صفحة الكاتب : الشيخ جميل مانع البزوني

رحلة في رعاية صاحب الزمان
الشيخ جميل مانع البزوني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  كان جميع المتواجدين في المعتقل يبحث عن سبيل للخلاص فتارة يكون الاعتراف هو السبيل الذي لابد من سلوكه واخرى يكون الافتراء والكذب من اجل ايقاف التعذيب .

وكان اكثر اللحظات صعوبة هي حالة حضور المدير الذي لم يكن انسانا طبيعيا فقد كان مدمنا على سماع صوت المعذبين وكلما سمع صوتا في غرفة التحقيق جاء مسرعا من غرفته ليشارك في التعذيب او التحريض على زيادة الجرعة وفي اغلب الاحيان يكون في حالة سكر تام.
وكان هناك شخص واحد لم يكن حاله مشابها لبقية المعتقلين وهو شاب في نهاية الثلاثين وقد كانت تهمته خطيرة جدا ومع ذلك لم يكن مهتما لتواجد ذلك المدير السفاح في غرفة التحقيق .
وكانت الغرابة تسيطر على رجال التحقيق عندما كان يسكت اثناء التحقيق ويطيل الصمت وكان المحققون عندما يطيل السكوت بالرغم من التعذيب المستمر يعتقدون انه قد اغمي عليه فيهرعون الى انزاله من التعليق ويحاولون اعادته الى الوعي .
وكان المدير قد اثارغضبه عندما علم انه كان معتقلا في الثمانينات وزاد غضبه عندما طالبه بنزرع ملابسه الحوزوية فظهر قميصه ممزقا ومخيطا فثار في وجهه قائلا : هكذا تريدون ان تضحكوا على الناس لتقولوا انكم زاهدون .
فقال له : لست بحاجة الى ذلك ولو كنت حريصا على ذلك لكان الاولى ان البس ثوبا ممزقا او عباءة ممزقة لا قميصا فان القميص لا يظهر للناس كما تعلم خاصة وان البس فوقه ثوبا اخر . 
وفي احدى الليالي جاء المدير السفاح وكان عازما على جعله يعترف ولو كان بتكسير بعض اعضائه كما فعل ذلك كثيرا مع غيره فاخذوا في تعذيبه الى درجة اصبحت الغرفة حمراء اللون وعندما اصبحت الساعة الثانية بعد منتصف الليل حاولوا ان يعقدوا معه اتفاقا خفيا عن طريق تقديم بعض الشاي له اثناء الاستراحة .
ومن غريب الصدف ان القدح الذي قدم فيه الشاي له كان لونه احمرا ولما وضع امامة بعد انزاله من التعليق نظر ساخرا الى القدح واصبح يقارن بين لون الارض التي صبغت بدمه وبين لون القدح الذي قدم الشاي فيه وهو غير ملتفت الى ما يقوله المحققون له .
وادرك في تلك اللحظة ان ثمن شرب هذا الشاي سيكون غاليا لانه بصدد جعلهم يياسوا من الحصول على الاعتراف وشربه للشاي سيطيل املهم في وجود نقطة ضعف يمكنهم الدخول من خلالها وكان هو عاشقا لشرب الشاي فقرر وهو في تلك اللحظة ان يتخلى عن ذلك المعشوق من اجل الحفاظ على نفسه وعلى الاسماء التي طولب بالاعتراف عليها .
وفي اثناء التعذيب جاءت احدى الضربات على ظهره فجعلته لا يسنطيع الحركة كما ان يديه لم يكونا يصلان الى فمه بسهولة بسبب التعليق الطويل وفي اثناء ذلك حاول المدير السفاح  والمرعب الخلاص من عار التحقيق معه الى الفجر دون ان يحصل حتى على معلومة كاذبة فنادى غاضبا :
اذهبوا به الى المغاسل واغسلوا جسده من الدماء ثم اعيدوه سريعا 
فاستجاب الحراس الذين كان النعاس قد غلب على اكثرهم لذلك الامر وهم يعلمون ان الامر ليس الا وسيلة للخروج من العار والفشل امام هذا المعتقل الجديد .
واثناء ادخاله الى المغاسل لم يكن قد شعر بالخطر الذي يحيق به اثر الضربة التي تعرض لها ولكن ما ان حاول الدخول حتى شعر بالعجز عن المسير فاستعان بالشخص المسؤول عن ادخال المعتقلين الى المغاسل وكان اسمه رسول وهو معتقل ايضا .
وعند الوصول الى مكان الاغتسال حاول ان يحصل له على ماء ساخن لان الجو كان باردا جدا فقد تم اعتقاله قبل ايام في نهاية الشهر الثاني عشر .
قال له رسول هل تريد ان اساعدك في الاستحمام ؟
فردالمعتقل الجديد- مستغربا وبحزم- :كلا 
وعندما دخل الى الحمام حاول ان يحرك يده لاخذ الماء فلم يستطع فقد كانت يده شبه مشلولة ولا يشعر بملامستها لجسده  .
وبينما هو كذلك واذا برسول يحاول ان يدخل الى الحمام بالقوة فصاح به غاضبا : ماذا اصابك الا تخجل من نفسك فعاد وهو خجل من نفسه .
وبعد ان انتهى من الاغتسال ولبس ملابسه نفسها وهي مليئة بقطرات الدم نادى رسول ليساعده في الرجوع الى مكان النوم .
وعندما جاء رسول اليه مسرعا ساله :لماذا حاولت الدخول الى الحمام دون ان تستاذن ؟
قال رسول : عندما ادخلتك الى الحمام ناداني سيد من طلاب الحوزة في غرف الانفرادي جاؤا به من سجن ابي غريب وهو سيد جليل جدا وقال لي: من الذي ادخلته ؟
فقلت له : انه طالب حوزة مثلك جاؤا به منذ ايام وهم يحققون معه وقد اصيب ظهره وكنت احاول مساعدته في الوصول الى الحمام .
فقال السيد وهل تعرف اسمه ؟
فقلت له :كلا انه لا يتحدث ولا يسمحون لاحد ان يتحدث معه .
عند ذاك قال السيد : اسمع يا رسول لقد كنت نائما وقد استيقظت للتو وكنت قد رايت رؤيا غريبة وهي التي جعلتني اسالك عن اسمه ومن يكون .
فقلت له وما هي تلك الرؤية؟
قال : رايت الامام علي (عليه السلام) معلقا في غرفة التحقيق وهو يعذب والدماء تملا الغرفة ولكنه لا يرد عليهم وكانه نائم في عالم اخر.
فقلت له : انه هو لانه منذ اكثر من اسبوع ليس  في غرفة التحقيق سواه فهم يحققون معه ثلاثة مرات في اليوم .
ولذلك عندما سمعت ذلك لم املك نفسي وحاولت الدخول الى الحمام لمساعدتك فارجو ان تعذرني فمن تكون لان السيد اراد مني ان اعرفه باسمك .
فقال له المعتقل الجديد متسائلا : وما الذي جعلك متاكدا ان المقصود في الرؤية هو انا دون غيري ؟
فقال رسول وهو يبتسم : هذا امر بسيط قال السيد ان الامام كان نائما في غرفة التحقيق وقد سمعت الحرس اثناء التحقيق معك ينادي الضابط اكثر من مرة بقوله : سيدي انه ينام اثناء التحقيق وهم يحاولون ايقاظك دون جدوى .
وفي اليوم التالي نادى المعتقل الجديد صديقه االجديد رسول ليطلب منه ان يحضر له الماء الساخن في الحمام فقال له رسول الم اقم بتحضير الماء لك فجر هذا اليوم .
فقال له : انه يريد الاغتسال الواجب .
فطمع رسول فيه وقال له : احضر لك الماء بشرط ان تخبرني بحقيقة الرؤيا والنوم اثناء التحقيق .
وعندما خرج للاغتسال قال له : يا رسول لم يكن الامام علي وحده في غرفة التحقيق بل كل الائمة كانوا معي .
فقال له رسول :كيف ؟
قال المعتقل الجديد : ان الامنا وبلاءنا كله من اجلهم فهم يشاركوننا في الامنا وبلائنا وعندما علمت بخطورة القضية التي اتهمت بها وعلمت ان هؤلاء لا يكفون عني كنت اندب الامام الحجة (عجل الله تعالى فرجه) فكانت الامي تتوقف . 
فقال رسول : وما قضية النوم في التحقيق؟
فقال : ليس نوما بل هو حالة تعترينا كلما ندبت الامام فكان روحي تذهب الى مكان اخر اشعر فيه بالراحة ولا اشعر بما حولي فكنت اشبه بالنائم ولذلك كانوا يقولون هو ينام في التحقيق وانما كنت في رحلة جميلة تحت رعاية ولي الله الاعظم .
واعلم يا رسول ان هذه ليست المرة الاولى التي امر فيها بمثل هذه االظروف لذلك فان لكل شيء علاج وعلاج مثل هذه الظروف هو اللجوء الى الركن القويم ولا اشك ان المعتقلين هنا قد مروا بمثل هذه الحالة فليس للمظلومين سواه واني اخشى ان نخرج الى الخارج وننسى هذه الرعاية واني اريد ان اموت وانا في رحلة من هذه الرحلات في رعاية ولي المعذبين ونصير المضطهدين .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ جميل مانع البزوني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/11/24



كتابة تعليق لموضوع : رحلة في رعاية صاحب الزمان
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net