الدفاع العربي المشترك (تساؤلات..أسباب..نتائج)!
محمد الحسن
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الحسن

معاهدة الدفاع العربي المشترك, صيغة نظرية يمكن وصفها كأحدى بروتوكولات تأسيس جامعة الدولة العربية؛ تاريخ المعاهدة يعود إلى سنة 1951, المفاجأة إنّ العرب قرروا تطبيقها بعد ما يقرب من سبعةِ عقود, والأغرب أن يتم تطبيقها على شعب عربي, فضلاً عن المداليل الطائفية للتوقيت والتعامل وفك جليد تلك المعاهدة المجمدة!..
من التساؤلات الكثيرة التي تطرح في هذا الإطار: كيف توحّد العرب في هذه الطريقة السريعة؟ ولماذا لم تحصل وحدهم إلا مع اليمن التي تشهد حراكاً مشابها لما حصل في مصر وليبا وتونس؟ ولماذا ثارت حمية العرب على (شرعية) اليمن ولم يحركّوا ساكناً تجاه شرعية النظام السوري الذي يواجه (داعش والنصرة) أكثر المنظمات الإرهابية خطراً؟..العراق الذي أُعلنت به (خلافة) إرهابية, ما هو الموقف العربي تجاهه؟..وما هو دور باكستان وتركيا في معاهدة الدفاع العربي المشترك؟!..
إعلان السعودية عن إنتماء (باكستان وتركيا) لحلف الجيوش المحاربة للشعب اليمني, يعكس تخبطاً في القرار وتسّرعاً غريباً, فمن ناحية لا يوجد ربط بين تبرير حرب اليمن على إنها جائت ضمن معاهدة الدفاع العربي المشترك وبين إنضمام وتأييد باكستان وتركيا لهذه المعاهدة!..ومن ناحية أخرى؛ فهذا الإنتماء يثبت بوضوح إنّ اليمن وسيلة لإهداف أخرى, وما الوجود الباكستاني والتركي إلا محاولة (لإضفاء) حالة من الرعب موجّهة للقوى المستهدفة بهذه العملية, بمعنى آخر: هو إرتداد للمخاوف السعودية من أي تدخل إيراني محتمل وإدراك الخليج بعدم قدرته على مواجهة إيران, وبالتالي أرادت السعودية القول إن أي رد إيراني هو إعتداء على باكستان وتركيا (السنيتين) وعندها ستشتعل الحرب الإسلامية الأولى!..
والظاهر لغاية الآن؛ إنّ الإشتراك الباكستاني والتركي وحتى المصري الفعلي في معركة اليمن لن يتحقق, بل هناك مواقف تم شراؤها بشتى الطرق.
بالعودة على إنشاء (جيش عربي مشترك) ينطلق من معاهدة الدفاع, والذي يفترض أن يواجه الإرهاب؛ فهنا ينبغي وضع تعريف واضح وشامل للإرهاب, فهل الإختلاف العقائدي مع أصحاب المال الخليجي يمثّل إرهاباً؟! وما هي المساحة التي ستقاتل بها تلك الجيوش, ما شكل القيادة, ما طبيعة العقيدة العسكرية لها, وما هي قواعد الإشتباك الخاصة بها؟..
إنّ هذه الأسئلة تفنّد إمكانية قيام تحالف عربي بهذه السرعة؛ لإن العملية بحاجة إلى تفاوضات وقناعات مشتركة, إبتداءاً من القضية الفلسطينية ومروراً بتحديد أعداء العرب من أصدقاؤهم وصولاً إلى تعريف الشرعية في كل بلد عربي وما هي المقومات التي ترتكز عليها. ومن هنا, يتضح إنّ القرار السعودي بتنفيذ غارات جوية على اليمن, ما هو إلا معالجة لمشكلة سعودية أكبر من إستشعار خطر هنا أو تهديداً هناك. بيد إنّ هذه المعالجة تفتقد للشرعية والقناعة الراسخة, فضلاً عن كونها لا تعكس إستشعاراً لخطراً حقيقياً بقدر ما هي عملية تسيّد عبر علاقات مشبوهة يدفع ثمنها العرب أنفسهم!..
إنّ التميّز بالعلاقة الأمريكية-السعودية, لم يمنع الأمريكان من التعامل مع الجديد الذي أفرزته معادلة الميدان في كثير من القضايا التي محورها خلاف (إيراني-سعودي). ولعل أبرز تلك الملفات, القضية السورية, والوضع العراقي؛ إذ إنّ التقدّم الميداني الذي فرضته القوات المسلحة في كلا البلدين الحليفين للجمهورية الإسلامية, يعود بدرجة كبيرة إلى الدعم الإيراني؛ وبما إنّ السياسة الأمريكية البراغماتية تتعامل مع الأقوى, فقد حصلت تطورات مهمة في ملفات أهم يمكن أن تقود إلى شكل جديد في العلاقات المبنية على مصالح مشتركة..الملف النووي, الحل السوري السياسي, الإصرار الأمريكي على مساندة القوات العراقية ضد الإرهاب؛ كلها معطيات تثبت تبني الأمريكان لنظرية (الأرض للأقوى). هذا الأمر إستفز السعودية التي تعتبر أي علاقة شرق أوسطية مع الولايات المتحدة, يجب أن تأتي من خلال بوابة المشروع السعودي, وكنتيجة لهذه التطورات التي أحدثها الميدان ومن مبدأ (الأرض للأقوى) أرادت المملكة أن تضيف عاملاً آخراً لعلاقتها مع الأمريكان, من خلال فرض قوتها وإثبات قدراتها العسكرية. جاء إختيار اليمن, الذي يمثّل بنظر السعودية الحلقة الأضعف في محور المقاومة, والأكثر قرباً لها, فضلاً عن غياب فرصها في كل من الساحة العراقية والسورية, سيما بعد إعلان وزير الخارجية الأمريكي "الأسد جزء من الحل في سوريا" وإصرار أمريكا على دعم القوات العراقية الضاربة للإرهاب.
بيد أنّ السعودية أرادت محاصرة أي إحتمالات واردة تحبط هذه التدخلات ضد اليمن, وعلى رأس تلك الإحتمالات؛ التدخّل الإيراني المباشر, فأعتمدت على باكستان, تركيا, ومصر..فضلاً عن توسيع قاعدة حملتها العسكرية لتشمل أغلب البلدان العربية.
إنّ فرضية إنهاء عملية عسكرية بأهداف معلنة (إعادة الرئيس منصور) من خلال الجو, تعد فرضية ساقطة ولا يمكنها أن تقدّم حسماً ولو نسبياً, وبالتالي فإنّ الخيارات التي تؤدي إلى النتيجة المرجوة من هذه الحملة تبقى محدودة جداً:
الخيار الأول/ نزول قوات برية سعودية أو خليجية, وهذا الأمر مستبعد, بدليل إنّ الأخبار تفيد بإنّ المملكة مشغولة بحماية حدودها من الحوثيين أكثر, أي إنها تفكّر بالدفاع ولا توجد معطيات تشير إلى إمكانية تقدّم قوات سعودية على الأرض. ولو إفترضنا حصول هكذا أمر؛ فإنّ المعركة لن تكون تقليدية, وهذا يجعل فرص الإنجاز العسكري السعودي ضئيلة جداً, إضافة إلى الفروقات العقائدية والإجتماعية والمعنوية بين الجندي السعودي والجندي اليمني, إذ إنّ التفوّق للأخير بصورة لا تقبل الشك.
الخيار الثاني/ الإعتماد على قوات مصرية, وهنا قد يغامر السيسي بأمن المنطقة بصورة عامة وأمن مصر على وجه الخصوص, وكنتيجة للخبرة العسكرية للرجل, فهو يُدرك صعوبة تحقيق الهدف المعلن من الحملة بهذه السهولة, الأمر الذي يجعله أمام تضحيات كبيرة سيتحملها الجيش المصري الذي يواجه خطراً في سيناء, وصراعاً مائياً مع أثيوبيا. إنّ الفعاليات الثقافية والإعلامية والفنية المصرية, ما زالت تتمتع بروح قومية تقترب كثيراً من متبنيات محور المقاومة, وتبتعد عن المحور الخليجي, وبالتالي فأنها ستؤسس لرأي عام رافض لمثل هذه المغامرة بالجيش المصري الذي صار ينظر له كـ"مرتزقة" بعد الدعم الإقتصادي الذي يعد ثمناً لهذا الموقف المصري بحسب بعض المصريين!..إذن فعملية دخول قوات مصرية إلى اليمن, تعد عملية معقدة جداً ومغامرة مجهولة النتائج, علماً إنّ بعض الدوائر المقربة من الرئاسة المصرية سرّبت أخباراً عن "إستحالة ذهاب قوات مصرية إلى اليمن".
الخيار الثالث/ قوات أجنبية, وهذا بالإعتماد على الجيش الباكستاني أو التركي, وهذه الفرضية بعيدة جداً عن الواقع, فحتى الإعلان عن إشتراك باكستان في العملية كان غامضاً, وجاء إيضاحاً باكستانياً يؤكد إنهم سيقفون ضد "الإعتداءات التي تتعرض لها السعودية" بمعنى إنهم لن يهاجموا برياً..تركيا (الإخوانية) برغم عدم تمتعها بعلاقة مميزة مع السعودية (الوهابية), فإنّ حماسها لكسر المحور الإيراني قد يدفعها لمغامرة في سوريا أو العراق وبشكل خفي, لكن أن تذهب أبعد من ذلك, فالأمر يبدو بعيداً؛ إذ إنّ المعارضة التركية متأهبة لأي مغامرة أردوغانية. إنّ خيار التدخل الأجنبي في اليمن, سيؤدي إلى فتح باب الإحتمالات على مصراعيه, ولعل أهم تلك الإحتمالات, هو اللعب على التناقضات بين الحلف الهش (تركيا-مصر) (مصر-قطر) وغيرها من الدول, وهذا ما يؤجج روحاً شعبية رافضة لدى البلدان العربية الكبرى (مصر, ودول المغرب), فضلاً عن ثبات الموقف العراقي والسوري والعماني والجزائري من هذا الحلف.
الخيار الرابع/ الإكتفاء بالإنتقام الجوي. هذا الخيار يبدو أقرب للواقع, لكنّه سيؤدي إلى فشل الهدف الرئيسي للحملة, الأمر الذي يثبت الضعف السعودي بطريقة عملية, بمعنى إنّ ما أرادت المملكة إثباته للعالم والأمريكان, ثبت عكسه!..
إنّ هذه النتيجة, ستؤدي إلى إنهيار الحلف من جهة, وإلى فشل سياسي وعسكري في أول إختبار للقيادة السعودية الجديد, وبالتالي فهي (المملكة) تحرق جزءاً من أوراقها المهمة بهذه المغامرة, ومن جهة أخرى فإنّ الحوثيين لن يسكتوا على هذا الإعتداء, الأمر الذي قد يدفع بعض دول الخليج للتفاوض معهم, وهذا يعطي عناصر قوة أخرى لجماعة أنصار الله والقوى المتحالفة معها في اليمن.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat