استثمار واقعة الطف في المسرحية العربية.. مسرحية "ثانية يجي الحسين" انموذجا
د. محمد حسين حب

المقدمة

استثمرت واقعة الطف (61 ه / 680 م) من قبل الكتاب المسرحيين العرب والعراقيين، اذ وجدوا فيها العناصر الدرامية البارزة، والكاشفة عن طرفي الصراع المتناقض. فضلا عن ذلك، ما تتمتع به هذه الواقعة بوصفها حدثا تاريخيا يمتاز بمكانة خاصة ومتميزة بين وقائع تاريخية كثيرة، لانه حدث جلل.

الامر الاخر الذي دفع الكتاب المسرحيين لتناول الواقعة في نصوصهم، هو استمرار ظاهرة التعازي الحسينية المرتبطة بالواقعة، وباستذكارها سنويا في ايام عاشوراء من الاول من شهر محرم الحرام الى اليوم العاشر منه، حيث يعاد التذكيربواقعة الطف سنويا ضمن طقوس عاشورائية ومجالس عزائية جعلت من هذه التعازي ظاهرة دينية اسلامية، عدها الكثيرمن المؤرخين والباحثين المستشرقين والعرب، من اهم الظواهر التاريخية وابرزها.

من هنا تشكلت، لمشكلة البحث، قاعدته الاساسية لدراسة هذه الظاهرة ومحاولة استثمارها في النصوص المسرحية وتشخيص اهم الاسباب الكامنة وراء هذا الاستثمار.

اما ما يعط ي لهذا البحث اهميته والحاجة اليه، فهو توافر العديد من النصوص المسرحية المنشورة في الكتب والدوريات العربية والمحلية، فضلا عن ذلك ما اشارت اليه الكثير من الدراسات والابحاث المسرحية بوصف الظاهرة منبتا عربيا له جذوره التراثية، الى جانب كونها مرجعا اصيلا افادوا منه في محاولتهم للتاصيل للمسرح العربي.

يهدف البحث تعرف اهم المسرحيات العربية والعراقية التي استثمرت واقعة الطف، الى جانب الكشف عن طبيعة تناول الواقعة دراميا في النص المسرحي العراقي. ولقد اعتمد الباحث المنهج الوصفي في تحليل انموذجه الاجرائي.

(المبحث الاول) الاطار النظري للبحث واقعة الطف.. نظرة تاريخية لما هلك معاوية بن ابي سفيان بدمشق للنصف من رجب سنة (60 ه)، تولى ابنه يزيد بن معاوية مقاليد الحكم خلفا لابيه الذي قام بتحذيره قبل موته في وصية خاصة، من الامام الحسين بن علي(ع)، ودعاه الى ضرورة اخذ البيعة منه، وفعلاعندما تسلم يزيد الحكم، كتب الى عامله في المدينة الوليد بن عتبة، ان ياخذ البيعة من اربعة، لا من الامام الحسين(ع)وحسب، بل مع ثلاثة آخرين وهم: عبد الرحمن بن ابي بكر، وعبد اللّه بن عمر، وعبد اللّه بن الزبير ((263))، وفي رواية اخرى تقول: ومن ابى فاضرب عنقه وابعث الى براسه... ((264)) الا ان الامام الحسين(ع)، عندما علم بهذا الامر حين اخبره الوليد بن عتبة في مجلسه بضرورة البيعة ليزيد، قال قولته المعروفة: (.. فمثلي لا يبايع مثله) معلنا رفضه بصورة واضحة ولا رجعة فيه، ومن هذه اللحظة بدات الانطلاقة الاساس للثورة الحسينية تسير نحو جادة خلاصها بصورة عملية على صعيد الواقع الفعلي، وذلك باعلان الامام رفضه الحكم الاموي عامة وليزيد خاصة، بوصف ان يزيدا وحكمه قائمان على الفجور والفسوق والجور، والانفصال عن الدين الاسلامي الحنيف، دين جده النبي محمد(ص) خاتم الانبياء والمرسلين.

ولما وصل هذا الامر لاهل الكوفة، وعلموا عزم الامام الحسين(ع) على الرحيل الى مكة تفاديا لما سيدبره الوليد ضده،وبعد محاولات اخيه الامام محمد بن الحنفية في تقديم النصيحة وتحذيره من مغبة اختلاف الناس في ما بينهم، فطائفة معه واخرى عليه، فشكره الامام الحسين(ع) وطلب منه ان يبقى هو في المدينة يكون له عينا على اهله، وان لا يخفي شيئامن اموره، نجد في الجانب الاخر ان اهل الكوفة في العراق تدبروا حلهم الفوري حين قاموا بارسال رسائلهم يدعون فيهاالامام الحسين(ع) بالقدوم اليهم.

وما كان على الامام الحسين(ع) الا ان يبعث بمسلم بن عقيل(ع) الى الكوفة سفيرا له لينظر في ما اجتمع عليه اهل الكوفة،ويواصل متابعة موقفهم هذا والاطمئنان عليه، ((فان راى الناس مجتمعين مستوثقين عجل اليه بكتاب)) ((265))، وكان ذلك في النصف من شهر رمضان سنة 60 ه، وهو موعد خروج مسلم من مكة متوجها نحو العراق.

ولقد وافى اهل الكوفة مسلما في دار المختار ((بالترحيب واظهروا له من الطاعة والانقياد ما زاد في سروره وابتهاجه))، حتى احصى ديوانه ثمانية عشر الفا من المبايعين، وقيل: بلغ خمسة وعشرين الف، وفي حديث الشعبي بلغ من بايعه اربعين الف،فكتب مسلم(ع) الى الامام الحسين(ع) مع عابس بن شبيب الشاكري، يخبره باجتماع اهل الكوفة على طاعته، وانتظارهم لقدومه، وفيه يقول: الرائد لا يكذب اهله وقد بايعني من اهل الكوفة ثمانية عشر الف، فعجل الاقبال حين ياتيك كتابي((266)) .

الا ان يزيد بن معاوية اسرع بارسال عبيد اللّه بن زياد الى الكوفة ليطلب ابن عقيل فيوثقه او يقتله او ينفيه، وفعلا حدث الذي حدث بعد تفاصيل وويلات كثيرة كابدها ابن عقيل(ع)، حتى قضى نحبه حين امر ابن زياد بالصعود به الى اعلى قصرالامارة وان يضرب عنقه ويرمى براسه وجسده الى الارض، وكان معه هانئ بن عروة الذي قضى نحبه هو الاخر.

وحسب ما يرى الباحث، في انه لا يمكن الوقوف عند كل التفاصيل والاحداث التاريخية العظيمة التي سبقت يوم واقعة الطف فيهذه النظرة التاريخية المختصرة، الا انه من الاهمية بمكان ان يمر البحث على اهم النقاط المضيئة، والمواقف الكبيرة التي اعطت لواقعة الطف ابعادها الايمانية والانسانية التي من شانها ترصين وترسيخ مبادئ الدين الاسلامي الحنيف، وارتكازه الثابت على الاسس العقائدية الثابتة منذ نشر الدين الاسلامي، ولذلك قيل: ان الدين الاسلامي كانت بدايته محمدية وبقاؤه حسينيا.

نصل الى نزول الامام الحسين(ع) واصحابه في كربلاء في الثاني من المحرم (61ه / 680م)، وبعد مسيرة طويلة استمرت اياما وليالي، كان فيها الكثير من المواقف والاحزان والصبر على ملاقاة المصير، حينها جمع الامام(ع) اولاده واخوته واهل بيته ((ونظر اليهم وبكى وقال: اللهم انا عترة نبيك محمدغ قد اخرجنا وطردنا وازعجنا عن حرم جدن، وتعدت بنو امية علين، اللهم فخذ لنا بحقنا وانصرنا على القوم الظالمين)) ((267)) .

ومن المحطات الرئيسة الجوهرية يقف البحث عند موقف الحر بن يزيد الرياحي حينما وقف واصحابه امام الحسين(ع)،ومنعوه عن المسير، وبعد توالي الاحداث نعرف عدول الحر الرياحي عن موقفه وخياره في ان يكون مع الحسين(ع) ام عليه، فاختار الخيار الاول حتى استشهد بين يدي ابي عبد اللّه الحسين(ع) وكان من اوائل الشهداء في يوم الطف من انصارالحسين(ع).

وتجدر الاشارة الى ان ليلة العاشر من محرم (ليلة عاشوراء) كانت اشد ليلة مرت على اهل بيت الرسالة، حيث ((حفت بالمكاره والمحن، واعقبت الشر، واذنت بالخطر، وقد قطعت عنهم الحالة القاسية من بني امية واتباعهم كل الوسائل الحيوية،وهناك ولولة النساء وصراخ الاطفال من العطش المبرح والهم المدلهم..)) ((268))، الا ان الامام الحسين(ع) يختصر كل ذلك بقوله المشهور: (اني لا ارى الموت الا سعادة، والحياة مع الظالمين الا برما).

وفي يوم عاشوراء، تصدى الامام الحسين(ع)، واهل بيته وعياله، واصحابه الثلاثة والسبعون لجيش عمر بن سعد البالغ عدده نحو ثلاثين الفا، حيث كتب التاريخ الاسلامي اسمى معاني الجهاد والبطولة والشهادة في مواجهة اعداء اللّه والاسلام، والكشف عن الثبات الايماني الواحد برغم كل التضحيات، حتى استشهد آخر من بقي مع الامام الحسين(ع)، وصولا الى استشهاده هو نفسه على يد اعداء اللّه والدين والانسانية، وبطريقة لم يشهد التاريخ اقبح منها ولا اقسى ولا امر، الامر الذي تحول فيه هذا اليوم، يوما خالدا ومتميزا من ايام التاريخ، لا تمر ذكراه الا ويستذكر المسلمون والبعض من غير المسلمين  يوم العاشر من المحرم سنويا.

(المبحث الثاني) واقعة الطف في المسرحية العربية تقول المستشرقة السوفيتية تمارا الكساندروفنا في كتابها (الف عام وعام على المسرح العربي)، وبعد اطلاعها على الاحداث الملازمة لقضية الحسين(ع) ما قبل وما بعد بوصفها مادة مشبعة بالدراما الحقيقية والتراجيديا، تقول: ((ولايتبقى لنا في النتيجة الا ان ناسف لعدم ولادة شكسبير عربي، كان باستطاعته تجسيد طباع ابطاله وسلوكهم في الشكل الفني للتراجيديا الدموية. ان فيهذه المادة من المؤامرات والقسوة والتعسف والشر ما لا يقل عما كانت عليه في مواضيع عصر حروب الوردة الحمراء والوردة البيضاء، لكن رغم عدم توفر الاساس الادبي المتين، فقد ادى مصير الحسين الماساوي، وادت معركة كربلاء الى ولادة (التعزية)، التي تعتبر من اقدم العروض المسرحية في العالم الاسلامي)) ((269)).

لكن على الرغم مما تقدم في راي الكساندروفنا وطموحها في ظهور نص مسرحي عربي عن واقعة الطف، ياخذ شهرته الدرامية مثلما اخذت نصوص شكسبير مكانتها الادبية، فقد ظهرت نصوص مسرحية عربية عديدة استثمرت احداث واقعة الطف في بنيتها الدرامية ومتنها الحكائي، منها ما اخذ شهرة معقولة في الساحة الادبية والمسرحية، ومنها ما بقي محدودا لضيق مساحة النشر الذي اضعف تداول المطبوع بين البلدان العربية، لانه اقتصر على نشره لمرة واحدة، فضلا عن ذلك المحاذير التي كانت مهيمنة على عيون الرقابة والسلطة السياسية في اكثر من بلد عربي ازاء موضوع كهذ، وما يشكله من حساسية خاصة بين هذا الطرف وذاك.

وعليه، فقد قام الباحث بتتبع عدد من هذه النصوص المسرحية العربية التي استثمرت الواقعة، من خلال المسح الشامل وبالقدر الممكن، محصيا هذه النصوص على النحو الاتي:

1- نص مسرحية (الحسين) لمؤلفها (محمد الرضا شرف الدين)، وهو اول من كتب المسرحية الشعرية في العراق.

كتب هذه المسرحية في بغداد سنة (1352ه / 1931م).

2- نص مسرحية (مصرع الحسين) للشاعر السوري (عدنان مردم بك) منشور في مجلة العرفان، المجلد 26.

3- نص (نشيد الشهيد) فارسي الاصل، اعداد (محمد عزيزة) بعنوان (آلام الحسين او ماساة كربلاء)، ترجمة: رفيق الصبان، والنص معد عن عدد من نصوص التعزية.

4- مسرحية (هكذا تكلم الحسين) للشاعر المصري (محمد العفيفي)، وهي مسرحية شعرية في خمسة فصول، نشرت عام 1969 م.

5- مسرحية (ثار اللّه) بجزاين (الحسين ثائرا)، و(الحسين شهيدا) للشاعر (عبد الرحمن الشرقاوي) 1969 / 1970 م.

6- نص (مقتل في كربلاء) للشاعر المصري (فتحي سعيد) في ديوانه الشعري مصر لم تنم، الصادر عام 1973 م والنص عبارة عن قصيدة طويلة.

7- مسرحية (مساء التامل) اعداد قاسم محمد، نشرت عام 1974، وهو عبارة عن سيناريو مسرحي اعتمد فيه المعد على ستة مصادر مسرحية.

8- مسرحية (الحسين يموت مرتين) للكاتب المغربي (عبد الكريم برشيد)، وهو كتابة جديدة معدة عن نصوص التعزية.

9- نص (تعازي فاطمية) للكاتب التونسي (عز الدين المدني).

10- مسرحية (الحسين تراجيديا في ثلاثة فصول) للمؤلف المسرحي السوري وليد فاضل، نشرت عام 1998 م.

وينوه الباحث عن وجود نصوص مسرحية اخرى اتخذت من واقعة الطف خلفية لاحداثها، او تمر على ذكر الواقعة هامشيا على وفق الموقف الدرامي وحاجته الى ذلك، بل ان هناك من النصوص حاولت الترميز الى الواقعة وابطالهابمسميات مباشرة مرة وغير مباشرة مرة اخرى.

وسيتوقف البحث عند بعض من النصوص المسرحية سالفة الذكر، محاولا تتبع صيغ كتابتها والكشف عن طبيعة استثماركتابها للحدث التاريخي وتناوله دراميا.

1- مسرحية (هكذا تكلم الحسين) للشاعر المصري محمد العفيفي:

ما يلفت الانتباه اولا فيهذه المسرحية هو النقد والدراسة التي جاءت في مقدمتها للاستاذ العلامة علي الكوراني، تعرض فيها للمشكلات الاساسية التي تواجه شاعر المسرح المعاصر، موضحا الاساليب المناسبة للتصوير المسرحي لتقديم الشخصيات وخاصة التاريخية منها، الى جانب تعرضه لمشكلة الايقاع في الشعر المسرحي والوحدة والحيوية في العمل المسرحي، فضلا عن ذلك اعطاء حكمه عن شرعية التمثيل في قوله: ((اما التمثيل فهو وسيلة كمختلف الوسائل الاعلامية، يحدد جوازه وحرمته الهدف منه وعدم منافاته للاحكام الشرعية)) ((270)) .

تتكون المسرحية من خمسة فصول، يبدا المشهد الاول منها من الفصل الاول بظهور معاوية على فراش الموت معلنا عن ارتياحه، لان يزيدا سيورثه الحكم من بعده، ليتصاعد الموقف بينه وبين مجموعة الزبانية، الذين يخالفونه الراي وهويخوض فيهلوسته في الدفاع عن رايه وعن ابنه يزيد. كما يكشف هذا المشهد عن موقف يزيد من طلب البيعة اليه من الحسين بن علي(ع)، والاصرار على ذلك حين يخاطب جواسيسه فنراه يقول: ((اما انت وانت وانت / فلتنتشروا حول حسين حتى لا يشرب جرعة ماء كانت اعينكم سابحة فيها / واروني فعل شياطين امية / فانا ارجو ان تتلطخ ايديكم بدمه/ وخطاكم قد بلغت ارض الشام بتلك البشرى)) ((271)) .

كما تعرض المؤلف فيهذا الفصل الى شخصية (جعدة) زوجة الامام الحسن(ع) في فعلتها الدنيئة، حينما قامت بتقديم السم الى زوجها طمعا في الوعد الذي قدمه لها معاوية بتزويجها ولده يزيد اذا ما قامت بذلك.

لكن العفيفي حاول التدخل دراميا حينما تصرف بان جعل جعدة تعلن عن ندمها الواضح في النص ازاء فعلتها الشنيعة تلك.

في الفصل الثاني وفي المشهد الاول منه يكشف النص ظهور ساحة بيت الحسين وحوله فئات من اهل المدينة يتشاورمعهم في ما يجب عمله للخلاص من تخطيط يزيد واعوانه، مؤكدين على ثباتهم مع الحسين(ع) الذي يقول: ((لن نرجع حتى تنهشنا ذؤبان الفلوات / وتمزقنا اظفار الجلادين / فليسرع بعد الشقة خلف خطانا / حتى لا تهوي جذوتنا في ظلمات الحيرة / وبانفسنا نور يجري مجرى الدم / ولننقش بالدم ما يقراه الليل بعين نهاره / وتعانقه خفقات قلوب ماخفقت بعد / او نرجع للامة حريتها / فتعود الى اللّه ولا تسجد للطاغوت)) ((272)) .

لقد استند العفيفي الى استخدام الموسيقى الشعرية ببلاغة محكمة ومثيرة للمشاعر والعواطف الانسانية الجياشة بلغة شعرية يتجلى فيها استخدام الصورة الشعرية في الجمل الحوارية المتبادلة ما بين الشخصيات وخاصة تلك التي نتلمسها في حوارات الحسين(ع) وزينب ومسلم وهانئ والحر الرياحي، بل نجد ذلك الاستخدام الصوري الشعري حتى في حوارات الشخصيات التي تقع في كفة الصراع الاخرى، كفة الشر والمتمثلة هنا في شخصيات امثال: معاوية ويزيد وعمر بن سعدوشمر بن ذي الجوشن.

كذلك يمكن تلمس الدقة التاريخية التي استند المؤلف اليها في التفاصيل الصغيرة لاحداث الواقعة، وتسلسل احداثهاالتراتبي وفي اشخاصها باسمائهم الصحيحة ومواقفهم الحقيقية، لدرجة ان تصل هذه الدقة التاريخية لدى العفيفي الى الكشف عن عيوب النطق لدى ابن زياد، فهو مثلا كان يلفظ الحاء هاء، بمعنى انه يقول (هسين) بدلا من(حسين).

كما نجد التعامل مع الدقة التاريخية في اقوال مشهورة منسوبة تاريخيا لاشخاصها فيعمل العفيفي على الكشف عن الاقوال نفسه، ولكن بحوار شعري يتلاءم وموسيقاه الشعرية المنسجمة مع لغة النص، مثال ذلك حوار الحسين:

((افبالموت تخوفني / وحياة الموتى اكرم من موت الاحياء... )) ((273))، كذلك ما هو مبين في حوار ابن زياد: ((ما خانك قط امين لكن قد يؤتمن الخائن / اخزاك اللّه لقد اخفرت امانته)) مخاطبا ((274)) ابن سعد.

كذلك فقد عمد العفيفي الى الحوار الذاتي مع انا الشخصية الشاعرية المؤثرة التي تكشف عنها مثل هذه المناجاة الذاتية،فنجد الحسين يقول: ((لو كان الامر الى نبذت السيف / ولزمت القرآن / ورايت يزيد فلم ابصره / لكن الناس نسوا اللّهفانساهم انفسهم / وغدا الانسان حذاء في قدمي حاجاته / اللقمة عين ساهرة ترقب اسراب لهاثه / والماء افاع تتلوى فوق لسانه/والخوف ذراعاه وساقاه وعيناه / ورفاق الدرب وخلان الخلوات/ وصرير الباب ولمسة ثوب الطفل)) ((275)) .

كما جعل العفيفي عمل المجموعة او الكورس والمتمثلة هنا ب (الزبانية) و (الجلابيب) كما هو دورها في المسي اليونانية والرومانية، فهي تدخل في الحدث الدرامي وتعلق عليه، وتعط ي به رايا وتتخذ موقفا واضحا من ذلك الحدث.

وبعد سير الاحداث بتسلسلها التاريخي نفسه، وانتقال الحدث من مكان الى آخر، يصل بنا النص الى موقف الحر بن يزيدالرياحي، وخياره بين ان يكون مع الحسين ام عليه، محاولا الوصول الى عين الحقيقة، وفيهذه الحوارية دليل على ذلك:

((الحر: يا لتنازع اهوائي / صليت وراءك يا سبط رسول اللّه / ووضعت السيف فصلى خلفك / بوضوء الوهج الدامي /...فباي ضمير ارفع سيفي في وجهك / لكن لم لا احتال على عيشي / فاطيع ابن زياد في بعض الامر/ ثم يثوب يزيد الى رشده / ويعود حسين من حيث اتى /... افديك ابا عبد اللّه بنفسي... )) ((276)) .

كما كشف الكاتب عن موقف خاص يتعلق بشخصية الحر الرياحي، حينما تيقن من وجود عيون تراقبه وتسير وراءه،متابعة تنفيذاته لاوامر ابن زياد، وهذا ما استفزه، لشعوره بانه اهانة لشخصه اول، ولاعتباريته كقائد حرب ثاني، الامر الذي مهد لوضعه النفسي وبحسب النص بان يفسح لنفسه زمنا كافيا للتفكير بما يجري حوله، بهدف اتخاذ القرار الحاسم والمناسب.

ولقد تصرف الكاتب بزمن الاحداث الجارية في نصه، فلجا الى طريقة الارتجاع الفني (دح چچ خژچدب )، محاولا دمج الماضي بالحاضر، واستحضار الشخصيات الميتة ليضعها في مشاهد تتداخل وسير الاحداث التاريخية لواقع النص نفسه، فنجد(معاوية وهند وابا سفيان) يظهرون بين ثنايا الحدث الاصلي للنص في اكثر من فصل ومشهد، كاشفا بذلك عن عالم آخريكابد اشخاصه الم الندم والحسرة على ما اورثوه لاخلافهم من خطايا وآثام، وكانهم بذلك يتابعون ما يقوم به اخلافهم فيزيدهم ذلك عذابا وتانيبا للضمير مستمرين.

كما ويلجا العفيفي في بعض مشاهده الى طريقة التمثيل الصامت لتنفيذ بعضا من اوامر الشخصيات ((277))، الامر الذي يحيلنا مباشرة بعد ان كشف الكاتب عن طريقة تعامله مع الجوقة واستخدامه الارتجاع الفني والتمثيل الصامت الى تاثر الكاتب بالنص الملحمي البرشتي في بعض من استخداماته المتنوعة في بنية النص. الى جانب ان الكاتب متاثر ايضابالمسرحيات الدينية التي ظهرت في العصور الوسط ى، حينما اظهر مشاهد عن العالم الاخر، مثلما حدث مع المشهدالسادس من الفصل الخامس، حينما جعل مجموعة الزبانية في ظلام دامس يحيطون بدائرة زرقاء قاتمة، كما ضمت هذه الدائرة الزرقاء نفسها في المشهد الذي يليه شخصيات القتلة جميعهم: معاوية وهند ويزيد وشمر، وهم محاصرون بالضياع والندم والعذاب فيهالة من الظلام الدامس والالام المستمرة، وكانهم يعيشون فعلا في العالم الاخر، عالم العقاب ما بعدالموت او الثواب والعقاب ما بعد الموت بحسب موقف الشخصية من الحدث الرئيس في المسرحية ((278)) .

ومما تجدر الاشارة اليه الى ان اللغة الشعرية التي اعتمدها العفيفي، وفي اغلب مشاهد المسرحية، وخاصة المتعلقة بمواقف الامام الحسين (، والمواقف التي اعقبت استشهاد اهل بيته واصحابه الميامين، نجدها لغة شعرية عالية التاثيرعند قراءتهاواستنباط معانيها وقابليتها على دغدغة المشاعر الانسانية، فمثلا يتحاور مجموعة من الزعماء بعدما خلا الحسين الى وداع ولده علي الاكبر وهو يسلم الروح بين يديه:

((زعيم 1: دوحة قد سقطت اوراقها الخضر جميعا / وعليها طائر الغيم يغني نغما يبكي السماء / فهي حمراء كجذوة / منذ سوى معول الموت برمل الطف / جدران ذويه. زعيم 2: انه لا يسلم الروح ولكن ينبت الارض غناء / يا لالحان السماء..)) . ((279)) 2 مسرحية (ثار اللّه) بجزايها (الحسين ثائرا) و (الحسين شهيدا) للشاعر عبد الرحمن الشرقاوي:

على الرغم من اعتماد الشرقاوي في مسرحيته هذه على مرجعية تاريخية لاحداث واقعة الطف، وحسب تسلسل تفاصيل احداثه، وعلاقة ذلك بمكان وزمان الحدث، وتاثير ذلك الحدث على افعال الشخصيات بحسب موقعها في طرفي الصراع،الا انه بدا من زمن بعيد من زمن الواقعة، فالكاتب قد بدا في الاشهار عن ندم (وحشي) في قتله (حمزة بن عبد المطلب)،فيكون الكاتب قد بدا من الندم الذي انتهى اليه العفيفي في نهاية مسرحيته، الى جانب ان الشرقاوي اراد التلميح الى افعال الشر الممتدة في اكثر من مكان وزمان وهي تحارب اصحاب الحق والحقيقة.

بعد ذلك يتوقف النص عند موقف تاريخي مهم له مكانته الخاصة في نفوس المسلمين، وهو لحظة وداع الرسول الكريم محمدغ، وبذلك يكون الشرقاوي قد المح الى الانطلاقة الاولى والقاعدة الاساس للثورة الحسينية المباركة التي رصنت بنيان الدين الاسلامي، واسهمت في بقائه الازلي.

لقد اهتم الشرقاوي في بداية مسرحيته بمشهد اساس يجمع بين (محمد بن الحنفية والامام الحسين غ، لاهمية ما يتميز به هذا الموقف التاريخي من ابعاد ايمانية ومبادئ ثابتة كشفت عن معاني الاخوة، وتقديم النصيحة، والاخذ بالمشورة على وفق المبادئ الاسلامية نفسها. فضلا عن ذلك ان هذا الموقف هو البداية التي انطلق منها الحسين(ع) متوجها نحوالواقعة.

اما ما يتعلق باسماء الشخصيات، فلقد اعتمد الكاتب الاسماء التاريخية الصريحة والقابها المعروفة، فنجد الشخصيات مثل:(حبيب بن مظاهر، وزهير بن القين، ونافع، وابن عوسجة، وسكينة، وزين العابدين، والمختار الثقفي) وغيرهم،بالاضافة الى اهتمام الكاتب بالمكان والزمان في كل مشهد من مشاهد المسرحية، ففي المنظر الاول من الفصل الاول نراه يثبت الاتي: ((بادية بجنوب العراق على مقربة من كربلاء تتناثر فيها التلال.. الحسين ورجاله وفتيانه يتفرقون في المكان على المرتفعات والمنخفضات.. سعيد يقف على اعلى المرتفعات وهو يتامل الافق البعيد تحت الشمس المتوهجة التي تغمر المكان كله)) ((280)) .

كما وجد كاتب هذا المقال، تاكيد الشرقاوي على وصف كل منظر من مناظر المسرحية، لكي يعزز من دقته التاريخية اول،ويفسح المجال امام القارئ لتخيل الحدث ثاني، بل انه يذهب احيانا الى تقسيمات المسرح اخراجي، فمثلا يثبت في ملاحظة له في بداية المنظر الثاني من الفصل الاول كما يلي:

((المسرح مستويان: المستوى الاول منخفض من ناحية مقدمة المسرح وبه اشجار.. هو معسكر اعداء الحسين من ورائهم على جانب يبدو نهر الفرات من بعيد.. حيث يقف الحر صامتا امام باب الخيمة.. والمستوى الثاني مرتفع فيه صخور ورمال حيث يقف الحسين وصحبه، وهذا المستوى الثاني يحتل النصف الابعد من المسرح حتى عمقه على يساره باب خيمة النساء. )) ((281)) اما لغة النص فهي اللغة الشعرية بتنوع موسيقاها واوزانها الشعرية، تنقل فيها الشاعر من بحر الى آخر، ولكن باعتمادقصيدة التفعيلة او ما يسمى بالشعر الحر، الى جانب الاهتمام برسم الصورة الشعرية التي تتناسب وحجم الفاجعة، فمثلايقول الحسين(ع) في المنظر الرابع من الفصل الاول، حينما بقي وحده وعياله من النساء والاطفال:

((الحسين: انا وحديها هنا انا وحدي وظلام الليل والهول وفي الاعماق مازال شعاع من رجاء لم يعد غير الدم المسكوب فوق الصحراء لم يعد غير الافاعي وفحيح الجرح والويل الثقيل المدلهم لم يعد الا رياح الموت تعوي في العراء وسعير الضما المجنون في التيه الاصم اين انتم يا احبائي جميعا اين انتم؟ اين فتياني.. اما عاد هنا غير الضياع؟)) ((282)) .

اود التنويه هنا الى ما ذكره (محمد جواد مغنية) في كتابه الموسوم (الحسين وبطلة كربلاء) عن مسرحية الشرقاويهذه عندما قدمت لاول مرة وبخطوة جريئة على المسرح القومي المصري ومن اخراج (كرم مطاوع) عام 1972 م، وبعدالموافقات الرسمية للمسرحية من قبل علماء الازهر واستشارتهم عن الطريقة التي سوف تظهر بها شخصيتا (الحسين وزينب غ) بمثابة رواة لما تقوله الشخصية، ولكن وبعد اكمال العمل وصرف المبالغ فوجئ الجميع بان الازهر له وجهة نظراخرى فيما يخص الجمع بين الجزاين للمسرحية، وتبدو هذه حجة لا اكثر الغرض منها منع عرض المسرحية في حينه،بعد ان اكتملت في شكلها النهائي الجاهز للعرض، والذي شاهده حينها عدد من المسرحيين والنقاد، ومنهم الكاتب اميراسكندر الذي كتب عن هذه التفصيلات في مقالة له بعنوان (ثار اللّه) والمنشورة في جريدة الجمهورية المصرية في 18 / 2/ 1972م، كل هذا انما يؤكد محاربة الرقيب لاستثمار الواقعة في مجالات اعلامية وفنية ابداعية بدات منذ فترة ليست بالقصيرة، ومن قبل بعض السلطات العربية التي لا تريد الاعتراف بجورها وظلمها ازاء شعوبها، ولذلك فهي تخاف الاقتراب من قضية الامام الحسين(ع)، او التعرض لذكر واقعته في اي محفل اعلامي او فني يمثلها او يرزح تحت تسلطها.

3- مسرحية (مساء التامل) اعداد قاسم محمد اعتمد معد المسرحية على مصادر عدة بوصفها مادة السيناريو المسرحيهذا، حيث ان هذه المادة ماخوذة، وبحسب النص، عن المصادر التالية : ((283)) 1- مسرحية ماساة الحلاج، للشاعر صلاح عبد الصبور.

2- مسرحية هاملت للكاتب الانجليزي وليم شكسبير.

3- مقطع من مقولات تشي جيفارا.

4- نص (ماساة كربلاء) عن الكتاب الفارسي (جونج ي شهاديت) اعداد محمد عزيزة.

5- مسرحية هكذا تكلم الحسين للشاعر محمد العفيفي.

6- مسرحية ثورة الزنج للشاعر معين بسيسو.

على الرغم من تنوع مصادر اعداد نص المسرحية، الا ان كاتب المقال يشير الى التشابه القائم في الموقف الثوري الواضح لكل شخصية تاريخية من الشخصيات الوارد ذكرها في المصادر، حيث الثبات على المبدا الواحد الذي يجمع بين (الحلاج وجيفارا وعبد اللّه بن محمد وهاملت) وبين الامام الحسين(ع).

لقد حاول معد المسرحية هنا التخلص من عين الرقيب، حينما لجا الى التلاعب باسماء الشخصيات التاريخية الصريحة وتغييرها باسماء ترمز لها، وذلك لغرض استحصال الموافقة على نشر المسرحية، وفعلا نجح في ذلك حينما نشرت في مجلة الاقلام العراقية، في عددها السادس عام 1974م، ومن جانب آخر كان لهذا التغيير في الاسماء اثره في توسيع المديات الايمانية المتمثلة في شخصية الامام الحسين(ع) بوصفه رمزا انسانيا للعالم اجمع، يمثل اعلى درجات التضحية للالتزام بالموقف الواحد، اذا علمنا ان المعد قد الغى الزمكانية وجعلها العالم كله والتاريخ كله وبعد مراجعة بعض مصادر الاعداد لنص قاسم محمد، وجدت مثل، ان اسم (الشهيد) الوارد في النص، جاء بديلا عن اسم(الحسين(ع))، واسم شخصية (الحاكم) بديلا عن اسم (عبيد اللّه بن زياد)، واسم (قائد فيلق الاستكشاف) بديلا عن اسم(الحر الرياحي).

اعتمد النص ايضا طريقة الارتجاع الفني، بالاعتماد على شخصية المراة وطريقتها في رواية المشاهد الماضية التاريخية منها، او التي سبقت الموقف الحالي في النص، فمثلا نراها تواصل روايتها للاحداث كما يلي:

((المراة: وفي الصحراء، كان فيلق الاستكشاف قد ضل الطريق وتشتت جنده، والكثير من رجاله قد ماتوا عطش، اما مابقي منهم على قيد الحياة فيزحف وقد نفدت قواه. ومر موكب الشهيد في نفس المكان الذي كان ينازع فيه قائد فيلق الاستكشاف)) ((284)) .

اما لغة النص فقد تنوعت ما بين الشعرية والنثرية وذلك لتنوع مصادر الاعداد اصل، بالاضافة الى الملاحظات والجمل التي يسطرها المعد نفسه بلغته الخاصة. مع الاشارة الى ان النص اعتمد في غالبية اقتباساته على نصي: (نشيد الشهيد، وهكذاتكلم الحسين)، وذلك لان الاول يقترب كثيرا من احداث الواقعة كونه من نصوص التعزية، والثاني يحفل بلغة شعرية تجمع بين الحدث الواقعي والتامل التخيلي، مع الاشارة الى ان (مساء التامل) نفسه كعنوان لهذا النص قد استخرجه المعد من احدمصادر اعداده وهو نص نشيد الشهيد.

4- نص (مقتل في كربلاء) للشاعر فتحي سعيد:

النص عبارة عن قصيدة طويلة قسمها شاعرها على عدة مقاطع شعرية متتابعة، لم تلتزم التسلسل التاريخي لاحداث الواقعة، ولكنها التزمت بوحدة موضوعية جعلت منها نصا شعريا دراميا يقترب كثيرا من السيناريو بمشاهده المختلفة،والمختارة من مناطق تاريخية متعددة، وبحسب موقف الشخصية المختارة وعلاقة ذلك بوحدة الموضوع.

يبدا النص بحوارية شعرية تنشدها (الجوقة)، ولكن هنا يستند مؤلف النص الى مرجعية اخرى في استثماره لواقعة الطف،حيث يوظف الطقوس المصرية الدينية بصيحات القائمين فيها بكلمات: (مدد.. مدد)، وذلك لغرض تقريب الصورة المسرحية من الواقع الشعبي وتاثيرها على المستمعين.

تقول الجوقة:

((... وقدمت الراس هدية ليزيد كما قدمت راس يحيى من قبل هدية لبغي من بغايا بني اسرائيل..)) ((285)) اقتربت لغة النص الشعرية، هن، من لغة (العفيفي) في مسرحيته، وذلك لاسباب تتعلق بانتقال لغة الشعر الحديث الى كتابة قصيدة التفعيلة الحرة، حيث ان الشاعرين عاشا الفترة نفسها تقريبا التي شهدت تلك التحولات الشعرية.

ولقد لجا سعيد الى ترقيم مشاهده / مقاطعه الشعرية، بطريقة متسلسلة تبدا بالرقم (1) وصولا للمشهد الاخير، بالرغم من ان ليس هناك تتابع درامي لبناء الاحداث، لاعتماد الشاعر الاسلوب الملحمي في كتابة النص، فضلا عن وجود شخصية(الراوي) التي من شانها ان تعزز هذا الاسلوب.

واخيرا اشير، هنا الى ان الشاعر لجا الى الافادة من ابيات شعرية تاريخية جاءت على لسان اصحابها، وذلك لاضفاء سمة تاريخية حاول الشاعر عصرنتها مسرحيا.

5- نص (آلام الحسين او ماساة كربلاء) اعداد محمد عزيزة:

لقد جاء هذا النص، بلغة نثرية وصفية للاحداث ولكل ما يقال، كما نلمس الاختصار السريع لاحداث عظام، لم يتوقف النص عندها كثير، فجاءت مروية على لسان الجوقة ورئيسه، الذي ظهر هنا متتبعا الاحداث، الى جانب كونه وجماعته يمثلون انصار الحسين(ع) ومؤيديه، وهذا واضح منذ البداية.

كما يشير النص الى زوجة الامام الفارسية (شهرا بانو) وتبرير ذلك ياتي لكون النص فارسي الاصل.

وفي حوار السيدة زينب(ع) الذي تقول فيه: ((الفرات يتابع مجراه.. )) ((286))، ما هو الا التاكيد على مواصلة طريق الجهادوالتضحيات في سبيل ترسيخ دعائم الدين، مهما كانت التضحيات، ومهما عظمت الرزايا، فطريق الحق لا بد ان يتابع مجراه، مثلما هو الفرات الذي سيظل يجري برغم كل هذه الدماء.

كما يتوقف النص سريعا عند الاشارة الى (ولاية الري) وهي ولاية في جنوب طهران، والتي وعد بها يزيد الى عمر بن سعد، بعد قتله للحسين(ع)، كما يشير النص ايضا الى روايتين عن دفن راس الامام الحسين(ع)، الاولى تقول ان الراس مدفون في بلاد فلسطين القديمة، والثانية تقول في كربلاء ((287)) .

ويذكر محمد عزيزة، انه في نهاية تقديم هذا النص امام المشاهدين نراهم يتدخلون آخر الامر ((بحماسة تفوق حماسة الممثلين.. ويبدو الامر وكان الممثلين والمشاهدين قد خضعوا للعذاب نفسه يعيشون بصورة واحدة،... فاجعة الحسين الرهيبة، ويصبحون بذلك مثالا حيا للتقمص.. )) . ((288))

6- (الحسين مسرحية تراجيدية في ثلاثة فصول) لوليد فاضل:

لعل هذا النص المسرحي لمؤلفه الكاتب والاديب السوري وليد فاضل ((289))، يعد آخر نص مسرحي عربي استثمر واقعة الطف في بنيته الدرامية، حيث انه نشر عام 1998 م.

عمد الكاتب الى عنونة فصول مسرحيته الثلاثة، فجاء الفصل الاول بعنوان (الحسين والشمر)، والفصل الثاني بعنوان(كربلاء)، اما الفصل الثالث فجاء تحت عنوان (الراس والهاشميات). ما يلفت الانتباه الى هذا التقسيم هو ان المسرحية تبدوثلاث مسرحيات منفصلة بالعنوان، لكن ما يجمعها هو احداث واقعة الطف ما قبل وما بعد موضوعا رئيسا لهذه المسرحيات.

ومن المفيد الاشارة هنا، الى ان الكاتب وعلى الرغم من تجزئته لاحداث المسرحية، الا انه لم يبتعد كثيرا عن التسلسل التاريخي لاحداث الواقعة، ذلك انه قد اتبع مصادر تاريخية، جعلها مرجعا اساسا له في متابعة الحدث ومصداقيته، من هذه المصادر، وبحسب اشارة الكاتب نفسه، نذكر: الاحتجاج لاحمد بن علي الطبرسي، وتاريخ الطبري لابي جعفر محمدبن جرير الطبري، وتاريخ ابن الاثير لضياء الدين نصر اللّه الجزري ابن الاثير، ومقتل الحسين للعلامة المرحوم عبد الرزاق المقرم، ومقتل الحسين للخطيب المرحوم الشيخ عبد الزهرة الكعبي، والامام الحسين لعبد اللّه العلايلي، وادب الحسين وحماسته لاحمد صابر الهمداني.

مما تجدر الاشارة اليه، ان الكاتب رغم اعتماده المصادر التاريخية والتسلسل التاريخي للواقعة، الا انه حاول اضفاء بنية كتابية حديثة على التسلسل المشهدي في الفصل الواحد، حيث يتنوع وينتقل الزمان والمكان من مشهد الى آخر، وبحسب الموقف الدرامي الواجب كشفه، فمثلا وكما جاء في الفصل الاول من المشهد الاول، الذي يبدا بعنوان ضمني جديد وهو(زياد ابن ابيه) في مكان وزمان معلومين، لينتقل بعده مباشرة الى مشهد يليه بعنوان (موت معاوية) في مكان وزمان آخرين، والحال نفسه يستمر مع مشهد جديد بعنوان (يزيد وسرجون)، وهكذا يستمر هذا التقسيم الضمني بعنونته لكل مشهد درامي موجود ضمن التسلسل المشهدي في كل فصل من فصول المسرحية الثلاثة ((290)) .

لقد ضم الفصل الاول من المسرحية (21) شخصية تاريخية، الى جانب جموع مشاركة في الحدث بينما ضم الفصل الثاني(26) شخصية تاريخية، الى جانب جنود ورجال آخرين، اما الفصل الثالث فقد ضم (31) شخصية تاريخية الى جانب حرس وجنود واناس آخرين، وبهذا العدد الكبير من الشخصيات يكون الكاتب قد حاول ان يلم بالاحداث التاريخية للواقعة، وبشخصياتها الفاعلين في زلزلة اركان مواقفها الدرامية، وانطلاقات احداثها الصغيرة والكبيرة، بصورة مباشرة مرة،وبصورة غير مباشرة مرة اخرى، بمعنى آخر ان الكاتب حاول ان يتعامل مع الشخصيات المركزية لمحور الاحداث، فضلاعن تعامله مع الشخصيات الواقعة فيهامش الاحداث، ولكن بحسب الضرورة الدرامية لاختيار شخصية تاريخية ماوتفعيلها في بنية النص من الشخصيات المركزية في النص مثل، يشير كاتب المقال الى: الحسين ابن علي بن ابي طالب(ع)، وزياد ابن ابيه، و شمربن ذي الجوشن، وعبيد اللّه بن زياد، ويزيد بن معاوية، وعمر بن سعد، والضحاك بن قيس الفهري، وسليمان بن صرد،وحبيب بن مظاهر، وزينب بنت علي بن ابي طالب(ع)، وغيرهم من الشخصيات المركزية التي تظهر في الفصل الاول.

اما في الفصلين الاخرين فتظهر شخصيات مركزية اخرى مثل:

القاسم بن الحسن(ع)، وزهير بن القين، وعلي الاكبر(ع)،والعباس بن علي(ع)، وسكينة بنت الحسين، ورقية بنت الحسين، وزين العابدين بن الحسين(ع)، الى جانب شخصيات اخرى مثل: سرجون بن منصور الرومي، وصهيب، والشيطان (الذي له تجسدات كثيرة منها الشمر وسرجون) وحرملة بن كاهل الاسدي، وسنان بن انس، والحصين بن تميم، وخولي بن يزيد الاصبحي (حامل راس الحسين(ع))، وزيد بن ارقم،والنعمان البشير، وخالد بن يزيد، ويحيى بن الحكم، وهذا الى جانب شخصيات اخرى مثل: فاطمة بنت الحسين، وصوت فاطمة الزهراء(ع)، وصوت الامام على(ع)، وعبد اللّه بن الحسين، وغيرها من شخصيات مركزية، الى جانب اعداد كثيرة من شخصيات هامشية من الجنود والحرس والحاشية.

ومما تجدر الاشارة اليه، ان المؤلف اعط ى مكانة خاصة لشخصية الامام الحسين(ع)، ومنذ المشاهد الاولى للمسرحية،حيث عمد الى اظهاره مرة تلو الاخرى في مشاهد مناجاة منفردة يظهر فيها الامام (محاطا بهالة من نور)، برغم ابتعاد مثل هذه المشاهد عن التسلسل التقليدي لبنية النص، الا انها كانت تمهد للحدث الجلل، وتكشف عن فكر ومبادئ الامام وثباته على طريق الحق ومهما كانت التضحيات، الى جانب التاكيد على ارتباط العقيدة الاسلامية بالتعاليم السماوية، فمثل، نشيرالى المشهد التالي:

((الحسين: يارب الفلق والاطباق، ويا رب الفجر والامساء، ويا سيد النور والظلام، ويا منشئ الوجود والفراغ،ويا باسط الازمان، ومكور الاشياء، يا نبع كل ماء، وماء كل نبع، يا حبور كل فرح، وفرح كل حبور، ويا دمع كل حزن، وحزن كل دمع، ايها الحب الذي يسري من شفاه السر،...

فقد احاطت بي صغار الناس ودماؤها من كل صوب، سيوفهم مشهرة لنهش اجسادن، وشهواتهم مسعرة لسبي نسائن، وكلهم يا سيدي يهتفون اللّه اكبر، اللّه اكبرلقتل آل بيتك، وتذرية احبائك الذين اجتبيت واقتنيت من حصاد الناس، لم يروا جلال وجهك، فخروا سجداللشيطان،انفسهم حجاب، وظلام هذا الكون حجاب، لكن لا حجاب بيني وبينك، لانني من رسول اللّه، نبضة من قلبك، يارب النور،...هبني يا سيدي السكينة والاستقرار في محور امرك.. )) . ((291)) في ضوء ما تقدم، وبعد ان تتبعت بعضا من النصوص المسرحية العربية التي استثمرت واقعة الطف مسرحي، توجب الاشارة الى ما اسفر عنه الاطار النظري من مؤشرات، وهي:

1- الاعتماد على الدقة التاريخية في استثمار واقعة الطف.

2- اتسمت النصوص المسرحية العربية ببناء درامي قريب الصلة بين نص وآخر، وهذا نابع من ان واقعة الطف قد بنت دراميتها التصاعدية بنفسها بناء محكما.

3- هيمنت اللغة الشعرية على النصوص المستثمرة.

4- محاولة بعض الكتاب الافلات من عين الرقيب الذي يحذر ويخاف القضية الحسينية.

5- رجوع الكتاب الى المصادر التاريخية التي وثقت احداث الواقعة، بهدف الالمام بشمولية الاحداث وشخصياتها.

الاطار الاجرائي للبحث مسرحية (ثانية يجي الحسين) للكاتب العراقي محمد علي الخفاجي، تكونت مسرحية الخفاجي الشعرية هذه من ثلاثة فصول، الفصل الاول والثاني منها تضمنا ثلاث لوحات في كل فصل، اما الفصل الثالث فتضمن اربع لوحات، وكما حددالكاتب زمن مسرحيته من 60 هجرية حتى 1967م، حيث كتبت هذه المسرحية في اواخر عام 1967م، وبحسب اشارة المؤلف الى ذلك.

تساءل الخفاجي في مقدمة المسرحية عن الاسباب الكامنة وراء الكتابة عن الامام الحسين(ع) بالذات...! وفيهذه المرحلة التاريخية والتي اعقبت احداث نكسة حزيران عام 1967م، لان الكاتب ذيل مقدمته هذه بتاريخ 18 /12 /1967م، محاولا الاجابة بالقول: ان ((هذه المرحلة التاريخية بالذات مرحلة 60ه كانت تشكل لدي معادلا تاريخيا لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى هذا العام 1967م، والذي تجللت احداثه بالخامس من حزيران، وذلك لما بين المرحلتين من وصال موضوعي وحدثي في عديد من العوامل: في التمزق الداخلي، والصراع الطبقي، وفي غياب المسؤول الحقيقي عن ممارسة مسؤولياته، وهو الشعب وفي التجزئه القطرية والتطاحن الصريح من اجل كرسي الحكم.. )) ((292)).

في ضوء ذلك اشار الناقد العراقي طراد الكبيسي، الى ان المسرحية ((تطمح ان تحقق وجودا اجتماعيا وسياسيا معاصر،رؤية معاصرة، لان جماهير الفقراء والمضطهدين قد اوجدت هذا البطل، البطل الذي يصنعه الشعب والتاريخ، لا البطل الذي يصنع التاريخ والشعب.. )) ((293))، وبذلك حاول الكبيسي اعطاء المسوغ لهذا الوصال الذي اراده مؤلف المسرحية، الا ان كاتب المقال يرى في ان المؤلف حاول اضفاء الجانب السياسي المعاصر لزمن كتابته للمسرحية، خوفا من احتمالية منع النص ونشره من قبل الرقيب آنذاك، حيث لم اجد في النص اي رابط درامي معين، في جميع مشاهد المسرحية وفصوله،ولا حتى اية اشارة لما ذكره المؤلف في مقدمته عن ذلك الوصال الموضوعي.

لقد عمد الخفاجي في نصه كثيرا الى استخدام الرمز، سواء في ملاحظاته او في حوارات شخصياته، فلقد اشار في بداية اللوحة الاولى من الفصل الاول الى وصف منظر القاعة في ملاحظته التي نصت على ان يكون ((في اول كراسي القاعة يظل احدها فارغا طوال مدة العرض في انتظار الاتي، الى جانب الكرسي مشجب عليه بزة فارس يليها سيف معلق..)) ((294))،بهذا يكون المؤلف قد مهد لنهاية احداث مسرحيته برمزه للكرسي الفارغ الذي ينتظر المنقذ والمخلص لواقع المظلومين والمستضعفين في الارض، والذي ينتقم للامام الحسين ولثورته الانتقام الاكبر، والمتصل بالوعد الالهي في تخليص البشرية من كل الظالمين والفاجرين على وجه الارض.

يبدا النص من واحدة من المنطلقات الاساسية لواقعة الطف، المتمثلة بموقف محمد بن الحنفية ونصيحته للامام الحسين(ع)،فيما سيتخذه من المواقف القادمة ازاء نية اعدائه ومكرهم، فيقول الامام الحسين(ع) لاخيه في محاورتهما التي جمعتهما في المشهد الاول:

((الحسين:... العالم ملتاث بالادران وانا ماض لاطهره بدمي ولقتلي وانا اختار محمد: اولم يفقه ذلك سيف ابى او دمه الباقي حناء في فرح المحراب الحسين: (مقاطعا) ان كان ابن ابي طالب غير جهل العالم بالراي او السيف وعاد العالم للجهل فعلى لم يرجعه لجهله وعلى يده بلغ العالم سن الرشد (صمت) هب عاد العالم بعد رسول اللّه لغيه افلا يلزم ان نضع العالم بكرا بعد محمد ولئن كان يزيد قويا فلصوت الامة لو نطقت اقوى.. )) ((295)) .

عبر هذه المحاورة يحدد النص الاستهلال الاول الذي يمهد انطلاقة الاحداث المتتابعة، واعلان اللوحة الثانية عن موكب الحسين وهو يجتاز الصحراء قاصدا هو وعياله وآل بيته واصحابه الكوفة، برغم اعتراض الكثير من محبيه ورايهم في ان يعدل عن مقصده، فمنهم من يلقاه في الطريق، ومنهم من يستطلع عنهم الامام بنفسه الى ان ياتيه صوت يقول: (الناس هناك/ قبضة طفل تطرق باب السجن / كل اعط ى حبل ارادته ليزيد / وهو يحاول ان يهرب منه / ويجيئك يا ابن رسول اللّه..)...، لينتقل الحدث بعد ذلك الى اللوحة الثالثة، حيث الكوفة في حالتها قبل ان يدخلها مسلم بن عقيل، فيظهر رجلان من اهل الكوفة، الاول اعرج ينتحل اسم (ابن حديث)، والثاني معتدل الخطو، لكنه يرتدي قميصا يتالف من الوان كثيرة ينتحل اسم (ابن معاصر)، حاول المؤلف من خلالهما ان يرمز لعصره حيث تسلط الارتزاق والطمع والتلون ومظاهر الفسادالتي تنخر في جسد المجتمع قديما وحديث، على نسبة كبيرة من الناس، وبذلك حاول المؤلف ايجاد الرابط الموضوعي بين الماضي والحاضر مما تقدم، ارى ان الخفاجي قد كشف عن تاثره بالنص الملحمي، بدءا من وصفه لمكان الاحداث الى حركة الشخصيات في نزولها من المسرح الى القاعة الى جانب اعتماده الرمزي في ازياء بعض الشخصيات، ووجود الجوقة وهي ترتل اناشيدهاما بين المشاهد لتصف الحدث اولا ثم تعلق عليه، ثم تدخله باحثة عن الاجابة المناسبة واتخاذ القرار.

ومما يؤكد ما ذهبنا اليه، ميل المؤلف الى طريقة الكتابة على اللافتات بوصفها طريقة وثائقية، نجدها في مشاهد متعددة من هذه المسرحية فمثل، نجد ذلك عندما يصف المؤلف ديكور اللوحة الثالثة من الفصل الاول: ((في عمق المسرح بيت كتب على احد جدرانه كلمة يسقط، وعلى الثاني كلمة يعيش.. )) كذلك فعل المؤلف في اللوحة الاولى من الفصل الثاني حينما وصف ((بيوت كثيرة كتب على جبهة كل بيت منها كلمة (ابن زياد)... بيت واحد... في داخله شجرة ظليلة مكتوب عليها كلمة (طوعة) )). هذا بالاضافة الى استخدام المؤلف للوحات مكتوبة في مشاهد عدة كتب عليها: (اصوات الزور) و (تاريخ الاتي) ((296))، يقول ابن معاصرمخاطبا ابن حديث:

((قلت الناس على اصناف / مثل قميصيهذا / (يلتفت للجمهور) فانا بادئ ذي بدء / لم اك البس هذي الالوان / كان اللون الابيض افضل ما اختار/ لكني / حين رايت الناس / تلبس كل نهار لونا / ابدلت قميصي الابيض هذا..)) ((297)) .

يكشف هذا الحوار عن استخدام المؤلف لرمزية اللون مسرحي، بجانب ايغاله للكشف عن ادراكه لمرجعية اللون واشتغالاته في اللاوعي الجمعي لدى المتلقي، فضلا عن اعلانه الواضح عن مواقف الكثير من الناس (المتلونة) على وفق الحاجة والمنفعة الشخصية، وهذا ما حدث فعلا ابان وجود (مسلم بن عقيل) في الكوفة، وهو يمكن ان يحدث في اي زمان ومكان الى وقتنا الحاضر، وهذا ما اراد المؤلف ان يشير اليه.

وفي ملاحظات اخرى للمؤلف نفسه، يؤكد من خلالها اهتمامه باللون ومدى فاعليته الدرامية في ترسيخ الفكرة والموقف،فيثبت مثلا في ملاحظة تقول: (رجل اعور يرتدي ملابس حمراء)، وفي مكان آخر يثبت: (الرايات الصغيرة السود تحتل جدران القاعة بترتيب).. وفي ذلك ارى، ان اللون عند الخفاجي يشتغل برمزية واضحة، على وفق مرجعية نظرية يونغ النفسية المستندة الى اللاشعور الجمعي في التفسير واحالة الاشياء الى التقاليد والاعراف المتوارثة، ولقد اعتمد الخفاجي في نصه هذا باستخدام الالوان المعروف استخدامها في التعازي الحسينية، هادفا بذلك من جملة ما يهدف الى الحصول على استجابة عاطفية آنية مع الحدث.

كما اهتم المؤلف باشراك الجمهور في الحدث المسرحي من خلال الكثير من ملاحظاته في النص، وفي ذلك تاكيد على الاسلوب الملحمي والاحتفالي في الكتابة المسرحية، الى جانب اعلان النص عن وثائقية مسرحية تقترب من المسرح التسجيلي في احايين كثيرة، وهذا الامر تؤكده الاعلانات واللافتات المخطوطة التي يثبتها المؤلف في ملاحظاته عبرمحطات متعددة في النص.

ما يمكن الاشارة اليه، ان الخفاجي استبعد الكثيرمن التفصيلات التاريخية للواقعة، بسبب هامشية وجودها من الحدث المركزي، بخلاف ما وجدناه في بعض النصوص المسرحية العربية، وربما كان لهذا الاستبعاد اثره المباشر في تكثيف الاحداث المسرحية واختزالها وصولا لتسلسل درامي متصاعد نحو الازمة، التي اراد الكاتب هنا الوصول اليهاسريعا تنوعت اللغة الشعرية في النص من حيث تنقلاتها من بحر الى آخر بالوزن والقافية، ولكنها في الغالب توسدت لغة المصدرالتاريخي الخاص بالواقعة، فنجد مثلا تنوعات لغوية كلغة الدعاء والشعر والهجاء والرثاء، تحيلنا مباشرة الى مقولات اصلية معروفة، مع تصرف بسيط من قبل الكاتب بحسب ما تقتضيه الضرورة الشعرية في الصورة والايقاع واللفظ، فضلا عن اعلان الشاعر الخفاجي فلسفته الخاصة تجاه مواقف وشخصيات عدة، فمثلا يقول الخفاجي وعلى لسان (محمد بن الحنفية):

((الثورة.. هه / الثورة تاكل في اليوم الاول راس السجان تاكل في اليوم الثاني راس المسجونين تاكل في اليوم الثالث صاحبها في اليوم الرابع / ينتفع الجالس في الطرق الخلفية)) ((298))، كما نقرا وعلى لسان الشمر:

((لكن لا حاجة / فانا خلفت لكم اولادي، ولعمريهم اكفاء فليصمت كل حسين / وليعلم ان على عاتقه سيفا من ابنائي لاينزل حتى يقطع منه الراس)) ((299)).

وحينما يقترب النص من نهاية الاحداث، وتحديدا في اللوحة الرابعة من الفصل الثالث، نمسك بالانغماس الكامل في جوالطقس العزائي، عبر صورة كاملة عن احتفالية عاشورائية، يؤكد فيها المؤلف اعتماده على مرجعية معرفية ثابتة، فنجده يهتم بالوصف وبحسب ملاحظات منها: (ظهور الرايات الملونة، ومنها الرايات السود)، (بعض جمل مناسبة تتلى من المقتل بواسطة التسجيل المعهود)، (ظهور الرماح وعلى كل رمح قمر، الرماح تتكاثر وتضي باقمارها...)، كل هذا وغيره ينم عن محاولة الكاتب في لملمة شتات الاحداث وجعلها في صورة مسرحية تعط ي اثرها الفاعل في تجسيد الحدث الدرامي.

وحينما يدوي صوت الامام الحسين(ع)، في فضاء هذا الجو، وهو يقول: ((المختار الثقفي ورائي / يكمل دورة هذي الارض/ يحمل بعدي الاسفار ويصعد في معراج الرفض / يغسل من كل الادراج / رجز الرجازين / يقذف من فوق العرش..الزهو ومملكة الابراج.. )) ((300))، يكون النص قد وصل الى لحظة درامية فاعلة، تداخلت فيها العذابات وتوحدت ما بين النص ومتلقيه، ويصبح الجميع في حالة واحدة، حينها يعمد الكاتب الى التركيز بالاضاءة بحسب ملاحظته على الكرسي الفارغ في اول القاعة وبجانبه السيف، وفي ذلك اشارة رمزية واضحة الى انتظار الغائب، الذي (يكمل دورة هذه الارض)، ويعط ي كل ذي حق حقه ويثبت اركان العدالة الالهية، لانه منقذ البشرية وغائبها المنتظر.

استنتاجات البحث

1- اعتماد الكاتب العراقي على خلفيته الثقافية المرتبطة بتكوينه المعرفي وبيئته، حين يريد استثمار واقعة الطف مسرحياويتعامل معها دراميا.

2- اللجوء الى اختزال الاحداث التاريخية وتكثيفها بحسب ضرورات درامية.

3- الاهتمام بوصف شكل الاحداث وطبيعة تكويناتها المنظرية التي تقترب من الواقع.

4- تاكيد الكاتب استخداماته الرمزية والملحمية والوثائقية في نصه المسرحي.

5- تاثر الكاتب المسرحي العراقي بالكاتب المسرحي العربي واسباب اندفاعه لاستثمار واقعة الطف في النص المسرحي.

6- افادة الكاتب العراقي من المصادر التاريخية ذات العلاقة، الى جانب المرويات المؤثرة في تصعيد الفعل النفسي والعاطفي لدى المتلقي.

بقلم: د. محمد حسين حب


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د. محمد حسين حب

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/10/28



كتابة تعليق لموضوع : استثمار واقعة الطف في المسرحية العربية.. مسرحية "ثانية يجي الحسين" انموذجا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net