كتبت أنجلا خليل روايتَها الأولى "آخرتا"، فحقّ لها اعتراف أنّها "ضربة معلّم". أثبتت نفسها أديبةً في اليفاع سنًّا وعمقَ فكر. وأبدعت! نصّها عجْنُ أحداثٍ بكمٍّ من الإنسانيّات. تواردُ أحوالٍ إنسانيّة في مسار حياة لبيئةٍ مجتمعيّة محدّدة في الزمن والجغرافية، ولكن أيضًا بالأنماط الإيديولوجيّة السوسيودينيّة لوطنٍ لبنان! حقبة زمنيّة ليست بعيدة عن أيّامنا، تنقل الموروثات الضيّقة لعقليّة أمس، لم تعفِ من تفلُّتاتٍ لأجل الشخص البشريّ في كرامته!
التقت الكاتبةُ االشخصيّةَ البطلَ في النصّ، ليطغى ضمير المتكلّم سردًا على امتداد السياق. ولم يَرخَ السبكُ لحظة. ترابطٌ متواصل في الحبكة منذ الأسطر الأولى، يشدّك في تواترٍ وتناسق حتى السطر الأخير، ويذهلكَ تذييل توقيع!
وفي عَودٍ إلى المضمون، أسحرت الكاتبة بحياكة الأحداث في مسارٍ طبيعيّ، وفق المعايير الفكريّة والعقائديّة لموروثات بائدة سادت مجتمعَنا اللبنانيّ في تضيّقه وانغلاقه، لتخرج إلى الرحُب الإنسانيّة المدهشة، فتضع القارئ أمام خيارٍ واحد: تمجيد الله وإكبار الإنسان في ملء قامته. وأبانت الضعف الكامن في الشخصيّات من خلال مظاهر العنف المتجلّي في المواقف، لتنفتح في عَودٍ إلى الذات ربّما قسريّة، على تجلّيات محبّة لا يمكن لشعلتها أن تخبو!
يأسركَ تباعًا في تقدّمكَ عبر الصفحات، إعجابٌ لمكتسبات الكاتبة المبكّرة على الصعد الإنسانيّة والثقافيّة التي سكبتها في السياق. أمِن خبرتها في الحياة استقت هذا الكمّ من التحليلات الراقية للعِقدات المطروحة، وهي بعد لم تطأ العشرين من سنيها، أم من مطالعاتٍ غنيّة بالمرافق الحياتيّة في التشكّلات الاجتماعيّة والنفسيّة للإنسان اللبنانيّ، أم يكون ذلك نتيجة مراقبتها مجرى الأحداث والمواقف برؤيةٍ نقديّة مطعّمة بمكنوزٍ تربويٍّ نشأت عليه؟
وإذا قيل: الإبداع هو النظر إلى المألوف بطريقةٍ غير مألوفة، فالنصّ سَما بشطحاتٍ أدبيّة في الوطنيّات والوجدانيّات، أضفت على السياق تنوّع الإبداع والملَكات الأدبيّة التي تتمتّع بها. هي التي أبت إلاّ أن توجّه الحوارات في الرواية إلى تعلّقٍ بالوطن وتمسّكٍ بالعيش على أرضه. فالحبّ الذي طغى على مدّ الصفحات،
حتى يخال القارئ نفسه في خضمّ أسطورة هيامٍ وغرام، لم يخلُ من ربطٍ صريح بحبّ لبنان، شكّل أعمدة الرواية المفصليّة.
أنجلا خليل، كمال نصّكِ رفعة فكركِ الواضح، أضاء سلاسة الأسلوب في تشكّلاتٍ نصيّة، روت النمطَ السرديّ، فأزهر في أركانه حلاوةَ الإطار اللبنانيّ لزماننا الحاضر. هوذا أدبٌ راقٍ تستعذبه العامّة وتأنس به النخبة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat