يوجد هناك منهجان في التحقيق وهما :
الاول: منهج التحقيق الحوزوي .
الثاني: منهج التحقيق الاكاديمي (الجامعي).
اما الاول :فهو يذكر جميع الاراء في المسالة والاشكالات ويناقشها ثم يذكر الراي المختار.
واما الثاني :فهو لا يذكر الاراء جميعا وربما يشير الى ذكر مصادر ذكرت المسالة وهو يركز على المسالة ذاتها ولا يتطرق الى كل ما ذكر في المسالة بناء على الحصول على المستجدات في المسالة وهو يبني على تغليط الماضي وتصويب الحاضر والمستجد فهو ينظر الى الماضي على انه بحاجة الى تطوير وتصحيح ,بخلاف المنهج الحوزوي الذي لا يقول ان كل طرح سابق هو خاطيء.
والمحققون حاليا البعض منهم متاثر باحد الاسلوبين حتى وان كان ينتمي الى الطرف الثاني فقد يكون الحوزوي متاثرا بالاسلوب الجامعي وربما كان الجامعي متاثرا بالاسلوب الحوزوي لرؤية خاصة حيث ان البعض قد يرى في اسلوب الطرف الثاني انه الاسلوب الافضل او يكون متاثرا بالاسلوب المتعارف من حيث لا يشعر .
ولا بد ان ننظر الى هذين الاسلوبين فنرى اي الاسلوبين هو الافضل فليس معنى اننا ننتمي الى الحوزة ان يكون الاسلوب الحوزوي هو الصحيح والافضل عندنا او يكون العكس وهذا يحصل كثيرا عندما يعجب هذا الطرف باسلوب الطرف الاخر .
وربما يرى الجامعي ان المنهج الحوزوي هو المنهج الصحيح لان المنهج الجامعي ليس فيه سوى التطور وهو يبحث عن دقة النتائج العلمية , ولا يمكن ان يحصل على هذه النتائج الا عن طريق المنهج الحوزوي.
وقد يكون عدم ترتب الثمرة العملية على المبحث العلمي هي احدى الاسباب وراء عدم تطرق الجامعي للمسائل العلمية فيما يرى الحوزوي ان هناك ثمرة علمية فلابد ان يتعرض للمسائل ولو من هذه الجهة العلمية فقط .
فالثمار العلمية في المنهج الحوزوي كاف في التعرض للمسائل وفق هذا المنهج اما المنهج الجامعي فلا يكفي فيه وجود الثمرة العلمية بل لابد عندهم من وجود الثمرة العملية.
والتحقيق تارة يكون لاجل معرفة الراي المختار في المسائل الفقهية واخرى يكون بتحقيق نص كتاب ما لاجل تامين المعاش وثالثة نبحث عن سد الثغرات والفراغات الموجودة في مكتبتنا العلمية ونحاول بقدر الامكان سد هذه الفراغات.
اما المنهج المختار في التحقيق فهو المنهج الاول ؛لانه اعمق وادق وهذا ما اثبتته التجارب حيث وجد الكثيرون من الاكاديميين انه المنهج الافضل من الناحية العلمية .
والاكاديمي لا يرى اهمية ولا فائدة في طرح الافكار السابقة مادامت توجد افكار جديدة في المسائل العلمية ؛مع ان الافكار الجديدة لها اسس تبتني عليها وهي نفس الافكار السابقة حتى ولو كانت بطريقة تجميعية الا انها تعتبر الاساس الذي يبتني عليه الفكر الجديد.
والاسلوب الذي سنجري عليه في درسنا هو الاسلوب الاول لانه اشمل وادق من الاسلوب الجامعي الذي هو اشبه بعملية التجميع .
وفي تحقيق النصوص قد يكون الدور الذي يقوم به المحقق ياخذ جانبا تكميليا كما لو كانت هناك معلومة تضاف الى النص المحقق في الهامش او تصحيح العبارة المبدلة ولابد هنا من بذل الجهد لمعرفة العبارة الصحيحة التي تستحق التثبيت في النص .
والسؤال هو ما هو الفرق بين العمل في المسائل المبحوث عنها وبين المسائل غير المبحوث عنها؟
الجواب : لعل تحقيق وبحث المسائل يختلف من نوع لاخر فقد تكون المسائل مطروحة ومبحوث عنها وقد تكون ليست مطروحة ولا مبحوث عنها من قبل فان كانت مطروحة ومبحوثة فقد يصعب اتخاذ راي مخالف لما ورد فيها واذا وقعوا في خطا فانت تتبعهم في ذلك الخطا علما ان تحصيل المصادر والمعلومات في المسائل المطروحة والمبحوثة ايسر بكثير من تجصيل مصادر المسائل ومعلوماتها بالنسبة للمسائل التي لم تطرح من قبل الا ان المسائل غير المطروحة تتيح اكثر للانسان في اتخاذ راي مستقل بعيدا عن تاثيرات الاخرين لانه بالامكان في هذه الحالة ان يشيد الانسان رايا جديدا لم يتعرض له احد من قبل .
والخلاصة لكل من هاتين الحالتين جانب ايجابي وجانب سلبي فالجانب الايجابي في الاول هو وفرة المصادر والجانب الايجابي في الثاني هو حرية اتخاذ راي جديد والجانب السلبي في الاول هو صعوبة اتخاذ راي جديد والجانب السلبي في الثاني هو صعوبة الحصول على مصادر المعلومات .
ويظهر تاثير التحقيق في بعض القضايا واضحا عند التعرض لاراء بعض الاشخاص غير المقبولين على مستوى الفقه فيما تقبل اراؤهم على مستوى التفسير وهذه احدى الظواهر التي تستحق الوقوف عندها كثيرا , ولابد ان نتخذ موقفا واضحا من هؤلاء لان هاما ان تكون الاراء في الموردين على نسق واحد اما سلبي او ايجابي وبالتالي يكون الموقف منهم واحدا واما ان يكون الموقف منهم في الحديث والرجال مثلا ليس موقفا صحيحا فيتم التراجع عنه ويقبل قولهم في التفسير ويعدل الموقف منهم في غيره .
وهذا البحث من موارد البحوث التي تعد فراغا في المكتبة الاسلامية وهو نوع من مراجعة التراث العلمي بصورة واعية من اجل توحيد الرؤى وتوضيح الاحكام وسد الفجوة الحاصلة من اختلاف الموقف من نفس الاشخاص في علمين مختلفين مع ان القبول هو حالة واحدة بالنسبة للانسان لا تقبل التجزئة كما هو واضح .
والحمد لله رب العالمين
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat