صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

بابيلون ح12
حيدر الحد راوي

ذات ليلة , بينما كان ينامي الحكيم يتابع عمله , دخل عليه احد الحراس : 

- سيدي ! . 

- ماذا وراءك ؟ . 

- القينا القبض على مجموعة من الافراد كانوا قد عبروا حدود دولتنا ! . 

- كم عددهم ؟ . 

- عشرون ! . 

- اين هم الان ؟ . 

- في الحجز القريب من القصر . 

- فلنذهب اليهم ! .  

نهض ينامي الحكيم مستندا على عصاه , سار متثاقلا مع الحارس , حتى وصلا الى مكان المحتجزين , حدق فيهم , ثم قال : 

- لماذا عبرتم الحدود ؟ . 

- جئنا كي نلتحق بدولتكم سيدي . 

- ألم تعلموا اننا وقعنا اتفاقا يقضي بعدم قبول المزيد من ثوار المدن الاخرى ؟ . 

- نعلم ذلك... يا سيدي ! . 

- اسمعوني جيدا ... لا زلنا بحاجة الى هذه الهدنة ... ولا نريد اي خللا قد يكون من طرفنا ... لذا عودوا الى دياركم ... واعدوا انفسكم جيدا ... لن تستمر هذه الهدنة فترة طويلة ... سينقضونها في اي وقت ... لذا كونوا في اتم الاستعداد حتى ذلك الحين ... اما الان فيجب ان ترحلوا ! . 

- لكن سيدي لا احد يعلم بوجودنا هنا ... معكم ! . 

- لديهم الكثير من العيون ... وخصوصا سفارتهم تلك .  

واشار بيده الى مكان السفارة , اخذ شهيقا عميقا , ثم اردف : 

- من جانبنا سنبلغهم بوجودكم ... ونعلمهم بأننا اعدناكم الى بلادكم... اثباتا لحسن النوايا من قبلنا ... ولن نذكر لهم اسماؤكم ولا صوركم  كي لا يلاحقونكم بالعقاب ... قبل ان يعلموا بهذا الامر عن طريق جواسيسهم . 

- سيدي ينامي الحكيم ... لقد سئمنا من سيطرتهم على مدننا ... مللنا الظلم والاجحاف ...   

قاطعه ينامي الحكيم قائلا : 

- اعلم ما تريد قوله ... لكن الامر كما اخبرتكم به ... اقدر لكم حسن نواياكم واخلاصكم ... واعلموا ان الموعد قريب ! . 

يأسوا من المحاولة معه , قرروا الاستسلام , صافحوه وانصرفوا برفقة الشرطة . 

                  ***************************** 

لم يمل الوزير خنياس من مراقبة دولة الثوار عن طريق الوحوش الطائرة , التي تجوب سماءها ليلا ونهارا , ولا من خلال متابعته لتقارير سفارتهم فيها , يراقب كل شيء مهما كان تافها , كل حركة وسكون , التفت نحو القادة من حوله قائلا : 

- انهم يعملون كالنمل ! . 

- يبدو انهم لا يريدون ان يضيعوا ولا دقيقة من وقتهم ! .  

ثم التفت الوزير خنياس الى احد الضباط , سأئلا : 

- كم قيمة المبالغ التي دفعوها لنا حتى الان ؟ .  

اخذ الضابط يراجع بعض الحسابات , ثم قرر رقما كبيرا من الاموال , وذكر الكثير من الموارد الاخرى ( معادن , محاصيل زراعية ...الخ ) , ابتسم الوزير خنياس وحدق في القائد شيلخوب والضباط الاخرون : 

- هل سمعتم ؟ ... ان هذا المبلغ اضعاف ما كنا نجنيه من عمالتهم في مؤسساتنا .

- لم يكونوا يعملون بجد ... بل كانوا ثلة من الكسالى ! . 

- لكنهم من اجل دولتهم الجديدة عملوا بجد اكثر واكثر .

- وهكذا استعبدناهم بطريقة غير مباشرة ... ومن دون ان يشعروا بذلك . 

ظهرت علامات التفكير العميق على احد الضباط , فقال مقترحا : 

- طالما وان الامر قد نجح ... لماذا لا نقيم دولا مماثلة ... سيدي الوزير خنياس ؟ ! .  

اعترض الوزير خنياس قائلا : 

- هناك العديد من الاسباب ... ابرزها 1- لازال وضعنا مع دولة ينامي حذرا ... نخشى ان ينقض الهدنة ... ومن جانبه يخشى ان نقوم نحن بنقضها ... 2- ان اقمنا دولا مشابهة ... ليس من المؤكد والمعلوم انهم سينجحون كما نجح ينامي ... 3- نخشى ان يتحدوا جميعا ويقوموا بنقض الهدنة بشكل جماعي ... ثم محاربتنا بصف واحد ... الخ . 

- فهمت ! . 

- انها مجرد تجربة ... نجحت مع ينامي ... ربما لن تنجح مع غيره . 

                         ************************* 

بعد مرور ستة اشهر على الهدنة , قرر ينامي الحكيم الاستغناء عن كافة مدربي الامبراطورية , وعهد بمهمة التدريب الجيش الى افراد من دولته , فقرر ان يغير المناهج , ويستعمل وسائل تدريبية جديدة , والتخلص من كافة التدريبات الروتينية وغير الضرورية , والاقتصار على ما ينفع الجندي في الحرب والقتال فقط .  

ينامي الحكيم لم يغفل متابعة الحرفيين وعملية تصنيع المزيد من الاسلحة الجديدة , الخفيفة وذات الاثر الكبير , والثقيلة ذات السرعة والرشاقة في التنقل , وحرص على يكون لديه مخزونا كبيرا منها , فدأب الحرفيين على صناعة الكثير منها , ابدعوا وتفننوا في صناعتها , لكنهم عجزوا من صنع وحوشا طيارة . 

بعد مرور سنة كاملة على استمرار الهدنة , امر ينامي الحكيم باستعراض شامل للجيش : 

- شردق ... اريدك ان تقوم باستعراض عسكري للجيش ! . 

- امركم سيدي ... سنجهز في غضون اسبوع ! . 

- حسنا ...    

التفت ينامي الحكيم الى احد وزرائه قائلا : 

- قنعصق ... ابلغ سفارة الامبراطورية عن استعراضنا العسكري ... حدد لهم الزمان والمكان بالتنسيق مع الوزير شردق .  

- امركم سيدي ! . 

                  ***************************** 

دخل احد الجنود على الوزير خنياس : 

- سيدي الوزير ... !

- قل ماذا ورائك ؟ . 

- بلغنا ان ينامي عازم على اقامة استعراض عسكري لجيشه ... سيدوم حوالي خمسة ساعات ! .  

- حسنا ... انصرف . 

التفت الوزير خنياس الى ضباطه سائلا : 

- ما رايكم ؟ . 

فكانت اجاباتهم : 

- لعله يفكر بنقض الهدنة ! . 

- او انه يريد ان يستعرض عضلاته ! . 

- ربما يريد ان يتمرد من جديد ! . 

- قد تكون نواياه حسنة ... طالما وانه قد قرر ابلاغنا بالزمان والمكان ... والا كان يمكنه ان يقيم استعراضا مشابها دون ان يبلغنا بشكل رسمي ! . 

- لعل لديه نوايا مبيتة اخرى ... لا نعلمها ... لكننا حتما سنكتشفها . 

كان الوزير خنياس يستمع بانتباه شديد , عند ذاك قال : 

- أيا كان الامر ... يجب ان نرسل الوحوش الطائرة لتصور لنا المشهد من السماء ... ويجب على سفيرنا ان يحضر الاستعراض ثم يكتب لنا تقريرا مفصلا عنه ... يجب ان نكون حذرين ! . 

                              ************************** 

تفقد ينامي الحكيم استعدادات السرايا للاستعراض , قبل يوم من الموعد , شاهدهم في ابهى قيافة , واحسن تسليح , وافضل حركات استعراضية , فكر وتمعن , ثم تأمل فقال : 

- شردق ... لا ينبغي ان يستعرضوا بهذه الهيئة . 

- لماذا سيدي ... الم تنل رضاك ؟ ! . 

- كلا ... بل انا فخور بها ... لكني اريد استعراضا من نوع اخر . 

- كيف يكون ذلك ... سيدي ؟ . 

- ستكون السرايا المستعرضة على النحو التالي ... سرية حسنة القيافة والتسليح .. تتلوها سرية حسنة القيافة بدون سلاح .. تتلوها سرية رثة الملابس مع سلاح جيد .. واخرى رثة الملابس بدون سلاح .. كل هذه السرايا يجب ان تسير بنسق عسكري مرتب وجميل . 

- كم سيكون عددها السرايا التي سوف تستعرض بهذا النسق ؟ . 

- اجعلها ثلاثون سرية . 

- وباقي السرايا البالغة مئة وعشرون ؟ . 

- اختر منهم سبعون سرية فقط ... والباقي يجب ان لا يستعرض ! . 

- وكيف سيكون حال السرايا السبعون تلك ؟ . 

- يجب ان تكون رثة الثياب ... تسير بنسق غير مرتب ... بعضهم يحمل عصا بدل السلاح ... والبعض الاخر لا يحمل شيئا . 

- لماذا كل ذلك يا سيدي الحكيم ؟ . 

- لا تستعجل بالنتيجة .   

                         **************************** يتبع


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/03/19



كتابة تعليق لموضوع : بابيلون ح12
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net