صفحة الكاتب : صالح الطائي

السدر اختلاف المقصد وتنوع الفهم
صالح الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عندي في بيتي شجرة سدر عملاقة ربما يزيد قطر جذعها عن الأربعة أمتار، امتدت أغصانها تحت أسس داري ودار جاري، وصدعت الحيطان، وهددتنا بالخراب، فكثر بيننا العتاب، ولذا قررت أن أغامر بقطعها لأنقذ بقايا بيتي الآيل للسقوط من مخاطر الجلوس أو الهبوط، وكانت زوجتي أول المعترضين خوفا عليَّ في الدنيين، كما اعترض الإخوة والأصدقاء، وتوسلوا إليَّ بالأحياء والأموات أن لا أرفع الغطاء، ولا أجزل العطاء، وأصرف النظر عن هذا الخطر، ولكي أقنعهم وأقنع نفسي أن في حياتنا المعاصرة مئات المواطن التي هي أشد خطرا مما أنوي القيام به، كتبت هذا الموضوع، علني استجمع شجاعتي وأقدم على قطع السدرة، ولا أزور الحفرة.!
 
إن السدر يا سادتي شجر قديم قدم التاريخ، لا يختلف كثيرا عن غيره من الشجر، سوى بأشواكه الحادة وثمره الصغير، وكونه يزرع عادة في المغتسلات والمقابر، ليُغسل الميت بورقه، وهو سدر أرض، يقصد به السدر الموجود في المزارع والطرق والوهاد. وسدر قرآن ويقصد به تلك السدرات التي ورد ذكرها في الكتاب العزيز، ومنها سدر الجنة المخضود، كما قوله تعالى: {وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود}. والمخضود معناها: الحمل الكثير المتراكم على بعضه، أو السدر الذي الذي خُضد شوكه: أي قطع، أو أنه لا شوك فيه من أصله، لكي لا يؤذي أهل الجنة؛ التي قال أمية بن أبي الصلت، يصفها: 
إن الحدائق في الجنان ظليلة
فيها الكواعب سدرها مخضود
 
ومن السدر القرآني، سدرة المنتهى، هي كما وصفها النبي وأهل بيته الأئمة المعصومين، شجرة  لها أوراق وذات ضلال في السماوات. جاء عن أنس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى، فإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال، فلما غشى من أمر الله ما غشى، تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، وأوحى إلي ما أوحى، ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة".
سميت سدرة المنتهى بهذا الاسم لأنها كما قال المفسرون: منتهى ما تعرج إليه الملائكة وأراح الشهداء والصديقين بل وعلوم الأنبياء والمرسلين وأعمال الناس أجمعين، فهي الحد الفاصل بين المسموح واللامسموح، لأنها منتهى ما مسموح به للمخلوقات أن تعرج إليه، وعلى حد ما وصلنا من أخبار، لم يصل إلى سدرة المنتهى سوى نبينا الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى}. 
وهي حسب الوصف النبوي  شجرة عظيمة تمتد بين السماوات السادسة والسابعة، وحسب ما جاء عنها في الكتاب العزيز، عندها تقع الجنة كما في قوله تعالى: {عندها جنة المأوى}
 
أما شجرة السدر الأرضية فقد حظيت بتكريم آخر يوم صنع اليهود من أغصانها الإكليل الذي وضعوه على رأس السيد المسيح حينما اقتادوه في طريق الآلام.
ولذا حظي هذا النوع من الأشجار بكثير من الرهبة التي تشبه القدسنة لدرجة أن الناس تخاف وتنهى عن قطع شجرة سدر، وتعتقد أن من يقطعها لابد وان يصيبه مكروه، وعليه أولا وأخيرا أن يقدم ذبيحة لوجه الله عسى أن يتجاوز الخطر ولا يتعرض للحظر.
إن الخوف من التحرش بشجرة السدر موروث شعبي قديم واعتقاد ضُخم أكثر من كونه حقيقته ملموسة، بسبب أن هذا الاعتقاد وجد تعضيدا وشرعنه من حديث ورد سنن أبي داود عن عبد الله بن حبشي الخثعمي، قال، قال رسول الله: "من قطع سدرة، صوب الله رأسه في النار".ومع وجود مثل هذا الحديث، أي مجنون يجازف بقطع سدرة؟! ومع هكذا حديث من حق عامة الناس أن ترتعب لمجرد سماع هذا التهديد الخطير. وهذا يقودنا إلى الحديث عن المشاكل التي تسبب بها بعض رواة الحديث، والتي لا زالت آثارها شاخصة إلى اليوم.
إن العلة في مثل هذه الأحاديث أن الراوي، وهو في حالتنا هذه "ابن حبشي"، يحرز أو يحفظ جزءً من الحديث، ويهمل الجزء المتمم لمعناه، فيتسبب بمثل هذه الفوضى، إذ المعروف أن النبي نهى عن قطع أشجار السدر، ولكن أي تلك الأشجار نهى عنها؟ هل نهى عن قطع جميع أشجار السدر، بأي مكان كانت، أم أشجارا بعينها؟ وهل كان النهي لسبب عقدي أي تحريمي أم لأسباب أخرى؟ 
لقد قال شُراح الحديث أن النبي الأكرم: "نهى المسلمين عند قطع أشجار السدر البرية التي تنبت في الفلاة (البراري) عبثا وظلما بغير حق يكون له فيها، لأنها أشجار يستظل بها ابن السبيل وتستظل بها البهائم، وتبيت عليها الطيور. فإن فعل، وخالف، وقطع مثل هذه الأشجار المهمة، "صَوبَ اللهُ رأسه في النار"، أما غير ذلك فمباح ولا ضرر ولا ضير من قطعه والإفادة من خشبه. 
وهذا ما فهمه الكثير من الصحابة وأبناؤهم، ولذا كان بعضهم يزرع السدر ويستعمل أخشابه للأغراض المنزلية والصناعية، حيث كانوا يتجنبون قطع أشجار السدر التي في البرية، ولكنهم في ذات الوقت، يزرعون السدر، ويقطعوه ليستخدموا أخشابه في صنع الأدوات وفي البناء، وفي الحديث الذي أورده أبو داود في سننه، أن حسان ابن إبراهيم، قال: سألت هشام بن عروة عن قطع السدر؛ وهو مستند إلى قصر عروة ، فقال: أترى هذه الأبواب والمصاريع، إنما هي من سدر عروة، كان عروة يقطعه من أرضه، وقال: لا بأس به. زاد حميد، فقال: هي يا عراقي جئتني ببدعة؟ قال: إنما البدعة من قِبَلِكم، سمعت من يقول بمكة: لعن رسول الله من قطع السدر". وعروة هذا هو بن الزبير، صاحب حديث، وراو معروف، ما كان ليخفى عنه تحريم القطع كليا لو كان ذلك صحيحا.
إن هذه الهنات على بساطتها أسهمت بخلق معارف جديدة أضيفت إلى المعرفة الدينية وتسببت بخلق الكثير من الفوضى والمشاكل التي نعيش تداعيات بعضها اليوم بعد أن وجد بعض المسلمين أحاديث تبيح لهم قتل المسلم الآخر لمجرد الخلاف معه في الرأي لا أكثر.!

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صالح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/09/06



كتابة تعليق لموضوع : السدر اختلاف المقصد وتنوع الفهم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net