قراءات في شعارات ( الله .. الوطن .. حرية .. وبس )
م . محمد فقيه
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
م . محمد فقيه

ونحن نعيش عام التغيير والإصلاح في عالمنا العربي ، ينطلق المحتجون وهم يرددون شعاراتهم ، ويخرج مؤيدو الأنظمة وحواشيهم يرددون شعارات أخرى .
المحتجون يهتفون ويرددون : " الله الوطن حرية ..... وبس "
والمؤيدون يهتفون ويرددون : " الله الوطن الزعيم ..... وبس "
كان هذا الوطن ما كان : تونس أو مصر ، ليبيا أو سورية ، اليمن أو الجزائر ....
وكان هذا الزعيم من كان : بن علي أو حسني ، العقيد أو بشار ، علي أو بوتفليقة ..
أولا : المؤيدون الذين يهتفون للزعيم هم :
1- القسم كبير منهم مجبر على ذلك تحت التهديد بلقمة العيش والفصل من الوظيفة أو الطرد من الجامعة أو التسريح من الجيش .
2 – قسم كبيريؤيد ويهتف خوفا من الإعتقال والتحقيق ، أوالتهديد بالمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى والتآمر على الوطن مع القوى الصليبية والإمبريالية العالمية ، وهو صنيعة اسرائيل ويهدف إلى إجهاض المقاومة وبث الفتنة وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية و ....
3 - قسم آخر ممن يخرج في هذه المسيرات هو جزء من النظام نفسه وأجهزته القمعية ، لتوجيه المسيرة ومراقبة كل ما يحدث خلالها ، لمكافأة النشيط المخلص ومعاقبة المساير والمتخاذل .
4 - قسم أخير هم من المنتفعين والفاسدين الذين تتهدد مصالحهم وتطير مراكزهم ، إذا صلحت الأوضاع وتغيرت الأحوال واستقام حال الأمة ، لأنهم لا يستطيعون
العيش إلامع الفاسدين ، وبحماية أسيادهم من رموز الفساد وأجهزة القمع والاستبداد .
ثانيا : المحتجون والذين ينادون بالحرية هم :
1- الشريحة الأكبر من الشعب المسكين من حزب البطون الخاوية والأجساد العارية والأقدام الحافية ، الذي يكد ليل نهار ولا يجد ما يكفي حاجته ويسد عوزه ويستر عورته .
2 – قسم غير قليل من الشعب مهمش ويعيش خارج الرصيف ، مضطهد ومسحوق ويعاني من التمييزالعنصري أو العشائري أو الطائفي أو الإثني .... أو ما شاكل
3- قسم عانى – هو أوبعض عائلته أو رموزه أو عشيرته - من الظلم والإستبداد أوتعرض للإهانة والإذلال أوالإعتقال أوالإعدام من النظام المستبد وأجهزته القمعية .
4- طبقة مثقفة واعية ، صاحبة عقل متنور وفكروطني أصيل ، تتوق إلى سيادة وطن أبي حر، يدافع عن معتقدات الأمة وكرامة الشعب وتراب الوطن ، خاليا من الإستبداد وجميع مظاهرالقمع والفساد .
5 – طابور خامس من حاشية النظام وأعوانه ، لنشر البلبلة وإشاعة الفوضى وتسويق دعايات الحاكم الفاسد وتسويق أراجيفه ، ومحاولة حرف التظاهرة والاحتجاجات عن الخطة المرسومة بهدف إفشال التظاهرة ، ومن ثم نقل الأخبار والتفاصيل لسيدهم الظالم وزعيمهم الأوحد ، لتصفية الحساب مع هؤلاء المحتجين من الإعتقال والتنكيل بالمشاركين فيما بعد .
ثالثا : الخلاف بين الفريقين .
الكلمة الثالثة من الشعارهي الخلاف بين المؤيدين والمحتجين وهي بيت القصيد وجوهر الخلاف إن لم يك كله ، ولأجل هذه الكلمة لا يتوانى النظام من الإعتقال والتنكيل ، إلى الضرب والسحل والتهديد والوعيد ، وإطلاق القنابل المسيلة للدموع والخانقة ، وإطلاق الرصاص الحي في الهواء أو على الصدور وفي الرؤوس .
الخلاف بين الفريقين في كلمة واحدة : بين ( الحرية ) و( الزعيم ) !
أيهما أحق برفع الشعار وأي كلمة أولى ، وبشكل آخر هل الزعيم الذي يهتف له المؤيدون أهم ، أم الحرية التي يهتف لها المحتجون ؟ .
هل يستطيع الزعيم تطبيق الحرية ليرضي الطرف الأخر ؟
أم هل تستطبع الحرية أن تأتي بزعيم وطني يقود الأمة ويحقق مصالح الوطن ؟
لو كان الزعيم الحالي يحقق أهداف الشعب ويرضي طموحاتهم لما ثار عليه المحتجون ، ولو كان يؤمن بالحرية ويسعى لتطبيقها لما أعطى أوامره لأعوانه بسحق المحتجين من معارضيه الذين يرفعون شعار الحرية .
كأن الحرية والزعيم قطبان متنافران ، وعلى طرفي نقيض وبينهما زاوية مستقيمة ، أو كأنهما خطان متوازيان لا يلتقيان أبدا .
وإلا فلم يأمرالحاكم المستبد زبانيته بتوجيه بنادقهم إلى صدور المحتجين العارية ، وهاماتهم المرفوعة ، وهم يرددون ويهتفون بأجمل كلمة – حرية - تتوق لها شعوب وجماهير عربستان ، المبتلاة بحكام مستبدين ، يكتمون أنفاس الشعب ويسرقون خيراته ويتاجرون بمقدراته ويرهنون مصالح أوطانهم عند أعداء الوطن ليغضوا الطرف عنهم ، ويدعموهم في الخفاء لتوريث أبنائهم وأحفادهم من بعدهم ، في جمهورياتهم الدكتاتورية المستبدة .
إن الحرية الحقيقية قادرة على أن تأتي بالزعيم الوطني الصالح الكفؤ ، وتمد الدولة بآلاف الكفاءات والطاقات الخلاقة ، وتسترد للمواطن حقوقه المصادرة وكرامته المسحوقة ، وتنتشله من مستنقعات الذل والهوان ، وتعيد أرض الوطن المسلوبة بتفعيل المقاومة الحقيقية ضد الغاصب والمحتل ، لا مجرد شعارات فارغة وعبارات جوفاء ، تستخدم للتسويق والإستهلاك المحلي الرخيص أمام طوابير المطبلين وجموع الغوغاء المغفلين .
إن الحرية الحقيقية هي التي تصنع وطنا قويا منيعا ، ومواطنا كريما أبيا ، عزيز النفس مرفوع الهامة ، وتأتي بزعيم وطني مخلص يحافظ على مقدرات البلد ، ويؤسس مبدأ العدل والمواطنة الصالحة ، ويشيع روح الأخوة والتسامح بين كافة أبناء الوطن وأطيافه ، ويدفع بالبلد إلى العلا نحو التقدم والسؤدد ، ويؤمن بحق الأخرين في الرأي والتعبير، في دولة يسودها دستور يعبر عن طموحات الجماهير، ويحفظ حقوقهم بانتخابات حرة شفافة ونزيهة ، تضمن تداولا سلميا للسلطة ، يمثل اختيار أكثرية الشعب لزعيم وطني كفؤ مخلص .
شتان شتان بين زعيم تأتي به الحرية ينقذ الأمة ويحقق آمالاها وطموحاتها .
وبين زعيم يفرض على الأمة إلى الأبد ، من حزب شمولي ، يتبنى نظاما جمهوريا وراثيا ، وحكما قمعيا مستبدا ظالما ، يحارب الحرية ويطلق عليها الرصاص الحي ، ويتاجر بمقدرات الأمة ويتآمر مع أعدائها ، وتلتف حوله حاشية فاسدة مفسدة ، وبطانة سوء لا تتقن غير النفاق للزعيم الأوحد بعد أن بايعته للأبد ، وتقوم بتلميع صورته الشائهة ، وتحول أفعاله الإجرامية القبيحة وخياناته المخزية إلى انجازات وطنية ، ويهتفون له : بالدم ... بالروح ... فإذا ما أفل نجمه ومالت الكفة قليلا قفزوا إلى الضفة الآخرى وداسوه بأحذيتهم ، واعتبروه أجهل من أبي جهل وأظلم من أبي لهب .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat