صفحة الكاتب : بشرى الهلالي

كن اعمى لترى
بشرى الهلالي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 في إحدى المدن الفرنسية، أنشأ شخص فاقد للبصر مطعما لمن يماثله في ذلك، فكل من يعمل في هذا المطعم بدءا من صاحبه وصولا الى الطباخين وعمال الخدمة هم ممن حرموا من نعمة البصر، فتعايشوا مع الظلام ولم يركنوا اليه في حياتهم بل أناروا الفكر ببصيرتهم. أما كيف فعلوا ذلك، فلأنهم فتحوا أبواب مطعمهم لرواد من المبصرين، مع شرط واحد، قد يبدو غريبا للبعض. في مطعم فاقدي البصر هذا إشترط صاحبه على رواد المطعم أن يعيشوا في الظلام بدءا منذ لحظة دخولهم، حيث يتناولون طعامهم في ظلام دامس، فيكون الزبون مجبرا على أن يتعلم كيف ينقل خطواته في المطعم وكيف يختار طعامه ويجد طريقه الى فمه دون أن يشعل ولا حتى عود ثقاب. والهدف من كل هذا هو أن يشعر المبصر بأخيه فاقد البصر ويفهم معاناته كي يكون عونا له في الحياة.
وأنا أستمع الى هذا الخبر من إذاعة مونتي كارلو، مر أمامي شريط الاخبار الذي بث بالامس خبرا مصورا لزيارة بعض المسؤولين للنازحين من الرمادي الى بغداد. لااعرف لماذا ظلت صورة ذلك الشاب عالقة في ذهني، ربما شرود عينيه وهو يتحدث الى نائب رئيس الوزراء الذي يحاول بكلماته أن يبث الحماس والاطمئنان في قلبه. شعرت بلسان حاله يقول: وماذا أفعل بالكلمات، بعد قليل سترحلون أنتم وحماياتكم وكاميرات التلفاز لأظل وحيدا في العراء، وحتى إن فتحت لي أبواب بغداد وتنازلتم علن شرط الكفيل، هل سيعيد الي ذلك ماتركته هناك حيث كنت أعيش؟
الجميع يتحدث عن مشكلة النازحين، فقد تحولت الى الزبدة الطازجة التي يدهن بها المسؤولون حناجرهم وهم يستهلون أحاديثهم من على القنوات الاعلامية، كما تحولت الى هتاف تتشدق به منظمات المجتمع المدني وفقرة تضاف الى برامجها في كل احتفالية أو ندوة، فضلا عن انها أصبحت باب رزق للبعض من الذين تسلموا الملايين باسم النازحين الذين إكتوت أيديهم بالنار. فحالهم كحال (الهام شاهين) في احد الافلام الذي تدخل فيه مسابقة اعلان عن علكة فتجد نفسها وقد فازت بشقة فخمة في منطقة راقية من خلال القرعة. وبعد الضجة الاعلامية التي ترافق الخبر وعدة لقاءات تلفزيونية ومقابلات وشهرة، تكتشف انها فازت ب (شقة مفروشة) وبعقد ايجار، وفي منطقة شعبية والشقة لاتمت الى الفخامة بشئ، ومع ذلك تقبل بنصيبها، الا ان الصدمة تكون كبيرة عندما يخبرونها بأن العقد سينتهي بعد ثلاثة أشهر وعليها أن تخلي الشقة.
حال النازحين في بلدي لايختلف عن ذلك، فكل ماقيل عن التعاطف والتعاون معهم وتوفير سبل العيش الكريم لهم ليس الا كلمات اذا ماقورنت بوضع أي إنسان وجد نفسه فجأة دون بيت وعمل ومال، وكل مايملكه هي حياته وحياة عائلته مما يجعل الحياة نفسها عبئا ثقيلا. وفي حقيقة الامر، ان مشكلة النازحين لم تعد تخصهم وحدهم، بل تعدت ذلك الى المحافظات التي نزحوا اليها وابناءها، فكم من المتغيرات التي ستبرز لتشكل هموما حقيقة على الصعيد الاقتصادي والامني والحياتي.
ان مايحتاجه النازح ليس زيارات أو مساعدات أو خيم، بل يحتاج لأن يسكن المسؤول معه ولو ليوم واحد في خيمته ليشعر بما فعلته يداه بقومه.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


بشرى الهلالي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/05/02



كتابة تعليق لموضوع : كن اعمى لترى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net