أين تسير الإصلاحات في سورية ؟
محمد حسن ديناوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد حسن ديناوي

بعد انطلاق مظاهرات الغضب والاحتجاجات الواسعة من مدينة درعا وما تبعها في حمص واللاذقية ودمشق وبانياس و.... غيرها ، فقد قصت درعا الشريط الحريري وافتتحت بجدارة ربيع الثورة السورية ، بعد أن نفضت عن كاهلها الخوف الذي تلبس الناس بسبب القمع والإرهاب ، وخرجت الآلاف تنادي بالإصلاح والحرية بعد أكثر من أربعين عاما عاشها الشعب السوري في ظل حالة الطوارئ والحكم التعسفي والقبضة البوليسية ، كل هذا مشفوعا بفساد اجتماعي وأخلاقي ممنهج من رأس هرم السلطة إلى أخمصها ، انعكس بطبيعة الحال على الأوضاع الإقتصادية ومعاناة المواطنيين اليومية من الفقر والبطالة والتهميش .
وبعد أن تصدت قوات الأمن الباسلة بشجاعة نادرة وضراوة لم تعهدها في حروبها ضد العدو الصهيوني لهذه الجموع الثائرة ! التي خرجت بصدورها العارية وهي تنادي بالحرية ، فتمطرها تلك الكتائب القمعية بوابل من الرصاص المنهمر انتقاما من هذا العدو الجديد المندس - الحرية - التي يطالب بها المواطنون ويهتفون بها بدلا من أن يهتفوا باسم بشار، فقد احتلت مكان اسمه وأزاحته جانبا ، وبهذا فهي أخطر عدو وأكبر مندس ومتآمر ! .
ثم انتقل لهيب الثورة إلى القرى والمدن المجاورة انتصارا لدماء الشهداء وتضامنا مع أبناء المدينة الباسلة ، وسرت العدوى إلى بقية المدن والمحافظات السورية ، مما أوقع النظام في حالة ارتباك وتخبط فأسرعت بثينة شعبان مستشارة الرئيس السوري لتعلن في مؤتمر صحفي : أن مطالب الجماهير مشروعة ومحقة ، وقد أصدر الرئيس بشار الأسد تعليماته بعدم إطلاق النار على المواطنين ، وأن قرارإلغاء قانون حالة الطوارئ قد اتخذ وستصدر إصلاحات جديدة بما يخص حرية الإعلام ، وتعددية الأحزاب ، وأن سيادة الرئيس سيلقي خطابا في المستقبل القريب ليعلن عن حزمة إصلاحات جديدة .
وبعد انتظار طويل لخطاب الرئيس كان خطابه مخيبا للآمال ، دخل في تفاصيل أمور هامشية وتفلسف كعادته أمام مجلس التهريج ليهتفوا باسمه ويصفقوا له بعد كل كلمة أو ضحكة أو عطسة .
لم يسمع الشعب في الخطاب منه أي حزمة جديدة من الإصلاحات الموعودة ، بل حتى الإصلاحات التي صرحت بها بثينة شعبان حاول أن يميعها ويوجه رسالة غير مباشرة بأنها يمكن أن تبقى في الأدراج ست سنوات أخرى قادمة أو أكثر بعد مزاعمه بأنه قد أزمع إقرار هذه الإصلاحات عام 2005 بسبب الضغوط الخارجية ، فلما زال خطر الضغوط الخارجية أقفلت عليها الأدراج ، متذرعا بالجفاف والمؤامرات الخارجية ! ولعل تلك المسيرات التي سبقت الخطاب ، والتي حشدتها الأجهزة الأمنية بالإجبار والترهيب كان لها دورا واضحا في محاولة التنصل من وعود بثينة شعبان وتمييعها .
ناهيك عما صدع به رؤوسنا وهو يكرر تلك العبارات الصدئة والإسطوانات المشروخة والتهم المعلبة التي انتهت صلاحيتها وانكشفت أمام الجميع ولم تعد تقنع طفلا صغيرا من أطفال درعا ودوما ، من تآمر والمؤامرة والتآمر والمتآمرين .... ومندس ومدسوس واندس ومدسوسين .
ارتفعت وتيرة الاحتجاحات مطالبة بالحرية ضد الظلم والطغيان وانطلقت في جميع المدن السورية من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها تضامنا مع درعا ودوما وبانياس ، ثم انطلقت في أكبر جامعتين في سورية ، جامعتي دمشق وحلب .
حاول النظام أن يتحرك على عدة محاور إلاّ محور الإصلاح الحقيقي ، فقد حاول استخدام القمع المفرط والحصار على درعا وبانياس خاصة ، كما حاول التضليل الإعلامي بموضوع العصابات المندسة من عناصر الأمن السري التي تغلغلت بين المتظاهرين وأطلقت الرصاص على المواطنين المحتجين وعناصر الجيش أو الأمن ، وبعضها تمركز فوق المباني الحكومية بما فيها الدوائر الأمنية لقنص المواطنين واصطيادهم ، وعند رفض بعض الجنود تنفيذ أوامر إطلاق النار على إخوانهم من أبناء الوطن في درعا وبانياس ، تم إعدامهم بحقد ولؤم مباشرة بأوامر الأجهزة الأمنية ، ولإتمام المسرحية الهزيلة ادعوا قتلهم في بانياس على يد كمين مندس وعصابات إجرامية ، وليس في سورية عصابات مندسة تروّع المواطنين غير عصابات الشبيحة ، وذلك بهدف التغطية على الجريمة أولا ، وإيجاد وقيعة وهوة بين الجيش والشعب ثانيا ، ولإشعار الجيش بأنه مستهدف في هذه الإحتجاجات من قبل المتظاهرين ثالثا ، ورابعا لإيجاد مبرر لإطلاق يد الأجهزة الأمنية ضد المواطنين قي بانياس والبيضا وجميع المدن والقرى السورية للقمع والتنكيل والإعتقال والإهانات والسلب والنهب والإغتصاب للإنتقام من مدن الساحل وقراها على يد عصابات الشبيحة ، وخامسا لخلق فتنة طائفية وجر الطائفة العلوية إلى صف النظام وربط مصيرها بمصيره لخدمة الأجهزة الأمنية المستبدة والعائلة الأسدية الحاكمة .
جاء الخطاب الثاني للرئيس بشار بمناسبة تشكيل الحكومة الجديدة ، دون المستوى المطلوب ، ودون مواكبة الحدث وتحقيق مطالب المواطنين المطالبين بالحرية والعدالة والعيش الكريم ، فما زال الأمر عند النظام في مرحلة الوعود الهوائية التي لا يصدقها الشعب ما لم يراها ويعيشها واقعا ملموسا يتمثل في حياته اليومية ، وذلك كاستنتاج حتمي وموقف حاسم ونهائي من تصريحات هذا النظام ومسؤوليه بعد تجربة طويلة مع نظام الأب والابن ، وبعد خبرة أربعين سنة من حالة غياب المصداقية وانعدام الثقة والهوة السحيقة بين المواطن والمسؤول .
إن الحل الحقيقي يكمن في موقف عملي ومباشر يتسم بالوضوح والصراحة بين المواطن والمسؤول يلبى حاجات المواطنين وطموحاتهم ، لا يجتزأ الحلول ، ويقسم مكونات الشعب السوري ليرضي طرفا على أخر ، ولا يهمش فصيلا أو جماعة من الوطن على حساب عشيرة أو مجموعة أوطائفة أو إثنية .
لا بد من قراءة صحيحة واعية ومدروسة لما يدور في المنطقة بعيدا عن شماعة المؤامرات والأجندة الخارجية ، وإيجاد المبررات الفارغة للقمع الممنهج ضد المواطن المسحوق بدعوى ( احتضان المقاومة ، والممانعة .... والتصدي ! ) وغيرها من هاتيك (الكليشهات ) المنقرضة التي لا تملك أي رصيد أو مصداقية على أرض الواقع ، فالشعوب إذا ثارت تجرف أمامها كل شيء ، ولا يقف أمام حماسها القمع والبطش بل يزيدها إصرارا على تنفيذ مطالبها المشروعة في الحرية والعدالة والأمن والعيش الكريم وحقوق المواطنة والتعدديية التي تسمح بتداول سلمي للسلطة ، بعيدا عن حزب شمولي ونظام وراثي وقبضة قمع بوليسية .
إن ما تحتاجه سورية ليس تغيير حكومة ، وإن كان أغلب الوزراء الفاعلين لم يتغيروا ، ناهيك عن الطبيعة البوليسية والحزبية لتشكيلة الحكومة الجديدة ، بقدر ما هي بحاجة إلى تغيير استراتيجية وتطوير عقلية وطريقة تعامل بين المواطن والمسؤول .
إن الطريقة السليمة لإصلاح حقيقي في البلد يخرجها من الفوضى والأزمة ، يستلزم حرف إبرة البوصلة من النهج الأمني والحلول البوليسية والأساليب القمعية ، وتوجيه البوصلة توجيها صائبا باتجاه الحرية والعدالة واحترام المواطن وصيانة كرامته .
ما قيمة الوزير وقراراته إن كان بضعة عشر جهازا أمنيا يحكم قبضته عليه ويتحكم في سياسته وخططه ويتدخل في جميع قراراته ؟ .
ما قيمة وزير الإعلام – أو أي وزير آخر - إذا كان مسؤول أمني يقيل المسالمة أو غيرها باتصال هاتفي من منصب رئاسة تحرير صحيفة تشرين الحكومية دون إذن الوزير وربما دون علمه ، لمجرد تساؤل بسيط في مداخلة مع قناة الجزيرة حول العصابات المندسة ( الطرف الثالث ) والتحقيق عن مقتل عشرات المتظاهرين في درعا ؟
وبعد دفاعها اللامحدود عن النطام والخدمات الجليلة التي قدمته له في السابق .
مازال النظام يفكر بخطوة للأمام مترددا ، ما يلبث أن يفكر كيف يلتف على هذه الخطوة ، فيغير رأيه قبل أن يخطوها ، خوفا من الشعب ومطالبه العادلة في الحرية والكرامة .
إن الحل الحقيقي وصمام الأمان الدائم يستند إلى قرارت تلبي طموحات الشعب ، ليكون الشعب هو الحامي الحقيقي لنظام يقوم على العدل ويتخذ من الحرية مبدأ ، لا من نظام يعتمد على أجهزة مخابراتية لقمع الشعب وإذلاله بالترغيب تارة وبالترهيب تارات .
إن الحل الحقيقي يكمن في تحجيم ولجم الأجهزة المخابراتية والقمعية لتتحول إلى أجهزة أمنية حقيقية لحماية الشعب ، وليس لحماية النظام - ولو كان النظام فاسدا ومستبدا - ضد الشعب ولو كان الشعب مظلوما ومسحوقا .
الحل الحقيقي يحتاج إلى إجراء جذري وسلة حلول متكاملة ، لا مسكنات هنا ومخدرات هناك ، وحلول ترقيعية تمزق جسد الوطن لتسد شقا هنا أوخرقا هناك .
18 ( أبريل ) 2011
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat