عاشوراء (١٠)

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 {اَنْ يَجْعَلَني مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ وَاَنْ يُثَبِّتَ لي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْق فِي الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ}.
   هي ليست أمنية، بقدر ما هي مشروع حقيقي يتطلّب أدوات فعليٌة تمكّن المرء من ان يلتزم بنهج أهل البيت عليهم السلام، كما قال أمير المؤمنين (ع)؛
   انْظُرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ فَالْزَمُوا سَمْتَهُمْ، وَاتَّبِعُوا أَثَرَهُمْ فَلَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ هُدىً، وَلَنْ يُعِيدُوكُمْ فِي رَدىً، فَإِنْ لَبَدُوا فَالْبُدُوا، وَإِنْ نَهَضُوا فَانْهَضُوا، وَلاَ تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا، وَلاَ تَتَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا.
  لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّد(صلى الله عليه وآله)، فَمَا أَرَى أَحَداً يُشْبِهُهُمْ مِنْكُمْ! لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ شُعْثاً غُبْراً، قَدْ بَاتُوا سُجّداً وَقِيَاماً، يُرَاوِحُونَ بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وَخُدُودِهِمْ، وَيَقِفُونَ عَلَى مِثْلِ الْجَمْرِ مِنْ ذِكْرِ مَعَادِهِمْ! كَأَنَّ بَيْنَ أَعْيُنهِمْ رُكَبَ الْمِعْزَى مِنْ طُولِ سُجُودِهِمْ! إِذَا ذُكِرَ اللهُ هَمَلَتْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى تَبُلَّ جُيُوبَهُمْ، وَمَادُوا كَمَا يَمِيدُ الشَّجَرُ يَوْمَ الرِّيحِ الْعَاصِفِ، خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ، وَرَجَاءً لِلثَّوَابِ!.  
   كيف؟.
   أولاً: انّ منهج أهل البيت (ع) ليس بالمنهج المثالي أبداً، وإنما هو منهج واقعي يعتمد الظرف الزمكاني في كلّ شيء، لانه الاسلام الحقيقي الذي بعثه الله تعالى رحمةً للعالمين.
   ولو كان منهجاً مثالياً او نظرياً يصعب الالتزام به لما احتجّ الله تعالى به علينا لانّه تعالى الذي خلق الانسان ويعلم مكنونهُ لا يمكن ان يحمّله فوق طاقته او يسأله عمّا هو خارج ارادته او حتى حاجته، لانّ ذلك خلاف عدل الله تعالى كما انه خلاف رحمته بعباده، وهو الّذي يعلمنا ان ندعوه بقوله في محكم كتابه الكريم {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}.
   انّه نهجٌ انساني قبل ان يكون نهجاً دينياً، واتحدّى احدٌ ان يدّعي ان نهضة الحسين (ع) مثلاً كانت خارج الإرادة الانسانيّة او انّها كانت مثاليّة او خارج حاجات الزمان والمكان، بل الزمان المطلق والمكان المطلق، ولعلّ اكبرُ دليلٍ على ذلك هو انّ كلّ الثورات وحركات التحرر وعلى مرّ التاريخ استلهمت منه دروس الكرامة والتحدّي والثّبات بغضّ النظر عن هويتها، كما انّ الذين كتبوا عن الحسين (ع) وعاشوراء وكربلاء انطلقوا من وعيهم الإنساني قبل ان ينطلقوا من ايّ شيء آخر، ولذلك لم يَحُد كتاباتهم لا دين ولا مذهب ولا إثنيّة ولا لون ولا تاريخ ولا جغرافيا.
   ثانياً: انّه نهج يعتمد العقل والدليل والمنطق، ولذلك صمدَ بوجه كل التحدّيات مهما كانت دمويّة وقاسية، فلو انّه كان نهج الخرافة واللاعقل واللامنطق لانهار منذ زمن بعيد، فانّ شدّة ما واجهه من تحدّيات ما كان ليصمد أمامها ويستوعبها ويمتصّها لولا انّه نهجٌ يعتمد العقل والمنطق والحوار.
   ثالثاً: انّه نهج يعتمد العلم والمعرفة والإدراك والشموليّة في الاطلاع، وفي الأسفار العظيمة التي خلّفها لنا أهل البيت عليهم السلام في مختلف المجالات دليلٌ عظيمٌ وقاطع على ذلك، فهم لم يتحدّثوا عن جانب من العلوم على حساب الجوانب الاخرى، او انّهم يهتمّون بجانب ويتجاهلون آخر أبداً، انّهم بابُ علمِ رسول الله (ص) الّذي قال عنه أمير المؤمنين (ع) {علمني حبيبي رسول الله (ص) الفَ بابٍ من العلم يفُتح لي في كلّ بابٍ الفَ بابٍ من العلم} اي ما مجموعه مليونَ بابِ علمٍ، فكم هي عدد العلوم مجتمعة التي اكتشفها وتوصّل اليها الانسان وفي القرن الواحد والعشرين؟ هل تعدّت الألف باب؟ ألفين؟ خمسة آلاف؟ عشرة؟ كم؟.
   رابعاً: انّه نهجٌ يعتمد حرّية الاختيار، فهو (المذهب) الوحيد من بين كلّ مذاهب المسلمين الذي انتشر وصمد وبقي لحدّ الان من دون ان تتدخل بذلك السلطات الحاكمة، بل العكس هو الصحيح، فهو المذهب الوحيد الذي ظلّ دائماً هدفاً لسهام السلطات وحروبها الدمويّة.
   انّه نهجٌ يتسلّل الى العقل والقلب بلا استئذان، ومن دون جبر او تخويف او اكراه، انّه نهجٌ ينتشر من دون ان يرصد له احدٌ خزينة ما، انّه نهجٌ ثمنُ الانتماء اليه وتبنّيه والإيمان به دماء ودموع وأيتام وأرامل، لانّه نهجٌ يعتمد العلم والاخرون يعتمدون الجهل، انّه يعتمدُ قوّة المنطق والاخرون يعتمدون منطق القوّة، انّه يعتمد العقل والاخرون يعتمدون الهوى.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/11/04



كتابة تعليق لموضوع : عاشوراء (١٠)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net