يقول الباحثون في علوم الاديان ان المعجزة التي جاء بها الرسول محمد(ص) لاثبات نبوته هي القران الكريم لانه تركيب لغوي مركب بشكل خارق يفوق مقدرة البشر على تركيب الجمل والالفاظ اللغويه مع مافيه من اخبار الامم الماضيه والاخبار بما كان وبعض مما سيكون وما جاء فيه من المعلومات والحقائق التي لم تكن معروفة انذاك
ولهذا تحدى القران المشككين والمكذبين والذين يقولون (افتراه) بان يأتوا بعشر سور من مثله مفتريات ثم نزل عن ذلك وتحداهم بسورة واحدة ان استطاعوا هم وشركاءهم ومن يقف معهم ولكنهم عجزوا عن ذلك وسيظلون عاجزين الى يوم الوعد المعلوم
ومع ان شخصا قليل الالمام بالعربية مثلي لا يمكن له ان يدرك كامل اسرار الاعجاز القراني الا اني وبحمد الله اعرف منه بعض ما تيسر لي واؤمن به على وجه الاجمال
وبالتأكيد فان قوام القران العزيز هي اللغة العربية بما فيها من غنى في المفردات وغزارة في المرادفات وحلاوة في التشبيهات ووصف دقيق لكل مسمى من المسميات في اي زمان ومكان يكون
واذا كان قد صح مانسب لامير المؤمنين علي (ع) من ان القران لا تفنى غرائبه ولا تنقضي عجائبه فلربما كان المقصود به ايضا ان اللغة العربية التي هي قوام القران ومادته بحر لا ساحل له ولا قرار, لايحيط بها محيط ولا يدرك اسرارها مدرك
ولهذا كانت ترجمة الكتاب العزيز الى اللغات الاخرى امرا في غاية المشقة وهي (اي الترجمة) تعطي صورة تقريبية للمعنى المقصود ولا تتمكن من ان توضح المعنى الحرفي وذلك لان لغة العرب تتمييز عن غيرها بكثرة المفردات وكثرة دلالاتها ومن هنا يمكن ان نفهم ان مترجمي القران الى الانجليزية مثلا سيصطدمون بمفردات مثل الساعه , والزكاة , والقيامه , والرحمن , والرحيم , والسراط , والصمد , والقارعه , والجهاد والاف غيرها من المفردات التى لا يجدون ما يطابقها في دلالة المعنى عند الترجمه
والغريب ان من يريد ان يعادي الاسلام ويتنقصه لا يتأتى له ذلك الا بالتشكيك في القران الكريم والتقليل من شأنه والبحث عما يستدل به منه على انه من صنع البشر مع ان ( منه ايات بينات هن ام الكتاب واخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم مرض فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم) ولا يتأتى لهم التشكيك في القران الا بانتقاص لغة العرب وتضعيفها والاساءة اليها
حتى صرنا نجد من يتهم اللغة العربية بانها لغة جامده لا تتطور بما يواكب تطور العصر وتقدم البشرية ومنهم من يدعي انها لغة صعبة لاتصلح لغة للعلوم والمعلوماتية وهي ليست مرنة بما يكفي للاشتقاق منها بما يستوعب المستجات والمستحدثات التي يحتاجها الانسان الحديث للتعبير عما يريد, بل وصل الامر الى دعوات من بعض انصاف المثقفين وارباعهم الى احلال اللهجات العامية المحلية محل اللغة الام والاعتراف بها لغات اصيلة واستخدامها بدلا منها
ومن عجائب لغة الضاد في حدود علمي المتواضع هو ذلك الفارق الكبير بين الدلالات المتعدده للمفردة الواحدة لغة واصطلاحا اي بين ما وضعت المفردة اللغوية لاجله ابتداءا وما استعملت فيه بعد ذلك اصطلاحا واليكم بعض الامثلة:
اولا:المثقف لغة هو الرمح الحاد النصل وثقف بفتح الثاء وكسر القاف وفتح اخره بمعنى ادرك الشيء ولحق به ووصل اليه ومن قوله تعالى (فاما تثقفنهم) اي تدركهم وتلحق بهم اما المثقف اصطلاحا فهو الشخص الذكي الواسع الاطلاع والمعرفه ووجه الاستعارة اللغوية هنا ان المثقف شخص حاد الذكاء كنصل الرمح وهو بسبب كثرة اطلاعه يصل للمعلومة التي يريد ويدركها فلا تفوته معرفتها
ثانيا:الكتابة لغة هي الربط والشد فاذا ربط البدوي ناقته يقال انه كتبها ومنه قول القائل:
لا تأمن فزاريا خلوت به
على قلوصك واكتبها باسيار
الفزاري من قبيلة فزارة والقلوص هي الناقه ومعناه اربط ناقتك ولا تأمنن ان يسرقها الفزاري
في حين ان الكتابة اصطلاحا هي تدوين المعلومات المراد حفظها على الورق او ما يكتب عليه من جلد او طين او اي شيء اخر ووجه الاستعارة هنا ان المعلومة عندما تدون فهي كأنما تربط مكانها ولا تضيع ومن الممكن ان يرجع اليها مدونها ولو بعد حين فيجدها مكانها
ثالثا:المستهتر لغة هو المولع بالشيء والمحب له والمكثر منه فالمستهتر بالطعام هو النهم الاكول الذي لا يكاد يشبع والمستهتر بالشراب هو المولع به ولا يكاد يفارقه والمستهتر باللعب هو من يقضي اكثر وقته فيه في حين ان المستهتر اصطلاحا هو الشخص المنحل وغير الملتزم الذي لايحترم القيم الاجتماعية او ما تعارف عليه الناس بل وحتى القيم التي جاءت بها الشرائع ووجه الاستعارة هنا ان من وضع كل همه في شيء واحد كأن يكون الاكل او الشرب او اللعب او النوم او الجنس او القمار واكثر منه فوق المعتاد لا بد ان ينتهي به الامر متحللا من التزاماته الاخرى ومبتعدا عنها ما دامت لا تتوافق مع رغباته وملذاته
رابعا:الفسق لغة هو خروج الشيء من الشيء وانسلاخه عنه وصيغة الفاعل منه هي فاسق ولهذا تسمى الفأرة بالفويسقه لانها تخرج من جحرها على نحو من السرعه والانطلاق ويقال فسقت التمرة بفتح الفاء والقاف اذا انفصلت عن قشرتها وانسلخت منها اما الفسق اصطلاحا فهو العمل بما لايوافق الشرع من اتيان المحرمات او ترك الواجبات والفاعل لكل ذلك يسمى فاسقا ووجه الاستعارة في ذلك ان عمله يعتبر خروجا عن الدين وانسلاخا منه
خامسا:الكظم لغة هو السد على امتلاء , وصيغة الفاعل من ذلك هي كاظم , ويقال كظم القربة اذا سد فوهتها بعد ان ملأها بالماء بينما يكون الكظم اصطلاحا هو تحكم المرء في غضبه ومنعه من ان يظهرللعيان ووجه الاستعارة في ذلك ان المرء يسد منافذ الغضب في نفسه ويحبسه في صدره فلا يرى منه شيء من ذلك
وفي اللغة العربية الاف الامثلة المشابهة لما اوردته انفا وامثلة في مباحث اخرى تتعلق باسرار وخفايا هذه اللغة العظيمه ومن كل ذلك يظهر للعيان مدى حيوية هذه اللغة وغناها وتميزها عن غيرها من اللغات ومدى قدرتها على التكيف والتطور بما يواكب الاحتياجات الخاصة باهلها ومن هنا يتضح انه اذا كانت مشيئة الله ان يحتج على خلقه باعجاز لغوي خارق فليس ثمة من هي اصلح لهذه المهمة من بين كل لغات البشر غير لغة الضاد .........واية لغة هذه؟
صفاء ابراهيم
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat