بسم الله الرحمن الرحيم
ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ{34}
تشير الآية الكريمة الى عدة امور منها :
1- نسبت عيسى (ع) الى امه مريم (ع) , وفي ذلك دحضا لمزاعم النصارى الى انه ابن الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا .
2- اشارة الى انه "ع" القول الحق , الذي لا خصام فيه ولا جدل , لا شك ولا ريب .
مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ{35}
تضمنت الآية الكريمة محورين اساسيين :
1- ( مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ ) : ردا على النصارى وتنزيها له جل وعلا .
2- ( إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) : في النص المبارك عدة محاور منها :
أ) الله جل وعلا ليس بحاجة الى خلقه , بل الخلق محتاج اليه .
ب) اذا اقتضت مشيئته عز وجل امرا يكون في قوة الامر الالهي ( كُن فَيَكُونُ ) او ( كن كان ) .
وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ{36}
تنقل الآية الكريمة كلام عيسى "ع" للقوم ( وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي ) , مبينا موضحا انه عبدا لله تعالى خاضعا له , مطيعا اياه , وليس كما تزعمون بأن أضفيتم عليه علامات الربوبية كونه ابن الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا , ( وَرَبُّكُمْ ) , وربكم ايضا , خالقكم ومدبر امركم , الذي يجب ان تتوجهون اليه بالعبادة والتسليم لقضائه وقدره , ( فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) , هذا هو الطريق الاسلم الذي تكون نهايته سارة , سعيدة , فيها نوال الخير العميم "الجنة" .
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ{37}
تبين الآية الكريمة ( فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ ) , ذهبت المذاهب بالقوم , واختلفت اراءهم به "ع" , فمنهم من قال :
1- عبد الله ونبيه .
2- هو الله نزل الى الارض ثم صعد الى السماء .
3- هو ابن الله , ارسله لنا بعد ان ارسل الله تعالى الكثير الكثير من الرسل والانبياء "ع" , فكذبوا وقتلوا , حتى ان الله تعالى ارسل ابنه في نهاية المطاف .
4- ثالث ثلاثة .
5- وهناك اخرون قالوا انه كذاب او ساحر ... الخ .
تختتم الآية الكريمة بتهديد ووعيد ( فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) , شهود او حضور يوم القيامة .
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{38}
تبين الآية الكريمة ( أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ) , ما اشد سمعهم وبصرهم يوم القيامة , ( لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) , يبين النص المبارك ان الظالمين في الدنيا اغلقوا سمعهم وبصرهم , حيث سيكون الانتفاع به يوم الاخرة .
وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ{39}
تخاطب الآية الكريمة النبي الكريم محمد "ص واله" ( وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ) , يختلف المفسرون في يوم الحسرة , فمنهم من قال :
1- يوم يتحسر المسيء لإساءته , والمحسن يتحسر لقلة احسانه .
2- عن الصادق عليه السلام قال ( يوم الحسرة يوم يؤتى بالموت فيذبح ) . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
( إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ ) , اذ فرغ من الحساب , وذهب الفريقان كلا الى مأواه , المؤمنون الى الجنة , والكفار الى النار , ( وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ ) , غافلون عن هذا في الدنيا , ( وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) , به او لا يصدقون ما جئتهم به منذرا .
إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ{40}
تبين الآية الكريمة مؤكدة ( إِنَّا نَحْنُ ) , تكرر ( إِنَّا ) و ( نَحْنُ ) للتأكيد , ( نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا ) , كل شيء خلقه الله تعالى يرثه , ( وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ) , الجميع بلا استثناء صائر اليه , حيث سيكون هناك الجزاء الاوفى .
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً{41}
تنعطف الآية الكريمة مخاطبة النبي الكريم محمد "ص واله" ( وَاذْكُرْ ) , للقوم , ( فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ) , في القرآن قصة ابراهيم "ع" , ( إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً ) , انه "ع" كثير الصدق والتصديق , ( نَّبِيّاً ) , اي انه "ع" كان نبيا في ذاته , من تلقاء نفسه , وكان من ارفع الانبياء منزلة .
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً{42}
تذكر الآية الكريمة كلام ابراهيم "ع" ( إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ ) , لأبيه آزر , يختلف المفسرون في كون أزر ابا ابراهيم "ع" ام عمه او جده لأمه , ( يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً ) , لماذا تعبد الاصنام التي لا تسمع ولا ترى , لا تنفع ولا تضر ؟ ! .
يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً{43}
يستمر كلامه "ع" مع ابيه في الآية الكريمة ( يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ ) , لقد اتاني الله تعالى من العلم النافع , ( مَا لَمْ يَأْتِكَ ) , ما تجهله , ( فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً ) , اتبعني على ما لدي من علم ومعرفة , فأني لن اضلك , بل سوف ارشدك الى الطريق الصحيح , حيث النهايات السعيدة .
يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً{44}
يستمر كلامه "ع" مع ابيه في الآية الكريمة ناهيا اياه ( يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ) , بطاعته في عبادة الاصنام وتقديم القرابين لها , ( إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً ) , مبينا ان الشيطان الرجيم كثير العصيان لله تعالى .
يلاحظ في النص المبارك ( إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً ) , ولم يقل ( ان الشيطان كان لله عصيا ) مثلا , هناك عدة مدلولات واشارات لهذا المضمون , لعل ابرزها , ان ابراهيم "ع" اراد ان يبين ان الشيطان الرجيم كان كثير العصيان لله تعالى , بالرغم من ان رحمة الله جل وعلا وسعت كل شيء .
يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً{45}
يستمر كلامه "ع" مع ابيه في الآية الكريمة موضحا ( يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن ) , بالرغم من ان الله تعالى رحمن السموات والارض ورحيمهما اخشى ان يمسك عذابه , ان لم تتب وتفيء اليه جل وعلا , ( فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً ) , عند ذاك تكون من حزب الشيطان واوليائه .
( دعا صلوات الله عليه إلى الهدى وبين ضلاله واحتج عليه أبلغ إحتجاج وأرشقه برفق وحسن أدب حيث لم يصرح بضلاله بل طلب العلة التي تدعوه إلى عبادة ما لا يستحق للعبادة بوجه ثم دعاه إلى أن يتبعه ليهديه الحق القويم والصراط المستقيم لما لم يكن مستقلا بالنظر السوي ولم يسمه بالجهل المفرط ولا نفسه بالعلم الفائق بل جعل نفسه كرفيق له في مسير يكون أعرف بالطريق ثم ثبطه عما كان عليه بأنه مع خلوه عن النفع مستلزم للضر فإنه في الحقيقة عبادة الشيطان فإنه الامر به وبيّن أن الشيطان مستعص لربك المولى للنعم كلها وكل عاص حقيق بأن يسترد منه النعم وينتقم منه ولذلك عقبه بتخويفه سوء عاقبته وما يجره إليه من صيرورته قرينا للشيطان في اللعن والعذاب ) . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
بسم الله الرحمن الرحيم
ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ{34}
تشير الآية الكريمة الى عدة امور منها :
1- نسبت عيسى (ع) الى امه مريم (ع) , وفي ذلك دحضا لمزاعم النصارى الى انه ابن الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا .
2- اشارة الى انه "ع" القول الحق , الذي لا خصام فيه ولا جدل , لا شك ولا ريب .
مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ{35}
تضمنت الآية الكريمة محورين اساسيين :
1- ( مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ ) : ردا على النصارى وتنزيها له جل وعلا .
2- ( إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) : في النص المبارك عدة محاور منها :
أ) الله جل وعلا ليس بحاجة الى خلقه , بل الخلق محتاج اليه .
ب) اذا اقتضت مشيئته عز وجل امرا يكون في قوة الامر الالهي ( كُن فَيَكُونُ ) او ( كن كان ) .
وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ{36}
تنقل الآية الكريمة كلام عيسى "ع" للقوم ( وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي ) , مبينا موضحا انه عبدا لله تعالى خاضعا له , مطيعا اياه , وليس كما تزعمون بأن أضفيتم عليه علامات الربوبية كونه ابن الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا , ( وَرَبُّكُمْ ) , وربكم ايضا , خالقكم ومدبر امركم , الذي يجب ان تتوجهون اليه بالعبادة والتسليم لقضائه وقدره , ( فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) , هذا هو الطريق الاسلم الذي تكون نهايته سارة , سعيدة , فيها نوال الخير العميم "الجنة" .
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ{37}
تبين الآية الكريمة ( فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ ) , ذهبت المذاهب بالقوم , واختلفت اراءهم به "ع" , فمنهم من قال :
1- عبد الله ونبيه .
2- هو الله نزل الى الارض ثم صعد الى السماء .
3- هو ابن الله , ارسله لنا بعد ان ارسل الله تعالى الكثير الكثير من الرسل والانبياء "ع" , فكذبوا وقتلوا , حتى ان الله تعالى ارسل ابنه في نهاية المطاف .
4- ثالث ثلاثة .
5- وهناك اخرون قالوا انه كذاب او ساحر ... الخ .
تختتم الآية الكريمة بتهديد ووعيد ( فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) , شهود او حضور يوم القيامة .
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{38}
تبين الآية الكريمة ( أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ) , ما اشد سمعهم وبصرهم يوم القيامة , ( لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) , يبين النص المبارك ان الظالمين في الدنيا اغلقوا سمعهم وبصرهم , حيث سيكون الانتفاع به يوم الاخرة .
وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ{39}
تخاطب الآية الكريمة النبي الكريم محمد "ص واله" ( وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ) , يختلف المفسرون في يوم الحسرة , فمنهم من قال :
1- يوم يتحسر المسيء لإساءته , والمحسن يتحسر لقلة احسانه .
2- عن الصادق عليه السلام قال ( يوم الحسرة يوم يؤتى بالموت فيذبح ) . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
( إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ ) , اذ فرغ من الحساب , وذهب الفريقان كلا الى مأواه , المؤمنون الى الجنة , والكفار الى النار , ( وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ ) , غافلون عن هذا في الدنيا , ( وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) , به او لا يصدقون ما جئتهم به منذرا .
إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ{40}
تبين الآية الكريمة مؤكدة ( إِنَّا نَحْنُ ) , تكرر ( إِنَّا ) و ( نَحْنُ ) للتأكيد , ( نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا ) , كل شيء خلقه الله تعالى يرثه , ( وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ) , الجميع بلا استثناء صائر اليه , حيث سيكون هناك الجزاء الاوفى .
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً{41}
تنعطف الآية الكريمة مخاطبة النبي الكريم محمد "ص واله" ( وَاذْكُرْ ) , للقوم , ( فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ) , في القرآن قصة ابراهيم "ع" , ( إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً ) , انه "ع" كثير الصدق والتصديق , ( نَّبِيّاً ) , اي انه "ع" كان نبيا في ذاته , من تلقاء نفسه , وكان من ارفع الانبياء منزلة .
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً{42}
تذكر الآية الكريمة كلام ابراهيم "ع" ( إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ ) , لأبيه آزر , يختلف المفسرون في كون أزر ابا ابراهيم "ع" ام عمه او جده لأمه , ( يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً ) , لماذا تعبد الاصنام التي لا تسمع ولا ترى , لا تنفع ولا تضر ؟ ! .
يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً{43}
يستمر كلامه "ع" مع ابيه في الآية الكريمة ( يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ ) , لقد اتاني الله تعالى من العلم النافع , ( مَا لَمْ يَأْتِكَ ) , ما تجهله , ( فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً ) , اتبعني على ما لدي من علم ومعرفة , فأني لن اضلك , بل سوف ارشدك الى الطريق الصحيح , حيث النهايات السعيدة .
يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً{44}
يستمر كلامه "ع" مع ابيه في الآية الكريمة ناهيا اياه ( يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ) , بطاعته في عبادة الاصنام وتقديم القرابين لها , ( إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً ) , مبينا ان الشيطان الرجيم كثير العصيان لله تعالى .
يلاحظ في النص المبارك ( إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً ) , ولم يقل ( ان الشيطان كان لله عصيا ) مثلا , هناك عدة مدلولات واشارات لهذا المضمون , لعل ابرزها , ان ابراهيم "ع" اراد ان يبين ان الشيطان الرجيم كان كثير العصيان لله تعالى , بالرغم من ان رحمة الله جل وعلا وسعت كل شيء .
يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً{45}
يستمر كلامه "ع" مع ابيه في الآية الكريمة موضحا ( يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن ) , بالرغم من ان الله تعالى رحمن السموات والارض ورحيمهما اخشى ان يمسك عذابه , ان لم تتب وتفيء اليه جل وعلا , ( فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً ) , عند ذاك تكون من حزب الشيطان واوليائه .
( دعا صلوات الله عليه إلى الهدى وبين ضلاله واحتج عليه أبلغ إحتجاج وأرشقه برفق وحسن أدب حيث لم يصرح بضلاله بل طلب العلة التي تدعوه إلى عبادة ما لا يستحق للعبادة بوجه ثم دعاه إلى أن يتبعه ليهديه الحق القويم والصراط المستقيم لما لم يكن مستقلا بالنظر السوي ولم يسمه بالجهل المفرط ولا نفسه بالعلم الفائق بل جعل نفسه كرفيق له في مسير يكون أعرف بالطريق ثم ثبطه عما كان عليه بأنه مع خلوه عن النفع مستلزم للضر فإنه في الحقيقة عبادة الشيطان فإنه الامر به وبيّن أن الشيطان مستعص لربك المولى للنعم كلها وكل عاص حقيق بأن يسترد منه النعم وينتقم منه ولذلك عقبه بتخويفه سوء عاقبته وما يجره إليه من صيرورته قرينا للشيطان في اللعن والعذاب ) . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat