صفحة الكاتب : حيدر محمد الوائلي

وصلت النمسا
حيدر محمد الوائلي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
رن منبه هاتفه النقال يبث ضجيج الأستيقاظ أن ياهذا المنسي الراقد قد حانت لحظه الهروب. دون تناول لقيمات الفطور ولا ترتيبات الوداع اخذ حقيبته الصغيرة المملؤة بمستمسكات تبثت انه ابن هذه الارض المهروب منها. 
ثلاثه اصدقاء ينتظرونه بركن الشارع. التحق بهم لمراب المدينه الكبير قاصدا ماكانت ذات يوم عاصمة العلم والأدب والعمران (بغداد) ومنها بطائرة لتركيا. في جو الله تأمل جبال الغيوم وغبار ارض الوطن الذي كان يسمى ارض السواد لكثرة أشجاره الخضراء وثماره اليانعة. عصره الحنين ودمعت عيناه لذكريات الطفولة، لأصدقاء الشارع وأبناء الجيران، لوالديه اللذين لم يصدقا نبأ الهروب. 
ولأن العقل ميّال للاسترداد العشوائي للذكريات فتذكر سنوات الحصار والم الجوع وجحيم الحكم البعثي وتذكر كيف تحول حلم سقوط الدكتاتورية لكابوس جراء سوء صنيع ارباب الدين والسياسة. ولأن العقل ايضا يقود صاحبه للمنطق احياناً فتذكر ان لا كرامة كانت له في بقايا الوطن. وتذكر خيانه المؤتمن للأمانه وتذكر انها حياة واحدة فما جدوى الإصرار في البقاء مهانا.
تذكر طابور التقديم على التعينات وكيف ان لجنة التعيينات ملؤا قوائم الموافق على طلباتهم من ابناء الأقارب والمتنفذين وانه وجموع الخلق من اقرانه عوملوا معاملة الحمير. تذكر أن جواز سفره استخرجه برشوة. يهذب البعض الرشوة فيسميها (اكراميات). تذكر كيف أن المناصب وزعوها ملكاً عضوضاً على من كانوا لاجئين من قبل بسبب الدكتاتورية فعادوا من بلدان التقدم والأزدهار ليخربوا بلدانهم.
طافت به ذكرى وطن وجذور وتاريخ. ذكريات أرض الحضارة والنفط والثروات. أرض أخرجت مفكرين ومبدعين وعلماء. ذكريات عاشوراء وسرادق العزاء الحسيني وزيارة الحسين والعباس واباهما. ذكريات كأس اسيا والأحتفالات بالفوز. احلام يقظة توجي له بأنهم باقون وارباب الفساد زائلون.
تفجر صوت الطيار منبهاً الركاب بأنهم عما قريب هابطون فكان صوته كصفعة على وجهه أن استيقظ وأكمل المسير فلا تصلح الأحلام ما أتلفه الواقع.
من تركيا بسيارة الأجرة للساحل ومن ثم لمركب متهالك يبحر بهم وسط تلاطم الأمواج. قالوا لهم ابحروا بهذا الأتجاه وسيلوح افق اليونان عما قريب. التحق بالأربعة أربعة اخرين. ساروا وعذب الهواء يبعث لهم بأمل الخلاص عما قريب. وسط البحر أصدر المحرك صريراً ينبأ بسوء. ينفجر على حين غرة محدثاً فتحة في المركب تغرقه. طفوا بستر نجاتهم وسط الماء ولكنهم الان خمسة فقط. غرق ثلاثة. اثنان من اصحابه وواحد من هؤلاء الملتحقين بهم. من وسط البحر كان الله اقرب لهم من ذي قبل. أحسوا كم الله عظيم وسط عظيم تموج الماء. دعوه بخشوع كما لم يدعوه من قبل. بقوا على تلك الحالة ثمانية ساعات. من وسط البحر يلوح مركب صيد. صرخوا بملأ الفم مستنجدين. سمعهم الصياد اليوناني ينتشلهم من وسط الماء يأخذهم لحدود اليونان. من هناك اتفقوا مع سمسار من سماسرة المهربين.  
مشوا فلقد اعتادوا المشي لتدبر المعيشة. هرولوا فلقد اعتادوا الهروب من تفجيرٍ إرهابي أونزاعٍ مسلح بين ميليشيات. من اليونان لصربيا لهنكاريا. ورثوا من ابن بطوطة الترحال. من وسط الغابات والسهول مشياً وهرولة. يُلقى عليه القبض وحده من قبل الشرطة الهنكارية وفر من كان معه ناجياً. يودع السجن ثلاثة ايام وسط انتهاكات. من المعروف على بلدان اوربا الشرقية غلظة المعاملة وشيوع الفساد. يُطلق سراحه فجأة مثلما القوا القبض عليه فجأة. أصبح امل النجاة قريباً فهي مسيرة ليلة ويصل النمسا حيث الخلاص.
وما إن بزغ الفجر حتى علم أنه في النمسا. غمرته فرحة المستكشف وكأنه اكتشف ارضا لم تطأها قدم. 
من هاتفه بعث برسالة لأبيه من على احد تطبيقات الهاتف الجوال ليبث الطمأنينة في نفس أبيه وفي نفسه. كان نص الرسالة كلمتان لا ثالث لهما: (وصلت النمسا).

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر محمد الوائلي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/09/10



كتابة تعليق لموضوع : وصلت النمسا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net