها السياسي لا بد أن تدخل في الكثير من التحليل والتفسير، وهنالك من يحاول تأويلها بشتى التأويل السلبية والايجابية ولكن مهما كان التأويل محكمة ، فالحقيقة تكون أقوى وانصع منها ،وهذا يعني أن على السياسي أن يمتاز بطول البال والصبر والتحلي بحسن الألفاظ والحكمة التي يفترض أن تكون متلاصقة ومنصهرة مع الشخصية السياسية ، وإلا أصبح مجرد صعلوك من الصعاليك الذين فرضوا على الشعب بقوة البندقية أو بقوة الأجندات الخارجية أو بالدعم الصندوقي المزيف الذي من الممكن شراءه بعد أن يتم دفع بعض الأموال لشيوخ العشائر أو شراء الذمم ، وللأسف هنالك الكثير من الذين ارتقوا السلم السياسي بهذه الطريقة المخجلة .
من أهم سمات السياسي الناجح هو حبه للوطن قبل حبه لذاته ، وحب الشعب قبل حب أفراد عائلته ، والاهتمام بهموم الناس قبل الاهتمام بهموم أولاده وأصدقائه ، والسهر على راحة الناس قبل السهر على راحة عشيرته وأبناء الحي الذي ينتمي إليه ، وفوق كل هذا الصدق ثم الصدق ثم الصدق .
بعد سقوط الطاغية تنفس الصعداء واغلبنا من توقع أن الخير قادم لا محالة ، والديمقراطية ستلازم هذا البلد وتصبح صفة ملاصقة لعقول أبناء البلد حتى من كان متأثراً بالعقلية الشمولية حين يرى الخير والعدل والإنصاف سيتأقلم مع المتأقلمين من أبناء بلده إن كان فعلا يحب البلد، ولكن يبدو لي أن الكثير من ساستنا وللأسف الشديد نراهم يتكالبون ويبحثون عن مغانم فئوية سلطوية لا تخدم العراق حتى وان حاولوا تسخير كل الأقلام والألسن لنصرتهم فهم مكشوفون ، فاللون الأبيض لا يمكن أن يكون اسود والأسود لا يرهم معه الطلاء ليصبح ابيضا ناصعا .
كيف يحسب نفسه سياسيا وهو من يتفنن في نطق عبارات بطريقة بوليسية وكأننا عدنا لما قبل سقوط الطاغية ، وكيف يريد منا أن نثق به وهو بهذا المستوى العالي من القذف لزملاء له في العملية السياسة ، إن كان مع زملائه هكذا فكيف سيكون مع ابن البلد البسيط ومع العامل والفلاح والموظف البسيط ومع الشاب والطالب .
للأسف لم أرى احد الساسة يتكلم بطريقة مهذبة وبأسلوب راقي وبلغة رصينة إلا السيد المالكي، وإلا لو راجعنا أرشيف اللقاءات المتلفزة مع اغلب ساستنا لوجدناهم مجرد رجال جاءوا بغفلة من الزمن ليستلموا مهام لا يستحق أن يكونوا أهلا لها حتى في أحلام اليقظة .
يبدو لي أن الأخلاق مهما حاول احدنا أن يصبغها بطريق معينة لا بد أن تظهر للعيان حقيقة المعدن الأصلي ، وبالتاكيد للطفولة والتربية المنزلية أثراً بالغاً وواضحاً عليها مهما حاولنا من إخفائها ، وإلا ما فائدة التربية الصحيحة لأولادنا إن كانوا في نهاية المطاف يتغنون بلسان معتق بالألفاظ النابية والتي تدل على السقوط الاجتماعي وربما نشبع شتائم ونحن في قبورنا نائمون .
أتمنى أن يقرأ هذه المقالة كل سياسي في عقليته حب شمولي للأخلاق الشمولية معتقدا انه هتلر أو خليف صدام أو نابليون أو وريث شرعي للعصابات المافوية والتي ترعرعت في أزقة صقليا دون أن يكون لها ولاء لأخلاق أو مبدأ إنساني أو حضارة يتغنى بها أبناء جلدته ليرى كيف أن السياسي إن كان بلا أخلاق ما هي ردود أفعال اهل البلد .
الأخلاق الحميدة هي التي نحصل على ثمرتها بسهولة وتبقى هذه الثمرة حتى وان أصبحنا مجرد أسماء معلقة في تاريخ البلد وصور أو تماثيل في متاحف الوطن ، وحتى إن كانت الأخلاق مبنية على الرذائل فهي أيضا تبقى معنا ملاصقة لأسمائنا كما نعلم مثل مسيلمة الكذاب وأبو جهل وغيرها من الأسماء التي دخلت التاريخ من الباب الأسود وستبقى محبوسة في هذا السجل حتى وان غيرنا التاريخ من الألف إلى الياء .
فحذاري يا ساسة فالتاريخ لا يرحم وكأنه تمساح ينتظر الفريسة على ساحل الشاطئ ونحن كلنا قرب الشاطئ ننتظر كيف أن نتعامل مع التمساح وهو يعرف كيف يقتنص الفريسة ونحن لا نعرف فنون الدفاع
أتمنى أن يفهم ساسة اليوم مفردات ما نكتب ويقرؤون خلف سطورنا من معاني وعبر حتى تكون الرقبة طويلة جدا لتصبح مرشح وكاتم للأصوات المزعجة .
صاحب ابراهيم
alimwi@yahoo.com
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat