هل ستبقى العراقية تطبع أم تخذلنا؟
صالح الطائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
صالح الطائي

على مدى عامين، عودتنا شبكة الإعلام العراقي، قناة العراقية الفضائية على تقديم برنامج رمضاني ممتع؛ له طعم خاص لأنه، يختلف عن جميع الأعمال الرمضانية التي تقدمها القنوات الأخرى في جميع البلدان الإسلامية وليس في العراق فحسب، لأنه برنامج يستجيب لروح شهر رمضان الحقيقية، فصيام شهر رمضان لم يسن لتعذيب المسلم، وتحميله فوق طاقته، وامتحان قدرات تحمله للجوع والعطش، وكبت الشهوات فحسب، وإنما سن ليكون مدرسة يتخرج من أفياء روضها بشر أسوياء، يشعرون بمعاناة أخوتهم البشر الآخرين من خلال المشاركة الفعلية،إيمانا منه بأن المشاركة الفعلية تتفوق عادة على المشاركة الوجدانية مهما كانت الأخيرة صادقة، وقد أدرك الإسلام هذه الحقيقة، فجعل الصيام ميدانا لها؛ من ضمن ميادين كثيرة أخرى منها منظومة الأقوال (الأحاديث) التي جاءت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، تحث المسلمين على طلب العلم من المهد إلى اللحد، وأينما كان حتى لو كان في الصين؛ والصين يومئذ أبعد ما يتصوره خيالهم.
وقد وضع العلماء في هذه المنظومة الشريفة الكثير من المؤلفات الرائعة التي أحصت وتضمنت ما قاله النبي في الحث على طلب العلم والتعلم ونشر العلم، منها على سبيل المثال:
فضل العلم والعلماء - موسوعة أهل البيت (ع)
فضل طالب العلم - العتبة العباسية المقدسة
فضل العلم وأهله في روايات أهل البيت (عليهم السلام)
الأربعون حديثا في طلب العلم وفضله
كما خصت كتب الصحاح والسنن والمسانيد العلم بالذات بأبواب خاصة تحت عنوان (باب العلم) أو (باب طلب العلم)، تجده في الكافي والبخاري ومسلم والمستدرك وسنن النسائي وسنن البيهقي وغيرها.
وفي هذا الباب تجد عشرات الأحاديث النبوية الصحيحة والمتواترة التي تحث المسلم على طلب العلم؛ فهو فريضة على المسلمين. وقد اخترت من ذلك العدد الكبير عدة أحاديث لأوصل من خلالها مقدار اهتمام النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بالعلم والعلماء:
1ـ عن أنس بن مالك، قَال:عن النبي (ص)، أنه قال: "طَلَبُ العِلْمِ فَرِيْضَةٌ عَلَىْ كُلِّ مُسْلِمٍ". رواه ابن ماجه، وصححه الألباني
2ـ عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): "أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ" أخرجه الترمذي وابن ماجة
3ـ عن أبي موسى، عن النبي (ص)، قال: "مثل ما بعثني اللّه به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقيّة قَبِلَتِ الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع اللّه بها النّاس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنّما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين اللّه ونفعه ما بعثني اللّه به فعلم وعَلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى اللّه الّذي أرسلت به" أخرجه البخاري ومسلم
4ـ عن كثير بن قيس، قال: "كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِى الدَّرْدَاءِ فِى مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ إني جِئْتُكَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّسُولِ (ص) لِحَدِيثٍ بلغني أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، مَا جِئْتُ لِحَاجَةٍ. قَالَ: فإني سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَمَنْ في الأَرْضِ وَالْحِيتَانُ في جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ".
5ـ عن أبي سعيد الخدري، عن النبي(ص)، قَالَ: "سَيَأْتِيكُمْ أَقْوَامٌ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَقُولُوا لَهُمْ مَرْحَبًا مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ (ص) وَاقْنُوهُمْ". قُلْتُ لِلْحَكَمِ: مَا اقْنُوهُمْ؟ قَالَ: عَلِّمُوهُمْ. أخرجه ابن ماجه وحسنه الألباني
في هذا السياق ووفق هذا المنهج كانت قناة العراقية بما معروف عنها من اهتمام بالعلم قد بثت خلال العامين الماضيين وتحديدا في شهر رمضان المبارك برنامجا من إعداد وتقديم الإعلامي رسول الزبون، بعنوان "العراقية تطبع" يأخذ على عاتقه متابعة نتاجات الباحثين والخريجين من حملة درجتي الماجستير والدكتوراه والأساتذة الأكاديميين غير المطبوعة، والإسهام بطباعتها على نفقة القناة، وإهدائها إلى المؤلف، فضلا عن إجراء لقاء طويل مع من تطبع له كتابا؛ ليتحدث من خلاله عن مضمون الكتاب، ومعاناته في تأليفه، والغرض من وضعه.
وهكذا لم تسهم القناة في إعانة الكثير من الباحثين من خلال طباعة مؤلفاتهم فحسب، وإنما أسهمت في بث الوعي الفكري لدى المواطنين في الأقل من خلال متابعه أهل وأصدقاء وأقرباء المؤلف للحلقة التي تعرض نتاجه، وبذلك استحقت قناة العراقية لقب (سادنة الثقافة العراقية) واستحق هذا البرنامج لقب (البرنامج الأكثر خدمة للثقافة).
اليوم بسبب معاناة مؤسساتنا ودوائرنا من حالة الإعسار المالي الذي سببه انخفاض أسعار البترول لدرجة أن الكثير منها أوقفت إنجاز مشاريعها، بتنا نتخوف أن تحذو قناة العراقية حذوهم، وتلغي هذا البرنامج الممتع والمفيد، فتحرمنا من فرصة للتعلم ننتظرها بشوق مع حلول شهر رمضان. فهل ستبقى العراقية تطبع؟، أم ستخذلنا كما خذلتنا الكثير من المؤسسات الأخرى؛ التي كنا نأمل منها خيرا عميما؟.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat