الشـاهدة الحيّة
افنان المهدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
من أرضها إنطلقت كلمات حيّرت العالم ، فقد كانت أحضانها مأوى لعلي ، وقد أراد لها المجد والعلياء ، ولكنها كانت عمياء وصماء ، فاستبدلت عزّ علي بذل معاوية ، وأتاها السبط الأكبر لخاتم الأنبياء يسعى ، حاملا في كفيه عزها ورفعتها ، ولم تثوب لرشدها !!
في زقاق من أزقة الكوفة ، حيث ذلك البيت الطيني ، والذي ماتردّد فقير ولا يتيم أبداً في طرق بابه ،
كان الشمل العلوي يحزم متاع السفر ومتاع العودة لأرض الوطن ، لمدينة محمد .
فقد اختارت الكوفة الذلّ والخنوع ، ويالبُئس مااختارت !!
تستحقين ما سيحدث لك من الدواهي ، أيتها المدينة الغانية اللعوب ، المتقلبة والتي لا تثبت على حال ، تهرج وتمرج بمصائر أهلها ، وبمقدرات أناسها !!
الشمل العلوي يودّع الكوفة ، ويرمق بيوتاتها بنظرة الأسى ، ومعه تلك السيدة ، فهي الشاهدة على الثورتين ، ثورة السلام ، وثورة الدم والشاهدة على الهجرتين ، هجرة شبّر من الكوفة الغادرة لمدينة السلام عاصمة محمد ، وهجرة شبير من مأوى الطريد ، البيت العتيق ، لكربلاء الحياة ، لكربلاء الإنسان .
هكذا أنت يا زينب ... قبل عقود من الزمن ذرفت الدموع بصمت حينما شهدت في يثرب رحيل السلام والأمان ، الجدّ الأعظم رسول البشرية .
وحين هبّت العاصفة العاتية من أجلاف تشدقوا بالقرب، والذين ما رحموا بنتاَ ثكلى ، ولا أخاَ مقصوم الظهر برحيل أخيه ، فكُسرت الأضلاع ، ولُطمت العين ، وغُرز المسمار في صدر العلم والوقار،
وسقط الجنين ، ونزف الدم ، وقُيد بطل خيبر بقيود الظلم والضغينة ، والضلال بعد الرشاد .
وانتفض سيف الثارات الجاهلية ، مهشماً رأس الإسلام في ليالي مباركات ، فتهدمت أركان الهدى وانفصمت العروة الوثقى.
وها أنتِ يا زينب ، ياصبراً تجسد في إمرأة !
أستعدي لنزول الفادح من المُصاب ، فقد شاء القدر ، أن تتلقف الأيادي السوداء التي لا تشتهي طعاماً ولا شراباً إلا بالجلوس على مائدة دمائكم . ولايلذ لها عيش ولاتقرّ لها عين إلا بآلامكم .
فلعمري ، كما شهدت بالأمس تشييع جدك المُصطفى ، وإعفاء جدث أمك فاطمة ، وطبرة أبيك حيدرا ،
ستمسين الشاهدة أيضاً على الطشتين في يثرب والكوفة !!