صفحة الكاتب : د . عبد الخالق حسين

الإرهاب مآله الفشل
د . عبد الخالق حسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مشكلة العرب السنة أنهم لم يستفيدوا من الأخطاء التي أرتكبها الشيعة بعد قيام الحكومة البريطانية بتحرير العراق من الاستعمار العثماني في الحرب العالمية الأولى، تلك الأخطاء الفادحة التي أدت إلى عزل الشيعة السياسي وحرمانهم من حقوق المواطنة لثمانين عاماً. فالسنَّة العرب أدمنوا على إنفرادهم بحكم العراق رغم أن نسبتهم لا تزيد على 20% من مجموع الشعب العراقي. ولإضفاء الشرعية على "حقهم التاريخي" في احتكار السلطة، بدأوا منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 بترويج خرافة مفادها أن الشيعة ليسوا عرباً، ولا عراقيين، بل هم من بقايا الساسانية، وأهل الجنوب جلبهم القائد الأموي محمد القاسم مع الجواميس من الهند، ثم ربطوا التشيع بالصفوية والعجمة والشعوبية. 
 
ولذلك فالعرب السنة اعتبروا الأغلبية الشرعية ليست الأغلبية داخل العراق، وإنما في البلاد العربية، وأنهم (السنة) الامتداد الشرعي للشعوب العربية في العراق، ولذلك فلهم وحدهم الحق في حكم العراق دون غيرهم. ولهذا السبب اتخذوا موقفاً مناهضاً للديمقراطية طوال التاريخ الحديث، لأن الديمقراطية تفرض دولة المواطنة والمساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات، وتكافؤ الفرص لجميع أبناء الشعب بدون أي تمييز في اللون والعرق والدين والمذهب واللغة والجندر..الخ، كما ويتم التبادل السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع. فطوال 8 عقود التي سبقت عام 2003، كان تبادل السلطة يتم عن طريق الانقلابات العسكرية بين مجموعات من العرب السنة دون غيرهم، أما بقية المكونات فمجرد متفرجين. وحتى العهد الملكي كان نظاماً ديمقراطياً في الظاهر فقط، ويتم حل البرلمان عند تبديل رئيس الوزراء الذي كان يقوم بتعيين النواب عن طريق انتخابات شكلية مزيفة، يفوز فيها عادة أغلبهم شيوخ العشائر من الاقطاعيين.  
 
ولكن انفراد المكون السني بالسلطة وعزل الآخرين، (ومشاركتهم جزئياً للديكور فقط)، تسبب في عدم الاستقرار، أنتهى إلى إفلاس الدولة العراقية، وقتل مليونين، والمئات من المقابر الجماعية، والأنفال وحلبجة، وتشريد نحو 5 ملايين من الشعب في الشتات، والاحتلال... إلى آخر قائمة الكوارث. لذلك فإدعاء السنة بأن من حقهم التاريخي بحكم العراق هو دعوة للمزيد من الكوارث، فقد أثبت التاريخ فشلهم، وعليهم أن ينزلوا عن بغلتهم. فالديمقراطية، ورغم مشاكلها، هي الحل الأنسب والوحيد لحكم العراق، وبعد كل هذه الكوارث لا يمكن التخلي عنها مطلقاً ولو على أسنة الحراب، فالبديل عن الديمقراطية هو حكم الإرهاب الذي يجلب المزيد من الدمار وبالأخص على السنَّة أنفسهم. 
 
وبعد عام 2003، ولتبرير مناهضتهم للديمقراطية، خرجوا علينا بحجة محاربة الاحتلال الأمريكي، ولما خرجت القوات الأمريكية، واصلوا إرهابهم بدعوى محاربة (الاحتلال الإيراني الصفوي)، واعتبار الشيعة المشاركين في السلطة هم امتداد وعملاء لإيران. ولما اتضح هزال هذه الفرية، اخترعوا فذلكة (عزل العرب السنة وتهميشهم)، وأن جيش المالكي الشيعي الصفوي، والمليشيات الشيعية "يقتلون السنة لا لشيء إلا لأنهم سنة". هذا ما سمعته من سيدة موصلية من راديو بي بي سي مساء 18/2/2015، وهي هاربة من داعش إلى تركيا بعد أن خسرت كل شيء، ولكن رغم ما جلبه الدواعش عليها من كوارث فإنها ما زالت تصر على أن "الشيعة يقتلون السنة لا لشيء إلا لأنهم سنة"، ودون أن تقول الحقيقة أن الذين يحاربهم الجيش العراقي هم إرهابيون.
كما وجعل السنة مناطقهم ومساكنهم حواضن للإرهابيين، وكرست قياداتهم السياسية مشاركتهم في السلطة لشل الحكومة، والدفاع عن الإرهابيين وتسهيل مهامهم... فبعد تحضيرات لعدة سنوات، ومخططات في منتهى الخبث والخبرة والدقة، حددوا لها ساعة الصفر يوم 10 حزيران 2014، أعلنوا انتقال الحكم في الموصل إلى (داعش)، ومن ثم السيطرة على محافظة صلاح الدين، وسموّا الجريمة بـ"ثورة السنة على ظلم المالكي الشيعي الصفوي"، وتم تمرير الكذبة على عدد غير قليل من الناس، بل وحتى رددها الرئيس الأمريكي أوباما عندما رفض دعم الجيش العراقي في محاربة داعش وفق الاتفاقية الإستراتيجية الموقعة بين البلدين، قائلاً أن الحل سياسي وليس عسكري، إلى أن وصل داعش إلى مشارف أربيل مهدداً الشركات الأمريكية، وافتضحت جرائمهم البربرية ضد الإنسانية، عندئذ فقط، اعترف أوباما أن داعش فئة همجية ضالة لا يمكن التفاهم معها سياسياً، بل يجب محاربتها عسكرياً. 
 
وأخيراً اتضحت الحقيقة، وتأكد لجماهير العرب السنة أن قياداتهم السياسية خدعتهم، فظلم داعش طال أهل السنة مثلما طال المكونات الأخرى، حيث فرض الدواعش على أهل الموصل أسلوب حياة طالبان في أفغانستان، وفرض النقاب الأفغاني حتى على الطبيبات والطالبات الجامعيات، وصادروا أموالهم، وهتكوا أعراضهم، وأوسعوا فيهم القتل ذبحاً، ومن ثم حرقاً والتنكيل بأبشع الوسائل الهمجية. 
والمفارقة أن هذه القيادات السنية التي دعمت "المقاومة الوطنية الشريفة" ضد الاحتلال الأمريكي، والاحتلال الإيراني الصفوي، ودعمت (داعش) لاحتلال مناطقهم، نراهم اليوم يتوافدون على واشنطن متوسلين بالإدارة الأمريكية لإرسال قواتها لتحرير مناطقهم من داعش. بل وأرسلوا الوفود حتى إلى إيران "الصفوية" متوسلين إليها لمساعدتهم في التخلص من داعش. حقاً ما قاله الشاعر:
إذا كان الغراب دليل قوم .... سيهديهم إلى دار الخراب
 
فما المطلوب من العرب السنة؟
أولا، أيها السادة، لقد جربتم الانفراد بحكم العراق لثمانين سنة، أدى بالتالي إلى إفلاس العراق تماما، إلى أن قيض التاريخ المجتمع الدولي بقيادة أمريكا لتحريره، ولو كان قد أسقط حكم البعث على يد الشعب العراقي وبدون التدخل الأمريكي لكان مصير العراق أسوأ من مصير الصومال وليبيا واليمن.
 
ثانياً، لقد جربتم الإرهاب منذ عام 2003 وإلى الآن، ونشرتم ملايين الأطنان من الأكاذيب والافتراءات، والإشاعات الباطلة، واستخدمتم الإعلام المضلل، ومعكم السعودية وقطر وتركيا والأردن، وحتى بعض مرتزقة الإعلام الغربي، واستأجرتم شركات العلاقات العامة (PR)، ومنظمي اللوبيات في أمريكا، ولكن مع ذلك كان مردود إرهابكم وبالاً ليس على العراق فحسب، بل وعلى أنفسكم أيضاً. ففي نهاية المطاف لا بد وأن ينقلب السحر على الساحر.
 
ثالثاً، لقد أثبت التاريخ أن الإرهاب في كل مكان وزمان، محكوم عليه بالهزيمة والفشل الذريع، ولا يمكن أن يحقق أهدافه، فعهد الأنظمة الديكتاتورية، وحكم المكون الواحد قد ولىّ وإلى الأبد. ولا يمكن لكم أن تتبادلوا الأدوار المختلفة قدم مع الحكومة وأخرى مع الإرهاب، وتقومون بتعليق مشاركتكم في العملية السياسية وحسب مزاجاتكم المتقلبة، مرة مع السلطة، وأخرى مع الإرهاب، مليشياتكم وحماياتكم تدعي محاربة داعش نهاراً، ومع داعش تحارب القوات الحكومية ليلاً. هذا التقلب في الأدوار لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية... فحبل الكذب قصير.. والنجاة في الصدق والتعامل بالشرف والنزاهة. 
 
وأخيراً، وبناءً على كل ما تقدم، فإن الحل الوحيد للأزمة العراقية هو النظام الديمقراطي، واتخاذ صناديق الاقتراع، وليس الإرهاب، وسيلة للتبادل السلمي للسلطة، وتحقيق حقوقكم كاملة غير منقوصة في المشاركة في حكم العراق والتوزيع العادل للثروة، والعمل على إنضاج هذه الديمقراطية الوليدة الفتية، وذلك بتشكيل الكتل السياسية المختلطة، عابرة الأديان والمذاهب والأعراق، و أي أسلوب آخر لن يجديكم نفعاً، وأن الإرهاب لن يجلب لكم سوى المزيد من الدمار والخراب والكوارث.
21/2/2015 
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الخالق حسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/02/22



كتابة تعليق لموضوع : الإرهاب مآله الفشل
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net